هل تنتهى أزمة المصريين الاقتصادية مع الصكوك الإسلامية؟ بينما تسعي الحكومة لإقرار ما أطلقت عليه "الصكوك الإسلامية"، عبر مشروع قانون خاص أعدته وزارة المالية، في محاولة منها لإنقاذ الاقتصاد الوطني، ووجه المشروع بردود فعل متباينة تأرجحت بين التأييد الواسع والرفض التام، من جانب رجال دين وخبراء متخصصين في شئون الاقتصاد، في حين بدا نعت هذه الصكوك ب"الإسلامية" هدفه صبغ المقترح بالطابع الإسلامي لكسب تأييد قطاع عريض من الشعب، رفض الأزهر الشريف الفكرة واعتبرها "مخالفة للشريعة"، وأيده في ذلك مجلس الشوري، وألمح البعض إلي أن الفكرة كارثية وقد يُسمح بمقتضاها برهن أصول ثابتة مثل المنشآت العامة وبالتالي ضياع هذه الحقوق لاحقاً، لكن خبراء اقتصاديون أشادوا بالمشروع وأكدوا أن تطبيقه سيمثل نقلة نوعية ستؤدي إلي توسيع سوق المال في مصر، من خلال طرح أداة مالية جديدة، وكذا توسيع الوسائل أمام الدولة للحصول علي موارد لتمويل أغراض الإنفاق العام لها، لتبدأ مرحلة انتعاش اقتصادي وتفك أزمات المصريين. مشروع قانون الصكوك الإسلامية مازال يثير جدلاً من شأنه أن يضع حكومة د.هشام قنديل في حيرة من أمرها، وبخاصة مع تحفظ أكبر مؤسسة إسلامية في البلاد عليه، ففي جلسة طارئة عقدها قبل أيام مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف برئاسة شيخه الدكتور أحمد الطيب، أجمعت آراء علماء المجمع علي رفض مشروع القانون المقترح، نظراً لوجود مخالفات شرعية في بعض بنوده ومنها الاعتراض علي كلمة "سيادية"، حيث سُمي المشروع ب"الصكوك الإسلامية السيادية"، ما دفع أعضاء المجمع إلي إبداء تخوفهم من عدم جواز الطعن علي التصرفات والقرارات الناجمة عن المشروع وتحصينها بشكل غير قابل للنقاش أو الاعتراض عليها بما يفتح الباب لوجود مخالفات فيما بعد. أسباب الرفض وأبدي علماء المجمع اعتراضهم أيضاً علي حق تملك الأجانب من غير المصريين لتلك الصكوك باعتبار هذا مخالفاً للشرع، لأنه لا يجوز للأجنبي التصرف في الأموال والأصول الثابتة المملوكة للشعب، فضلاً عن عدم وجود ما يضمن الحفاظ علي حقوق الأفراد ممن يمتلكون صكوكاً. وبسبب نظر الحكومة إلي هذا المشروع باهتمام بالغ، كون إقراره والموافقة عليه من الناحية الشرعية يعني استخدام حصيلة هذه الصكوك في تمويل المشروعات الاستثمارية بالخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، فقد سارعت وزارة المالية بالرد علي الملاحظات التي أبداها علي المشروع مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ما دفع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، إلي إحالة المشروع إلي هيئة كبار العلماء، باعتبار الأخيرة هي الجهة الشرعية الأعلي لإبداء الرأي الشرعي النهائي، ومن المقرر تحديد اجتماع عاجل للجنة خلال الأيام القليلة المقبلة. وكانت اللجنة الاقتصادية بمجلس الشوري أيدت هي الأخري قرار مجمع البحوث الإسلامية برفض مشروع الصكوك الإسلامية.. وقال عضو المجلس الدكتور محمد الفقي إن المشروع افتقد الجوانب الشرعية، بينما تقدم النائب حسين حامد حسان بمشروع جديد إلي الشوري وصفه بأنه يراعي الجوانب الشرعية، وأقسم أن هذا المشروع الموحد يشدد علي أنه لا يجوز بيع الأصول المملوكة للدولة، مشيراً إلي أن المشروع الذي أرسلته وزارة المالية إلي مجمع البحوث الإسلامية يتعلق بالصكوك السيادية التي تصدرها الحكومة. إشادة بالفكرة في المقابل، رحب عدد آخر من خبراء الاقتصاد بهذا المشروع، رغم انتمائهم أيضاً للأزهر، فقد أشاد أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر الدكتور فياض عبدالمنعم بمشروع القانون الذي أعدته وزارة المالية لإصدار الصكوك الإسلامية السيادية، بهدف تمويل النفقات العامة الحكومية بأساليب التمويل الإسلامية التي تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأوضح أن هذا المشروع يمثل نقلة نوعية جديدة، وله ميزات وفوائد اقتصادية عدة، أهمها توسيع سوق المال في مصر عن طريق طرح أداة مالية جديدة تضاف إلي الأدوات المالية الموجودة حالياً، وهذا من شأنه أن يعمل علي توسيع سوق الأدوات المالية والاستجابة لرغبات شرائح في المجتمع، وجذب متعاملين جدد إلي السوق المالية، وذلك ممثلاً في الأفراد والمؤسسات المالية في الداخل والخارج والتي لديها فوائض مالية وترغب في توظيفها في أدوات مالية إسلامية، وكذلك من الفوائد الاقتصادية لهذا المشروع، توسيع الوسائل والأساليب أمام الدولة للحصول علي موارد لتمويل أغراض الإنفاق العام لها، وهذه الأدوات الجديدة تتميز بأنها تجذب مدخرات من موارد حقيقية لا تسبب التضخم، بالمقارنة بالاعتماد علي الموارد المصرفية كما هو الوضع حالياً. وفي حين أوضح أستاذ التمويل والاستثمار في جامعة القاهرة الدكتور هشام إبراهيم، أن مصر تحتاج إلي دعم الموازنة العامة بطرق غير تقليدية، مشيراً إلي أهمية الصكوك الإسلامية كأداة جيدة لتجميع المدخرات من المواطنين واستثمارها في مشروعات آمنة تدير عجلة الاقتصاد، أثارت تصريحات إعلامية أدلي بها خبير التمويل الدولي في الجامعة الأمريكية الدكتور إبراهيم عبدالله قلق المراقبين، حينما وصف الصكوك الإسلامية بأنها "صك الغفران لأموال غير مشروعة"، مشيراً إلي أن نظام الصكوك الإسلامية يتيح التعامل لغير المصريين، فضلاُ عن أنه يسمح "برهن منشآت عامة". الصكوك بلا دين من جانبه قال المحاضر الدولي في الاقتصاد السياسي بفرنسا محمد الألفي إن تسمية مسمي "الصكوك الإسلامية" غير صحيح وغير علمي، فالصك يعتبر صكاً ولا دين له، أما أن نلبس الصك الرداء الديني من أجل تحفيز العامة للإقبال عليه فهذا يخل بمبدأ الشفافية والإفصاح التي أضحت من مقومات الاقتصاديات الحرة في العالم، وهذا الخطأ ينسحب علي نعت الاقتصاد بالإسلامي، فلا يوجد ما يسمي بالاقتصاد الإسلامي والاقتصاد غير الإسلامي، حيث إن البنوك العاملة في الأسواق المالية لها نسبة فائدة معلنة علي القروض منذ البداية، أما الاقتصاد الذي يطلق عليه إسلامي فيقوم بتحصيل نفس النسب تحت مسمي "مصروفات إدارية وتكاليف لجان مراقبة من قبل البنك المقرض، وبالتالي النتيجة واحدة واللعب بالألفاظ لا يخدم اقتصادنا الآن. وأضاف الألفي أن مسألة الصكوك طرحت من قبل إبان حكومة أحمد نظيف وعلي لسان وزير الاستثمار السابق محمود محي الدين الذي تبني الموضوع وخلفه أمانة السياسات بالحزب الوطني المنحل، و كنت قد عارضت ذلك من مبدأ عدم قيام مجموعة من المتربحين في مصر من رجال الأعمال الذين سيقومون بالاستيلاء علي هذه الصكوك من المواطنين العاديين وتقسيم ما تبقي من شركات العام السابق بين خمسة أفراد مثلاً، لأن الفكرة كانت تقضي بألا يحصل أي فرد علي أكثر من 02٪ في أي وقت لاحق من إجمالي الأصول، ثم بعد ذلك بالطبع كان سيحق لهم التصرف في الصكوك لمستثمرين آخرين عن طريق طرح أسهم أو الصكوك ذاتها داخل البورصة المصرية بعد اعتمادها كمستند مالي يمكن التعامل عليه. وحتي تتفادي الحكومة الموقف كانت تقترح أن تنشئ صندوقاً للأجيال القادمة برأسمال 005 مليون جنيه من إجمالي تقييم الصكوك والتي تبلغ مليارات، ورفضت ذلك وقدمت مشروعاً عبارة عن صندوق لإدارة الأصول المملوكة للدولة، ونشر ذلك في صحيفة "الجمهورية" بتاريخ 02 فبراير 9002 والفكرة تقوم علي أن يستحوذ الصندوق علي مجمل الأصول التي تنوي الدولة توزيعها علي المواطنين، وأن يتولي الصندوق إدارة الشركات القائمة، وأن ينشئ الصندوق شركات مساهمة في مختلف المجالات التي تحتاجها الدولة، وأن يقوم الصندوق بتأسيس بنك تابع له أو يقوم بالاستحواذ علي أحد البنوك المطروحة للبيع والهدف من ذلك وجود وعاء مصرفي لتمويل مشروعات الصندوق، والثاني التعامل البنكي مع مختلف القطاعات بهدف تجاري، وأن يعطي للصندوق الحق في برنامجه التأسيسي أن يطرح أسهم بعض هذه الشركات القائمة للاكتتاب العام، كما يعطي له الحق في تأسيس شركات مساهمة مصرية وكذلك حرية الاكتتاب فيها للمصريين وذلك طبقا لدراساته ورؤيته الاستراتيجية في هذا الشأن، وأن يكون للصندوق حق إنشاء مشروعات مع جهات أخري ذات عائد اقتصادي استثماري والحق في التخارج وطرح حصتة للبيع بعد خمس سنوات وهي مدة كافية لتنفيذ واستقرار أي مشروع وبالقيمة السوقية في وقت البيع وليس القيمة الاسمية في الدفاتر وقت الإنشاء. كيان اقتصادي مستقل وتابع: يأتي بعد ذلك استخدام رأس المال الناشئ عن البيع في التدوير بمشروعات أخري جديدة وفي هذه الحالة نضمن كياناً اقتصادياً كبيراً متماسكاً دون الحاجة إلي تفكيكه والمغامرة به في صورة صكوك تباع بعد ذلك لغير المصريين بما يؤثر علي سيادة البلاد، وأن يُسمح للصندوق بقبول استثمارات أجنبية لمشروعاته لا تزيد علي 53٪ من إجمالي مشروعات الصندوق وليس للمستثمر الحق في امتلاك أسهم، ورأيت أن يدار الصندوق ككيان مستقل بعيداً عن الحكومة بحيث يكون له أمين عام بدرجة وزير للتنمية ويصدر له قرار رئاسي مثل الذي يصدر لمحافظ البنك المركزي. ويوضح الخبير الدولي أنه بعد طرحه هذه الفكرة صدر قرار مجلس الوزراء في ديسمبر 0102 بإنشاء جهاز إدارة الأصول المملوكة للدولة، ثم تبع ذلك أحداث ثورة 52 يناير 1102 ولم نعد نسمع عن الأمر إطلاقاً حتي فوجئنا بمن يرغبون في إعادة الكرة، لكن بإلباس الفكرة لباساً دينياً حتي يمكن تمريرها، والهدف هذه المرة هو بيع الصكوك لحاملها بما يعرض البلاد لكارثة عدم السيطرة علي سيادتها حال امتلاك الأجانب للنسبة الأكبر من الصكوك مما يشبه احتلالاً جديداً مثل الذي أعقب ديون مصر بعد حفر قناة السويس واعتياد الحكومات وقتها علي الاستدانة بما عجل باحتلال مصر عام 2881 وإذا حدث ذلك الآن وفي هذا الوضع الاقتصادي الهش أحذر بأن مصر سيتم احتلالها بطرق شتي، فيما لا يزيد علي 3 سنوات من الآن.