الحياة مستمرة.. لا .. ولن تتوقف أبدا.. نعيشها بحلوها.. ربما لا نعرف قيمتها طالما تسير بنا الهويني دون صعاب.. لكن يدرك قيمتها جيدا من يتعرض لمحنة مرضية شديدة.. ومواقف ومخاطر جسيمة تهدد بسلبه هذه الحياة.. هنا تظهر روح المقاومة والصلابة الشديدة في الحفاظ علي هذه الحياة طالما أن (الأجل) لم يحن بعد.. وفي لحظات الشدة يتقرب الإنسان إلي خالقه يطلب عونه ونصرته.. ومع (الشدة) أيضا تصفو الروح وتتسامي علي كل الصغائر الدنيوية.. ويسبح الإنسان في ملكوت ربه بكل لغة.. وبكل دين.. طالبا النجدة من (الله) سبحانه وتعالي فهو السميع المحيب واهب الحياة. ولذلك علي كل من يهدر حياته في التفاهات أن يقف قليلا ليدرك أهميتها.. ليتعلم كيفية الحرص عليها والاستمتاع بها.. وهذا لايعرفه للأسف الكثيرون. وفي مهرجان دبي السينمائي الدولي التاسع اختير فيلم (حياة باي) للمخرج التايواني الأصل.. الأمريكي الجنسية (آنج لي).. ليكون فيلم الافتتاح وهو مأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للروائي الكندي (يان مارتل) نشرها قبل عشر سنوات وحصلت علي جائزة (البوكر) العالمية.. وترجمت إلي العديد من اللغات. وقد استوحي المؤلف يان مارتل أحداث الرواية من صديقة طفولته (إليانور) التي عاشت أعوامها الأولي في الهند بكل ماتشهده من تناقضات ومغامرات.. وإذا كانت الرواية صدرت في عام 2001 فقد ترجمت إلي العربية عام 2006. وقد نجح المخرج (آنج لي) في تحويل هذه الرواية بتقنية عالية ثلاثية الأبعاد إلي عمل سينمائي رائع يمتع الكبار والصغار بما يحويه من مشاهد ومعلومات وتفاصيل دقيقة عن سلوك الحيوانات البرية والبحرية وطرق وأسلوب معيشتها بأسلوب بسيط لتصل المعلومة التي لايعرفها إلا المتخصصون في عالم الحيوان والغاب. وسوف يكون هذا الفيلم أهم حدث روائي يبصر النور علي شاشة السينما لعام 3102 ومن المتوقع أن يحقق أعلي الإيرادات. وقد تم تصوير الفيلم في كل من كندا.. والهند.. وتايوان وهو حول الصبي الصغير (باي) الذي يعيش في الهند وكان والده يمتلك أكبر حديقة حيوان.. لكنه اضطر أن يرحل بأسرته والحيوانات التي يملكها إلي (كندا) لكي يبيعها. وبالفعل سافر علي متن سفينة كبري.. لكن عاصفة ليلية شديدة تغرق السفينة بكل ركابها.. ولاينجو منها سوي الصغير (باي) .. ونمر بنغالي شرس نادر.. كان علي الصغير أن يتعايش مع هذا النمر وزورق نجاة ليصل بهما إلي الأمان.. من والده تعلم (باي) أن قانون الغاب لامكان فيه (للأصدقاء) عندما حاول في إحدي المرات أن يطعم (النمر) وهو داخل القفص وأنقذه والده في اللحظة الأخيرة قائلا له : إن ما يراه في عيني النمر ماهو إلا انعكاساته هو ومشاعره.. بينما نظرة النمر الحقيقية لاتحمل أي صداقة أو ود.. الدرس الذي تعلمه (باي) جعله يتعايش مع هذا النمر بأسلوب المراوغة معتمدا علي ذكائه الفطري فحفظ حياته وحياة النمر.. لمدة مائتين وسبعين يوما عبر المحيط ومن خلال قارب نجاة.. استطاع فتي صغير أن يحافظ علي حياته ليصبح أسطورة ويصل إلي بر الأمان.. ليعيش بعد ذلك مدركا القيمة والمعني الحقيقي للحياة التي وهبها الله لنا. ولبطولة الفيلم تقدم ثلاثة آلاف شاب وممثل تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والسابعة عشرة.. وقد وقع اختيار المخرج (آنج لي) علي الممثل الشاب المبتدئ (سوراج شارما) الذي يبلغ من العمر 17 عاما. أما الممثل والمنتج والمخرج التايواني المولد (آنج لي) والأمريكي الجنسية فهو يعد من أهم المخرجين اليوم .. وهو من مواليد عام 1954، وقد تخرج في الكلية الوطنية للفنون في تايوان عام 1975 ليرحل بعد ذلك إلي أمريكا ليستكمل دراسته من جامعة (إيلينوي) ولينال أيضا الماجستير في الإنتاج السينمائي من جامعة (نيويورك). وإذا كانت مشاهد الصبي مع النمر أثارت المخاوف العديدة لكل المشاهدين كذلك كل مشاهد هياج البحر وثوراته..فإنه بسبب التقنية العالية والحديثة يقول الممثل الشاب الموهوب.. لم التق بالنمر علي الإطلاق شاهدته من بعيد لكن توجيهات المخرج هي ماجعلت مانشاهده وكأنه حقيقة.. صدقتها أنا نفسي عندما شاهدت الفيلم.. وهذه هي روعة السينما.. وعبقرية المخرج (آنج لي) الذي قدم للسينما مايقرب من (21) فيلما.. وقد رشح فيلمه (جبل بروكباك) عام 5002 لثماني جوائز أوسكار.. فاز بثلاث منها أفضل مخرج.. وأفضل نص سينمائي.. وأفضل موسيقي تصويرية. الطريف أن زورق النجاة الذي استخدم في تصوير الفيلم مطروح للبيع بمبلغ أربعين ألف دولار وذلك ضمن تذكارات أخري من الفيلم ستباع كأنواع فن الدعاية عند عرض الفيلم.
في مهرجان دبي السينمائي الدولي ال 9 تم عرض (851 فيلما) من (16 دولة) منها (05 عرضا) عالميا لأول مرة .. تميزت كلها بالمستوي الفني الجيد.. وقد رأس لجنة تحكيم المهرجان العربي للأفلام الروائية الطويلة كل من المخرجة التونسية (مفيدة تلاتلي) والمخرج والكاتب والناقد السينمائي (عدنان مدانات) والنمساوي (مارتن شويغوفر) المدير التنفيذي للجنة الأفلام النمساوية.. والفنان (آسر ياسين) وبرئاسة المخرج البرازيلي (برونو باريتو). ولقد شملت المسابقة العربية العديد من الأفلام الجيدة جدا.. عكست واقعا لحياة الإنسان العربي المعاصر بكل أحلامه وآماله.. وإحباطاته.. وصعوبات الحياة التي يعيشها .. والحقيقة كلنا في (الهم سواء). ومن لبنان التي تشهد حاليا تفوقا سينمائيا بارزا حيث يزداد ويتنوع الإنتاج السينمائي بها خاصة أنها منفتحة علي الإنتاج المشترك. كان هناك فيلمان روائيان الأول للمخرج فؤاد عليوان.. الذي ولد في بيروت عام 4691.. وهو مخرج لبناني مستقل، درس الإخراج السينمائي في جامعة (مونتانا) بالولايات المتحدةالأمريكية.. وقدم العديد من الأفلام الروائية القصيرة.. حازت عدة جوائز.. ولعل أشهرها (هوا بيروت) عام 2002.. و»إلي اللقاء« عام 6002.. وقدم في هذه الدورة فيلمه الروائي (عصفوري) وهو مأخوذ عن حكاية (بناية) يملكها جده الكبير يعود تاريخ بنائها إلي عام 0091.. وهي إحدي البنايات القديمة الجميلة في بيروت.. ولايخفي (فؤاد) سعادته الشديدة باستكمال هذا الفيلم قبل أن تهدم البلدية هذه البناية بحجة أنها آيلة للسقوط ليبني مكانها (مول تجاري حديث).. وذلك كما حدث مع العديد من العمائر في بيروت.. بعضها بالفعل أصابه الدمار.. والبعض الآخر تم هدمه بعد ارتفاع أسعار الأرض وأثمان البنايات الحديثة.. وبالمناسبة فإن هذا يحدث في مناطق كثيرة بعالمنا العربي والكثير من المدن التي لاتحافظ علي النمط والطراز المعماري.. فهذا الشيء لايمكن أن يحدث في مدينة مثل (باريس) حيث تلزمك (البلدية) حتي لو هدمت العمارة أن تبني من جديد بنفس النمط والطراز وبذلك تحافظ المدن علي شخصيتها، وهو ما تتباهي به مدينة علي أخري.. في فيلم (عصفوري) يروي فؤاد بصدق شديد وحالة من الشجن ليس فقط حكاية بنايته التي تعرضت للحرب الأهلية وتدمير القوات الأجنبية.. لكنه يقدم رؤية واعية لبلده لبنان وما آل إليه الحال.. وذلك من خلال الخليط السكاني لهذه البناية العريقة.. إنها بناية (أبو عفيف) وحفيده الشاب (كريم) الذي يعود من المهجر بعد أن فر من الحرب الأهلية بإصرار من والده ووالدته لكنه عاد متذكرا طفولته ومراهقته وسنين عمره الحلوة.. من خلال المصير الذي آل إليه حال سكان العمارة بطوائفهم المتعددة.. ودياناتهم المختلفة.. وكيف كانوا يعيشون بأمان وسلام ووئام.. لامجال للخلاف الطائفي أو الدين.. لكن كل ذلك تغير بفعل الزمن.. لكن ورغم كل ذلك يبقي الإنسان متعلقا بالحياة.. متسقا مع نفسه في كثير من الأحيان محافظا علي البقاء.. مقاوما لكل أشكال الدمار التي يسببها له إنسان آخر.. ناسيا أن الاختلاف رحمة بين البشر.. لكن فقط علي كل منا أن يحترم الآخر ويتقبله معترفا بأننا جميعا متساوون لكننا بالتأكيد مختلفون. إن عصفوري فيلم شديد المتعة تشعر وأنت تشاهده وكأنك تبحر في قلب وعقل كل (لبناني) و(بيروتي) عاشوا أوقاتا صعبة جدا.. لكن (الأمل) هو الذي يجعلهم يحلمون بحياة أفضل.. في ظل متغيرات يضعها البعض قد تقود الجميع للهلاك.. لكن القاعدة تقول إن الحياة هي الباقية. هل من الممكن أن تتقبل إسرائيل؟.. هل من الممكن أن تنسي دماء الأطفال الذين يقتلون بالجرافات التي لاتفرق بين رضيع وشيخ وامرأة؟ هل من الممكن أن تغفر لمن يحاولون هدم الأقصي.. وأن تنسي أو تحاول تناسي كل ذلك وتعيش وسطهم كواحد منهم.. بحجة أنهم يعطونك حقوق المواطنة الإسرائيلية لمجرد أنك من عرب 48 وتعيش وسطهم؟ هل من الممكن مهما علا شأنك أن ينظر إليك من قبلهم بأنك بالفعل واحد منهم؟ هل تذوب باختصار الشخصية الفلسطينية والهوية العربية في ثقافة العدو باعتباره المهيمن والمسيطر والمحتل للمكان؟. أسئلة كلها تدور في العقل ويعيشها تقريبا يوميا آلاف مؤلفة من عرب 48.. البعض منهم يعيش داخل البلاد أسيرا لهذه الهوية رافضا أن يغادر الأرض غير متعاون مع (العدو) الذي سيظل للأبد عدوا.. طالما أن هناك حقوقا منزوعة من أصحابها.. ويعاملون معاملة شديدة السوء.. والبعض الآخر قلة قليلة ضئيلة اعتقدت أنها ذابت وسط هذا المجتمع وتقبلته ونسيت تماما أنها ستظل غريبة وأن ماتعتقده ذوبانا ماهو إلا أوهام عندما تصطدم بالخلاف في أي وقت سواء أكان صغيرا هامشيا.. أو كبيرا مؤثرا. إن المخرج اللبناني الواعي (زياد دويري) الذي تذكر له أروع الأعمال (بيروتالغربية) الذي لخص المأساة اللبنانية يقدم لنا في أحدث أفلامه (الصدمة) الذي حصل في مهرجان مراكش السينمائي الأخير علي جائزة أحسن فيلم.. رؤية واقعية ومعالجة درامية لرواية الكاتب الجزائري (ياسمينة خضرا) وبمشاركة في الإنتاج مع المخرج الجزائري (رشيد بوشارب) صاحب فيلم (بلديون).. هذه الملحمة الرائعة التي يشارك في بطولتها الممثل الفلسطيني (علي سليمان) في واحد من أجمل الأدوار التي لعبها علي الشاشة (الجراح) أمين الذي يعيش في قلب تل أبيب محققا نجاحا كبيرا.. ويحتفي به كل الإسرائيليين باعتباره مواطنا مثلهم تماما.. بينما هو قد وضع منذ زمن جانبا أسئلة كثيرة لم يعد يهتم بها عن تاريخه وعائلته وهويته العربية في الأصل. في عز نجاح (أمين) والاحتفاء به تقوم عملية استشهادية في قلب إسرائيل يسعي لنجدة المصابين.. وبعد ذلك يفاجأ بأن من فجرت نفسها واستشهدت هي (زوجته) يكاد يجن جنونه فهذه الزوجة الحبيبة لم تسع يوما لفعل شيء لايعرفه.. كيف وصل بها الحال لذلك.. في رحلة طويلة للكشف عما حدث.. يكتشف تماما إنه حاول أن يدفن جذور عروبته ووطنه داخل مصطلحات لغوية لامعني لها تعبر عن المواطنة الشكلية.. إن (أمين) الجراح الشهير والطبيب المرموق يكتشف إنه لامكان له في المجتمع الإسرائيلي.. بل إنهم ينظرون له بمزيد من الشك والتربص.. بل علي العكس أيضا مطلوب منه أن يتعرف علي من دفعوا بزوجته إلي ذلك ويشي بهم.. في رحلة البحث عن الحقيقة يكتشف أن الحياة التي يعيشها ماهي إلا زيف.. وكذبة كبري من قبل الإسرائيليين.. وإنه في سبيل تقبل هذه الحياة دفع الكثير من كرامته وتاريخه العائلي وميراثه الإنساني الكثير. لينتهي الفيلم وقد عرف تماما أنه سيظل دائما عربيا.. وأنه بفقدانه هذه الزوجة قد انتهي تماما.. إن سعي أمين الإنسان.. وراء أمين الجراح الشهير جعل الأول يدفع من إنسانيته ثمنا باهظا.. فلن يكون من سرق الأرض واحتلها.. واغتصب العرض.. وحاول طمس الهوية أبدا صديقا أو حتي رفيقا في درب الحياة. إن زياد دويري يحتاج إلي تحية خاصة لإقدامه علي إخراج هذا الفيلم الرائع هو ورشيد بوشارب فمن خلال هذا الشريط السينمائي الرائع يفضح تماما كل الأكاذيب الإسرائيلية. وهو مايحتاج إليه العالم الغربي ليعرف حقيقة إسرائيل الكاذبة.