الاتفاق الذي لا تزال نقاط كثيرة غامضة فيه، أو غير مفهومة للكثيرين، لن يخرج بموجبه العسكر من المشهد السياسي المصري، كما يظن البعض، وإنما وحسبما يراهن الخبير في المعهد الألماني للشئون الاقتصادية والسياسية والأمنية، شتيفان رول، فإنه سيعيد ترتيب الأدوار بين القوات المسلحة وبين مؤسسة الرئاسة، ويكون للعسكر "حق الاعتراض"، أو "حق استخدام الفيتو"، في بعض القرارات السياسية، الأمر الذي ربما كان له الكلمة العليا في مفاوضات القاهرة للحصول علي قرض 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، حيث عكست الحماسة الشديدة التي أولتها الولاياتالمتحدة، ولا تزال لإتمام الاتفاق بين مصر والمؤسسة المالية العالمية، رغبة محمومة لديها لدعم حالة التناغم بين الإخوان المسلمين والرئيس من جانب، وجنرلات الجيش من جانب آخر. اغتيال ستة عشر جندياً في هجوم إرهابي بسيناء.. ربما أثبت للعديد من ضباط الجيش الصغار، أنه قد حان وقت تغيير القيادة.. تفسير يتبناه رول لتبرير صعود جنرالات صغيرة السن إلي المواقع العليا في الجيش المصري، في إشارة منه إلي القائد العام الجديد للقوات المسلحة وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي »57 عاماً« ونائبه رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الفريق صدقي صبحي »56 عاماً« ومن ثم لا يمكن تفسير الأمر، والكلام لا يزال لرول، علي كونه ثورة تصحيح مدنية، قادها الرئيس محمد مرسي، في صفوف الجيش، فيما أن الحقيقة تعكس رغبة ملحة بين صغار الضباط والجنرالات، منذ فترة، لتغيير القيادات كبيرة السن، ودفع مسيرة القوات المسلحة قدماً للأمام، والخروج من عباءة الجيش التقليدي، الذي كان يحصر الخطر الاستراتيجي المحدق بالبلاد في إسرائيل فقط، بحيث يتم إعداده أيضاً لحروب واسعة النطاق، جراء الأوضاع الأمنية المتوترة والمتردية علي الحدود. سبب آخر حتم تغيير قيادة الجيش، من دون أي انقلاب من مرسي، وفق ما نقله موقع قنطرة الإلكتروني الألماني للحوار عن رول مؤخراً، تمثل في حالة الحرج التي انتابت شرائح عريضة بين الضباط، إثر انخراط المجلس العسكري في العديد من القضايا والأحداث السياسية الكبري، خلال الفترة الانتقالية، فضلاً عن الغموض المتزايد حول الوضع الاقتصادي والمالي للجيش، وإن لم يمنع ذلك اتفاق جنرالاته - كباراً وصغاراً - علي عدم السماح للإخوان المسلمين بالانفراد بالسلطة "وبالتالي فإن اتفاقات محددة جرت بين الطرفين لتسيير دفة الحكم في مصر"، علي حد قول رول. كانت مصادر قريبة من مؤسسة الرئاسة، وعدد من التحليلات الداخلية والخارجية، قطعت في الفترة الماضية، بأن الرئيس مرسي اختار خلال عملية تغيير المشير طنطاوي والفريق عنان، ونقل سلطة التشريع إليه، عدم الاقتراب أو المساس - ولو مؤقتاً - وخلال تلك المرحلة بالذات، بالامتيازات المالية والاقتصادية التي يتمتع بها الجيش، في حين دلل رول نفسه علي وجود اتفاق للحكم المشترك بين الإخوان والعسكر، بأن الجماعة وأثناء تشكيل الحكومة الأخيرة، رضخت لفرض نفوذ الجنرالات في مجالات الدفاع والسياسة الخارجية والأمن الداخلي، بينما يقطع بأنها ستراعي مصالح الجيش في الدستور الجديد، عبر تبني فكرة تأسيس مجلس للأمن القومي، تكون الغلبة فيه لقيادات القوات المسلحة، علي أن توكل إليه صلاحيات الاعتراض والنقض فيما يخص القضايا الأمنية، وكذا استراتيجيات وسياسات الدولة الخارجية، ما سيمكن الجنرالات، في الجمهورية الثانية، من الحفاظ علي سلطتهم ومكتسباتهم، من دون أي تحمل للمسئولية السياسية بشكل مباشر أو ظاهر. فيما أن رول نفسه، قد ذهب في تحليل له نشره الموقع الإلكتروني، »فايننشال تايمز دويشلاند«، تعليقاً علي زيارة رئيسة صندوق النقد الدولي، كريستين لاجارد، للقاهرة، إلي أن التحول المفاجئ في موقف الصندوق، وموافقته علي استكمال المفاوضات بشأن قرض ال4.8 مليار دولار، الذي طلبته مصر، لم يكن ليحدث إلا في ظل تفاهم واتفاق بين الرئيس والمجلس العسكري، لافتاً إلي أن الدعم الذي توليه واشنطن للرئيس مرسي حالياً، ومساعدته وحكومته، بتسهيل حصوله علي عدد من المنح والودائع والقروض المالية، سواء من الولاياتالمتحدة نفسها أو من قطر، أو البنك الدولي، وقريباً من صندوق النقض الدولي، هو في حقيقة الأمر، دعماً للإخوان والجيش معاً، وللاتفاق الذي أبرم بينهما لتسيير حكم البلاد. فرضية رول بدت متناغمة إلي حد بعيد، مع التحركات الأمريكية الحثيثة لإتمام اتفاق صندوق النقد الدولي، وليس أدل علي ذلك من أن وفداً اقتصادياً رفيع المستوي يزور القاهرة حالياً، يضم مسئولين في وزارات الخارجية والخزانة والطاقة والبيئة، ومن المعونة الأمريكية، فيما التقي مسئولون في حكومة الدكتور هشام قنديل من أجل بحث خطوات إعادة بناء الثقة والاستقرار في مصر وكذلك نمو اقتصادها، وتشجيع استكمال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، فضلاً عن مناقشة المساعدات التي يمكن أن تقدمها الولاياتالمتحدة لمواصلة دعم التحول السياسي والاقتصادي في بلاد النيل.