الخدمة الطبية والصحية الحكومية تشهد معاناة بالغة، فالمستشفيات تعاني الإهمال وقلة الإمكانيات، ودائما ما يكون المريض الضحية، فغالبا لايجد الرعاية الكافية وربما لايستطيع الدخول لتلقي العلاج سواء لعدم توافره أو لعدم وجود أطباء بالمستشفي ...هذا هو الحال بمستشفي ساقلتة المركزي بمحافظة سوهاج، الذي يعاني من ضعف الإمكانيات ونقص الأجهزة والأدوية، بل وتغيب الأطباء عن العمل والأكثر خطورة من ذلك قيام الممرضات بدور الطبيب في الكشف علي المرضي ومتابعة حالاتهم، فأقل ما يمكن أن نصف به هذا المستشفي أنه في "الإنعاش" !! . يخدم مستشفي ساقلتة المركزي أكثر من 200 ألف نسمة، حيث يوجد بمركزساقلتة أكثر من 12 قرية ، وهذا المستشفي يفترض له أن يكون مجهزا علي أعلي مستوي وبه أفضل الأطباء نظراً لموقع المركز الجغرافي ؛ حيث يحده من الشرق الجبل وتوجد كثير من البيوت تحته ويتعرض أبناء هذا المكان لحوادث خطيرة منها لدغات الثعابين والعقارب التي في كثير من الأحيان لا يجد الأهالي المصل المعالج لها، ويحده من الغرب البحر وهناك الكثير من حوادث الغرق وخلافه، وهذه الحوادث التي تحتاج إلي علاج سريع وفوري لاحتوائها لا تتعجب عندما تعرف أن المستشفي المركزي يقوم بتحويل مثل هذه الحالات إلي مستشفي سوهاج الجامعي أو المستشفي العام الذي تستغرق ما لا يقل عن ساعة حتي تصله مما يؤدي إلي وفاة المريض، وتكرر ذلك كثيراً، هذا بالإضافة إلي أن المستشفي يكاد يكون بلا أسوار فالسور الحديدي الموجود لا يتعدي طوله المتر ونصف المتر وهو ما يسهل عملية دخول البلطجية إلي المستشفي، والسور من الجانب الآخر من الطوب ولكنه متهالك وبه تشققات والأسياخ الحديدية تخرج منه وارتفاعه أقل من طول الإنسان، ويفترض لضمان التأمين ألا يقل ارتفاع السور عن 5 أمتار، كما أن الدكتور يحيي عبدالعظيم محافظ سوهاج الجديد في إحدي زياراته المفاجئة تفقد المستشفي واعترف بوجود عجز في الأطباء وبتردي الخدمة والإمكانيات بالمستشفي، كل ذلك جعل "آخرساعة" تزور المستشفي لترصد الوضع علي الطبيعة . قبل ذهابي إلي المستشفي سألت بعض المواطنين من أبناء مركز ساقلتة عن الوضع بالمستشفي ومشاكله، فقال مؤمن خلف 32 سنة (حاصل علي دبلوم صنايع): لاتوجد أي خدمات بمستشفي ساقلتة، ويعاني أهل المركز كثيراً، لأننا عندما نذهب إلي هناك يقومون بتحويلنا إلي مستشفي سوهاج الجامعي، أو إلي المستشفي العام، وعندما نعترض أو نسألهم عن السبب يقولون ليس لدينا أجهزة لعلاج هذه الحالة، وإذا قبلوا المريض ودخل المستشفي ينتظر ساعات بين الحياة والموت حتي يأتي طبيب لعلاجه، وكثير من سكان المركز فقراء وقد يموتون ولا يذهبون لطبيب في حالة عدم توافر علاجهم بالمستشفي الحكومي. ويقول ياسر سليم 38 سنة (إمام مسجد) فهناك عجز في عدد الأطباء والممرضين بالمستشفي، كما أن قسم الاستقبال يعتبر متوقفا تماماً، فأغلب الحالات يتم تحويلها إلي مستشفيات سوهاج، ولا يوجد طبيب بالقسم، وفي إحدي المرات ذهبنا إلي المستشفي مع أحد الأقارب نتيجة لحادث سيارة، تم وضع المريض علي السرير عدة ساعات والممرضة فقط تتابع حالته ولا يوجد طبيب وعندما سألتها أكثر من مرة عن الطبيب قالت لا يوجد طبيب وهي التي ستتابع الحالة، هذا الموقف أغضبني، وسألت عن أي أحد مسئول بالمستشفي أو قسم الاستقبال فقالت "كله مشي" فالمستشفي أصبح مصدر سخط وغضب جميع الأهالي ويمكنك أن تسأل أي مواطن عن ذلك . بعد استطلاع آراء المواطنين توجهت إلي المستشفي وأغلب كلامهم كان صحيحا، بداية الزيارة كانت بدخولي إلي قسم الغسيل وجدت المرضي علي الأسرة وموصلة بهم أجهزة الغسيل ولا يوجد معهم طبيب، نظرت داخل القسم وجدت فقط ممرضة تدعي هالة أحمد محمد 32سنة أشارت إلي أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها مستشفي ساقلتة عدم وجود أطباء، فقد يكون هناك عدد كبير من الأطباء لكنهم حصلوا علي إجازات وليس لهم بديل ،وهذا الوضع ليس بسبب الإضراب لكنه دائماً كذلك، فقسم الغسيل لم يأت إليه إلا طبيب واحد فقط اسمه عمر يتابع المرضي بنفسه لكنه ليس موجودا الآن، كما أن هناك أجهزة متهالكة من المفترض أن تستبدل بأخري جديدة أو توضع في المخازن لأنها لا تعمل، وإذا تعب مريض في الفترة المسائية لم نجد له دكتورا واضطر أحياناً لإعطائه علاجا علي مسئوليتي لإنقاذه، فالقسم يعتبر مهددا بالسقوط، وتطالب بزيادة عمال النظافة حيث لا توجد سوي واحدة بقسم الكلي، وتؤكد أن المستشفي بكامله لا يوجد به مسكن للآلام. تركت الممرضة واتجهت لأحد المرضي الذين يجرون جلسة الغسيل الكلوي ويدعي أشرف محمد الضبع عمره 31 سنة حيث يقول إنه أجري ثلاث جلسات غسيل أسبوعياً بمعدل 4 ساعات لكل جلسة، مؤكدا أن الإهمال كبيرجداً داخل المستشفي فلا يوجد عناية بقسم الغسيل نهائيا، كذلك لا يوجد أطباء أو إغاثة في حالة شدة المرض أو التعب علي المريض، والموظفون يتركون العمل ظهراً وإذا جاء أي مسئول بعد الظهر لن يجد موظفين، والقمامة تحيط بنا من جميع النواحي، ونحن نقوم بعمل غسيل وتجديد للدم وهذه القمامة أكبر خطر علينا لما بها من فيروسات وميكروبات، كما أن هناك أجهزة متهالكة تتعطل أثناء الجلسة مما يجعل الممرضين يقولون للمريض الجلسة انتهت دون أن تنتهي ويذهب إلي بيته يعاني من الألم لعدم اكتمال جلسته . دخلت المستشفي لم أجد مرضي، فرحت وتمنيت السلامة للجميع، لكن بعدما تجولت بالمستشفي حزنت، عرفت أن سبب عدم وجود مرضي هو عدم تواجد أطباء ،والأسرة داخل الأقسام متهالكة، لاحظت لافتة مكتوبا عليها "سكرتارية المستشفي" طرقت الباب ودخلت وجدت رجلا اسمه علي عبدالحكيم عبدالله عمره 15عاماً (مسئول الأغذية بالمستشفي) يوضح أنه للمريض ثلاثة وجبات يومياً، حيث يصرف للمريض في الإفطار والعشاء قطع من الجبن والزبادي والخبز، وفي الغداء أيام دجاج وأيام لحوم بالإضافة إلي الخضار، ويجب مساواتنا بباقي المستشفيات في توفير عربات يوضع عليها الطعام لتوزيعه علي المرضي بحيث يغطي جيداً ويكون محفوظا من الذباب والحشرات والأتربة ويظل ساخنا، وبسبب عدم وجود هذه العربات نقوم بتوزيع الطعام بعد لفه بشاش أبيض ووضعه علي "صينية" بأنفسنا. ويقول محمد بيومي 25 سنة (فني معمل) المستشفي قوته فوق ال 200 دكتور قوة أساسية، لكن كل طبيب يأتي لاستلام العمل يخلي ويأخذ إجازة في نفس الوقت بحجة أن عنده دراسة أو دبلومة، وأغلب الأطباء كذلك يأتون من مديرية الصحة بسوهاج ومعهم خطابان واحد لاستلام العمل والآخر للإخلاء ويحصل علي راتبه كما هو شهرياً رغم عدم حضوره!، وكأن المستشفي "ترانزيت" كل من لديه دراسة يتم تحويله علي مستشفي ساقلتة ليأخذ إجازتة كما يريد، الأخطر من ذلك أن قسم الاستقبال الذي يفترض أن يعمل 24 ساعة أحياناً يغلق لعدم وجود طبيب به، كما أن سور المستشفي غير مطابق للمواصفات فسور أي مستشفي يجب ألا يقل عن 7 أمتار وهذا السور لايزيد علي متر ونصف المتر، وتم عمل مقايسة له واعتمدت ميزانية لتطوير السور منذ أكثر من 3 سنوات لا نعلم أين ذهبت؟!. ويوضح سعيد همام محمد 32 سنة (عامل موسمي بالمستشفي) أن أهم مشكلة عدم وجود علاج بالمستشفي، لأن مديرية الصحة ترسل نفس الأدوية دائماً دون تغيير، وتأتي حوادث كثيرة ومرضي لايجدون أطباء ويتم تحويلهم إلي سوهاج، وتكررت حالات وفاة كثيرة بسبب ذلك. وبمواجهة الدكتورأشرف مريد (مديرمستشفي ساقلتة المركزي) بهذه المشاكل، اعترف بوجود عجز بالأطباء بالمستشفي حيث يوجد به 20 طبيبا فقط يشكلون القوة الأساسية للمستشفي بينهم 3 صيادلة و5 أطباء علاج طبيبعي ليصبح بذلك العدد حوالي 12طبيبا وأغلبهم يتغيب عن الحضور وفي إجازة عن العمل، وهناك أطباء يتم انتدابهم يومياً لتغطية العجز، وليس هناك عددا محددا لهم، ونحن نقوم بإبلاغ مديرية الصحة يومياً بأعداد الأطباء الذين حضروا. ويضيف د.أشرف: بعد تفقد المحافظ للمستشفي واعترافه بتردي الأوضاع به وضعف الإمكانيات، كلف الدكتور محمد عبدالعال وكيل وزارة الصحة بسوهاج بتشكيل لجنة مكونة من أعضاء النقابة ومديري المستشفيات بالمحافظة لإعادة هيكلة المستشفيات وتوزيع الأطباء، واستلم العمل بالمستشفي بعد إجازة عيد الأضحي 4 أطباء جدد، وأشار إلي أن أهم ما يطالب به هو تطوير المستشفي وتوفير الأجهزة والمستلزمات الضرورية.