ابتسامة.. نظرة.. لمسة تلقائية.. كلها حركات جسدية لا إرادية تصدر دون قصد كرد فعل لمواقف أو حدث ما، إلا أنها وفي الوقت ذاته تكشف الحالة النفسية والمزاجية لأصحابها، كما أنها تفضح نواياهم ووجهات نظرهم في الأحداث والأشخاص. قد لا تمثل ردود الفعل الحركية لدي الأشخاص العاديين أية أهمية فإنها وعلي جانب آخر تعتبر شديدة الدلالة إذا ما ارتبطت بالساسة والرؤساء والحكام وغيرهم ممن تسلط عليهم الأضواء وتعد عليهم عدسات الكاميرات الأنفاس.. إذ إن ما لا تقوله ألسنتهم حول توجهاتهم وخططهم السياسية تفضحه لغة الجسد الخاصة بهم، ناهيك عن أن التاريخ يكشف عن بعض الإيماءات أو الحركات وربما الابتسامات من قبل بعض الرؤساء قد تقيم سلاما أو تشعل حربا.. قبل بضعة أشهر مثلت المصافحة الحارة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الفنزويلي هوجو شافيز إشارة لقرب نهاية الخلافات بين البلدين وفتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما، بعد سنوات طويلة من التوتر دامت خلال فترتي ولاية الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش. فطريقة مصافحة أوباما لشافيز في صمت تركت انطباعا إيجابيا معلنة عن أن الأمور علي مايرام وأوضحت أن نهج بوش التصادمي قد ولي، وأن نهجا جديداً قد حل، يقوم علي الاحترام وعدم الاستخفاف بالآخر وأخذ الوقت والجهد الكافي للتعرف علي حقيقة الموقف وتقديره، وبذلك تم الإعلان عن سياسة جديدة متبعة. وكان دائماً يستخدم الرئيس الفنزويلي أصابعه للرد علي بوش كنوع من التحذير والتهديد في نفس الوقت. كما أن المحللين السياسيين كانوا يرون إشارات شافيز هذه بأنه رجل قابل التحدي وصامد أمام عنترية بوش. وعلي الرغم من أن الأيام التالية للمصافحة لم تؤشر لتقدم ملموس علي صعيد العلاقات بين البلدين وعاود شافيز هجوم علي واشنطن، إلا أنها بوجه عام عكست توجها ما في فترة ما بين الرئيسين بغض النظر عن مصيره.. بداية جديدة ومنذ دخول أوباما البيت الأبيض وأخذ علي عاتقه الأرث الذي تركه سلفه، بدأ بإرسال مجموعة من الإيماءات والإشارات كرسائل صامتة لإعلان الدول التي كانت تعرف بأنها في خانة الأعداء ببداية عهد وسياسة جديدة تقوم علي الدبلوماسية. ومن المعروف عن أوباما قدرته علي توظيف وتفعيل جسده. فقد استخدم مهارة إيماءات اليدين حينما يحركهما يميناً مرة ويساراً مرة أخري. فيجيد استخدام هذه الإشارات بحيث تتوافق مع ما يقوله في حديثه ولا تسبقه، كما لم يكن مفرطا بهما فأتت مناسبة ومتوازنة. أما تعبيرات الوجه عنده فهي معبره لحد الإبهار، فتكون الابتسامة الساحرة المعهود بها الخالية من التكلف في بداية حديثه سر جاذبية لكل من حوله، والتفاؤل والأمل والسرور واضح علي ملامح وجهه. وقليلاً ما يلجأ أوباما لتحريك الرأس الذي يقوم به إلا عند الضرورة فقط، حيث يستخدمه في حالة الموافقة أو عدمهما وهذا بحق ما فعله الرئيس الأمريكي في خطابه بالقاهرة فلم يفرط في تحريك الرأس فالإكثار منه يفقد المقدم شخصيته وقبل ذلك يفقده مصداقيته. ولكن هناك موقف آخر يستخدم فيه رأسه بحيث يميل به إلي أعلي ووجهه يشع بريقا وهي حينما يتكلم عن ابنتيه ساشا وماليا، فيشعر من أمامه بنوع من الدفء. نظرة واثقة ولمسة كاذبة أما عن نظرات أوباما عند وقوفه أمام الشعب الأمريكي فهي نظرات ثاقبة وموزعة فتشاهده يلقي بنظرة عامة ليس فيها تخصيص، لتعطيه المزيد من القوة والثقة وتفتح باب التواصل المباشر معهم. كما تماس عيناه في كل الاتجاهات بإيقاع متوازن ليشعر الجميع بأهميتهم وهذه براعة تمكن منها أثناء الحملة الانتخابية عام 2008. حيث حسمت لغة الجسد الجولة الأخيرة بينه وبين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. أما هيلاري أو المرأة الحديدية، كما يراها شريحة كبيرة من الأمريكيين، التي أصبحت الآن صقرا من صقور الإدارة الأمريكية، فوصفها أحد خبراء الأحاديث العامة جون نفينجر أثناء إحدي المناظرات مع منافسها أوباما آنذاك بأنها تمتلك نظرات عين تنم عن القوة والصمود والإصرار علي النجاح وتحركاتها متعمدة تشعر فيها بالمرونة. كما أن هزة رأسها تساعد علي تأكيد ما تقول. وليس كل الحركات الجسدية تعبر عن القوة أو الثقة بل إنها أيضاً تعتبر من أهم الدلائل علي الحالة النفسية، وبخاصة لمس الأنف أو حركة العين فعندما يقوم المرء بتفادي النظر إلي الشخص المتحدث إليه وتفادي تلاقي النظرات، هذا يعني بأن هذا الشخص يكذب. فالكذب يبعث علي التوتر ويسبب تغيرات في تدفق الدم الي الوجه، تتجسد علي شكل احمرار في الوجه، لمس أو فرك الأنف. وهذا ما حدث أثناء إدلاء الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بشهادته أمام هيئة المحلفين في قضية مونيكا لوينسكي. حيث لمس أنفه حوالي88 مرة وهو يرد علي أسئلة المحكمة، كما عض شفتيه السفلي 15 مرة خلال دقيقتين فقط. ومن كذب كلينتون إلي غراميات رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني المولع بالنساء. لأن له عشيقات وفضائح مع سيدات وفتيات صغار، فإن نظرات عينيه هي التي تفضحة لأنه غالباً لا يستطيع أن يخفي حبه ومداعبته المستمرة للنساء. وهناك سياسيون تتنوع حركاتهم بين المشي بثقة وقوة أو رفع الحاجبين أو السير في المقدمة، لتعبر لغتهم الصامتة هذه عن الهيمنة أو التكبر كذلك عن الضعف والتوتر مثل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن ورئيس الوزراء الأسبق توني بلير. ولعل بوش من أكثر الرؤساء استخداماً لحركات الجسد كنظرات العين وإشارات اليدين والجسد نفسه للتعبير عما يدور بداخله. ففي إحدي المرات كان بوش يعض علي شفتيه حين توتر فهو رد فعل غير واع، وقد ظهر هذا حينما علم بوش بوقوع هجمات 11 سبتمبر عام2001 علي الولاياتالمتحدة وفي عدة مناسبات أخري. كما أنها طريقته في السيطرة علي قلقه وتوتره. ولكنه كان يحرص علي أن يسير بثقة وقوة ويحرك ذراعيه لينقل الإحساس بالعظمة والسيطرة. وكما كان له بعض الحركات الصبيانية التي يجب ألا تخرج من رئيس دولة. فعندما كان يطرف بعينيه "يغمز" للملكة اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا. وأحيانا كان يضع يديه علي وجهه في لقاءات القمة أو الاجتماعات وعيناه تنظران إلي السقف وكأنه يتجاهل كلام الآخرين ولا يريد أن يسمع لهم شيئا. ومرة أخري يضع يديه علي فمه عندما كان يتحدث مع رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين حينما كان الأخير رئيس روسيا. ولكن بوتين الرجل القوي الغامض استطاع أن يضفي صفاته علي الآخرين، فمن خلال قوته الجسمانية أوضح للعالم أنه شخص يقبل التحدي وصامد ويكره الهزيمة وأنه زعيم لدولة واثقة من نفسها إلي أبعد الحدود ولابد للجميع الشعور بالرهبة تجاهها وتجاهه. علي عكس بوش الذي يحاول استعراض عضلاته في أي مكان يذهب إليه. وتظهر عليه الاستكانة فقط، عندما يرفع الحاجبين لديه. كذلك بالنسبة إلي بلير فهو التابع لبوش طيلة فترة وجوده كرئيس وزراء بريطانيا، كان دائما يظهر أنه ودود ومنصت لما يقوله والخضوع والرضوخ، فكان يضع يده في جيبه عندما كان يتحدث مع بوش. ولبلير مجموعة من الحركات والإشارات التي توضح الكثير من أفكاره فعلي سبيل المثال كان يرفع حاجبا واحدا ليعني اهتمامه بشيء. وإمساكه أحد أصابعه في اليد اليسري حينما يتوتر، وغالباً ما يضع يده علي معدته أو علي مؤخرة رأسه في حالة شعوره بأنه يتعرض لهجوم. كما يفعل لاعبو كرة القدم حين يفشلون في إحراز هدف، فهي حركات انعكاسية لا إرادية كمحاولة لتهدئة النفس. وعلي الرغم من أن الساسة لهم مستشارون لتجميل الصورة العامة يدلون بالنصح علي المناسب وغير المناسب في الحديث والتصرف، إلا أن هناك دائما مساحة للإشارات والحركات اللاشعورية والتي تفضح مشاعر صاحبها. وفي بعض الأحيان في عالم السياسة تكون اللغة الصامتة متعمدة ولكن في أحيان أخري تكون غير متعمدة وهو ما يجعل الأمر مثيراً للاهتمام، حيث إن الساسة دائما يعملون علي الحفاظ علي المظاهر. ابتسامة صفراء وتكشف لغة الجسد الكثير في العلاقة بين بلير عندما كان رئيساً للوزراء ووزير ماليته وقتها رئيس الوزراء السابق جوردون براون. فقد كان دائما يظهر عليه الانزعاج الي حد الذهول حين كان بلير يسيطر علي كل شيء ويستحوذ علي الأضواء. فكان يقوم مثلاً بالعبث بأزرار قميصه أو لمس وجهه خلال خطاب بلير. فخلال سباقهما علي رئاسة الوزراء فعلي الرغم من الود الظاهر بينهما إلا أن حركاتهما وإشاراتهما لبعضهما البعض تدل علي علاقة مضطربة وعداوة. فمثلا بلير يبتسم ابتسامة مقتضبة صفراء تمتليء بالافتعال عند وجوده مع براون، وعلي الطرف الآخر فبراون يتحاشي أن تلتقي عيناه مع بلير كمحاولة للتقليل من شأن بلير، ولهذا يحاول مستشارو بلير وبراون التقليل من ظهورهما معاً. أما وضع الرجلين فوق بعض والقيام بحركة دائرية في القدم فتعني عند الإنسان العادي الارتباك الممزوج بالخوف وتعني في السياسة التفكير المصحوب برغبة بالتهرب ويعد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي صاحب أكبر قدر من المناورة بين الرؤساء في العالم، ورغم أن ساركوزي يحاول السيطرة علي انفعالات جسده كما يحاول بعض الساسة إلا أنه يغضب سريعاً، وظهر ذلك عندما سأله الصحفي البريطاني عن الشائعات بتورطه هو وزوجته في فضيحة خيانة زوجية مما أثار غضبه وأحرجه في ذات الوقت.