أوباما فرصة ثانية للأمل والتغيير الأصوات اللاتينية وتهميش المرأة ومخاطبة النخبة الثرية من أسباب خسارة رومني رغم ضعف الاقتصاد الأمريكي، وارتفاع معدلات البطالة التي تشهدها الولاياتالمتحدة منذ الكساد العظيم، لم ينجح الجمهوريون، الذين بدوا واثقين من فوزهم حتي اللحظات الأخيرة، في الإطاحة بمنافسهم الديمقراطي باراك أوباما واستطاع الأخير الفوز بولاية ثانية وإلحاق هزيمة مذهلة لمرشحهم ميت رومني، بعد حصوله علي 303 من أصوات كبار الناخبين مقابل 203 لرومني، فاشتعلت الحرب بين صفوف الجمهوريين متسائلين عن أسباب الخسارة وتعالت الأصوات المطالبة بترشيح بوش الثالث للانتخابات الرئاسية 2016. رفض الحزب الجمهوري نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة واعتبرها سيناريو ولعبة متدنية للغاية، ومنهم من أسماها الخديعة الكبري، فهي صفعة يتلقاها كل جيل بسبب حرب العراق وأفغانستان وأزمة اقتصادية طاحنة. سيسجل التاريخ فشل الجمهوريين في إسقاط ذي شعبية ضعيفة كانت في عهده أسوأ معدلات بطالة، هذا بالإضافة إلي أن الحزب قد فاز بأغلبية الأصوات الشعبية مرة واحدة فقط في خمس محاولات علي مدار 20 عاماً. لكن عام 2008 يبدو الآن وكأنه الموضع الذي تخلفت فيه السياسات الأمريكية. في ذلك العام، وفي انتخابات ضد رئيس فاتر يفتقر إلي الشعبية جراء بطالة طاحنة، استعاد الجمهوريون ولايتين فقط. ترجع صحيفة الاندبندنت البريطانية خسارة الحزب الجمهوري في هذه الانتخابات إلي أن رومني كان مرشحا ضعيفا، حيث كان العديد من الجمهوريين ينفرون من ترشيحه بسبب أدائه غير الكفء خلال الانتخابات التمهيدية، فقد أدار حملته علي أساس احتياج الولاياتالمتحدة إلي رجل أعمال ناجح لإنعاش الاقتصاد الراكد. إلا أن ما زاد من هزيمته هو فشله في التواصل مع الناخبين، فجعل الناخب يذهب إلي صندوق الاقتراع وهو غير متأكد مما يمثله رومني، صاحب الثروة الفاحشة. فقد استخدم ثروته وثروة سماسرة القوة الجمهورية من أجل إحباط حزب الشاي. وتحت عنوان الدروس المستفادة من انتخابات 2012 تناولت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أسباب فوز أوباما وخسارة رومني، فالدرس الأول الذي توصلت إليه الصحيفة هو أن الانتخابات لم تنحصر فقط حول سياسة أوباما نحو الاقتصاد. فقد ركز رومني نقاشه علي كيفية تمكن واشنطن من تعديل قانون الضرائب حتي يصبح مزيد من الناس أغنياء. وبذلك حول الانتخابات إلي استفتاء علي حكم النخبة الثرية، وهو آخر ما كان ينبغي لرومني أن يسعي إليه. وإذا كانت هناك قضية واحدة وفرت لها هذه الانتخابات حلا حاسما فهي خطة أوباما لفرض ضرائب علي الأرباح العالية، وهو ما ضرب خطط رومني لخفض الضرائب من أجل "صناع الوظائف". إن نسيان الحزب الجمهوري لهذا الدرس سيكون خطراً عليهم مستقبلاً. أما الدرس الثاني هو أن الجمهوريين يعانون من مشكلة كبيرة مع الأصوات اللاتينية، وأنهم بحاجة لتغيير سياستهم حيال الهجرة لتقليص فشلهم في الأوساط اللاتينية في الدورات الرئاسية المقبلة. خاصة أن نسبة التصويت لرومني بين المواطنين من أصول إسبانية كانت نحو 27٪ مقابل 40٪ حصل عليها أوباما، وكان ذلك أمراً مثيراً للدهشة. وأكد نائب ولاية كارولينا الجنوبية في مجلس الشيوخ ليندسي جراهام، علي هذا السبب قائلاً " التركيبة السكانية هي السبب لخسارة الجمهوريين الانتخابات الرئاسية". وعكست استطلاعات الرأي أمام لجان الاقتراع استنتاج جراهام، حيث فاز أوباما بنسبة 93٪ من أصوات الأمريكيين الأفارقة و70٪ من أصحاب الأصول اللاتينية، وهم الأسرع نمواً ديموجرافياً في الولاياتالمتحدة. درس آخر كان علي الجمهوريين أن يتعلموه ويهتموا به قبل الانتخابات، وهو أنه لا يمكن تجاهل الشباب، فهؤلاء باتوا يشكلون 20٪ من أصوات الناخبين. كما أن ثلثي الناخبين لأول مرة، أي أغلبية ساحقة من المواطنين المتجنسين حديثاً، صوتوا لأوباما. ويتمتع الرئيس الأمريكي أوباما بتأييد 38٪ أكثر من رومني، بين النساء غير المتزوجات، وبين جميع النساء، نسبة تأييده تفوق رومني بنسبة 12٪. وأرجعت الصحيفة هزيمة رومني لأن الناخبين لم يروه محافظاً بشكل كاف. فخسارته جاءت بعد أربع سنوات من هزيمة جون ماكين، لتشجع بلا شك بعض من يعتقدون أن خطأ الحزب الكبير كان ترشيح المعتدلين, وعليه البحث عن مرشح أكثر تحفظاً في المرة القادمة. واعتبرت الصحيفة أن الصراع بين جناحي المحافظين والمعتدلين داخل الحزب سيكون سبب الحرب التي تلوح في الأفق بين الجمهوريين. وتمضي الصحيفة في تحليل نتيجة الانتخابات مؤكدة أن هذه الانتخابات توضح أن الولاياتالمتحدة تميل رسمياً نحو الديمقراطيين، هي التي كانت غالباً أقرب للجمهوريين. فعدد الأصوات التي حصدها أوباما هذه الدورة والدورة الماضية، يترك للفريق الآخر مجالاً ضيقاً للمناورة. وبالتالي لم يعد بإمكان الجمهوريين ارتكاب المزيد من الأخطاء في السنين المقبلة. فانتخاب أوباما دليل علي تقدم الولاياتالمتحدة وتطورها فاختيار أوباما لولاية ثانية يدل علي أن البلاد قررت أن تكون متعددة العرقيات، وأن تتخطي عقودا من التقاليد الدينية والعرقية والجنسية، ففوزه هذه المرة يرسخ رغبة الأمريكيين في الانفتاح، ونبذهم ما وصل إليه حال الحزب الجمهوري الذي بات يبدو فقط كحزب مخصص للبيض، المتزوجين، المتزمتين، المتدينين. فإن تجزئة السياسة الأمريكية حسب العرق والدين والنوع ليست فقط نتاج أخطاء فادحة من جانب الجمهوريين. وفي صحيفة "نيويورك تايمز" كتب المحلل السياسي توماس فريدمان يقول: إن سبب فوز أوباما لم تكن سياسته، بل لأن الناخبين أرادوا أن يعطوا فرصة ثانية للأمل والتغيير، فالتغييرات الديمجرافية في البلاد، وتزايد عدد الأمريكيين من أصول لاتينية سيفرض علي أوباما تغييرات في سياسة الهجرة، خصوصاً هجرة الأدمغة لتطوير قطاع التكنولوجيا والبقاء في المقدمة. وحقوق مثليي الجنس باتت أولوية للعديد من الأمريكيين فلا أحد يريد حرمان أصدقائه أو أقربائه من حق الزواج بمن يحب. خصوصاً وقد أظهرت الدراسات مؤخراً وللمرة الأولي أن أغلبية الأمريكيين لا يعدون أنفسهم متدينين. وتشير "تايمز" البريطانية إلي أنه من بين المشكلات المحتملة للجمهوريين لاحقاً, هو أن البعض ينظرون لبوش الثالث, حفيد جورج بوش الأب، جيب بوش، الحاكم السابق لولاية فلوريدا، كمرشح محتمل في عام 2016 لكنه يواجه تحدياً قوياً من الجيل المقبل من نجوم المحافظة مثل بول ريان، الذي كان أشاد به البعض علي أنه مستقبل الحزب. وريان هو نائب عن ولاية ويسكونسن في الكونجرس وكان مرشح الحزب الجمهوري لمنصب نائب الرئيس في حالة فوز رومني بانتخابات الرئاسة. ومن المعروف عنه تأييده لحق الأمريكيين في حمل السلاح ومعارض لحق المثليين في الزواج. كما كان متعهدا بالتحالف القوي والتعاون بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل واشتهر بتأييده للعقوبات علي طهران.