أحال القتل والفتك وسفك الدماء في سورية، دون رفع الستار الكامل (كما يجب) عن المذهب الثالث في (بورما)، وبالأخص عن ولاية (راخين) الواقعة غرب (ميانمار)، بالغالبية العظمي للبوذيين (خمسون مليونا) ولا بأقلية السواد الأعظم للمسلمين (عشرة ملايين) . لأن المذاهب ونسيجها بين الغوغائيين ومتخلّفي العقول، لايختلف غزله وحياكته عما يُحاك للجنس الثالث بملاهي وأندية الشواذ، ينتمي للجنس الأول أولا، ثم للثاني ثانيا، وهو يبقي مترنّحا يبحث عن جنس ثالث ورابع وخامس إلي ما لانهاية، لأنه لا يعرف جنسه فلا جنس له، ولا يعرف مذهبه فلا مذهب له! التاريخ يعيد نفس مسرحية الحرب العراقية الإيرانية، كان يتم فيها قتل المسلمين باسم الإسلام بكل فخر وكبرياء، يفتخر كل طرف بشموخ وغرور، ارتفاع عدد القتلي لدي الطرف الآخر علي أنه نصرٌ وفتحٌ وإنجاز .. وكنا نغضّ فيها السمع والبصر والفؤاد عن بنادق (الصّرب) وحمم نيرانهم تصبُّ فوق رؤوس المسلمين في بوسنة وهرسك.. الأسطوانة ذاتها اليوم بذبذباتها علي سورية: (سيطرنا علي دمشق..! وانسحبنا من دمشق..!) والضحية الشعب السوري علي حساب العدادات الإلكترونية لفضائيات مشبوهة، تتنافس في تقديم أكبر أعداد للقتلي والجرحي لهذا الشعب المظلوم من دمشق إلي درعا، كما كان لذلك الشعب المظلوم من بصرة لبغداد.! (سورية سورية..!) فلم نسمع إلا عابرا من منظمة العفو الدولية، وبعض فضائيات أجنبية نعتبرها معادية، أن أخوةٌ لنا وأخوات في الدين والعقيدة ببورما (ميانمار)، يصومون صيامنا ويقيمون قيامنا يصلون صلاتنا ويتلون كتابنا .. إلا أنهم في ليال رمضانية هذا العام، وفي حين نحن نستلذّ بما لذ وطاب وإزدان بخيمنا الرمضانية، وهم يُذبحون بالسكاكين في حفلات موت جماعية، ويُحرقون بمحارق النازية (البرمية)، تهدم البيوت عليهم، بل وقري بأكملها أحرقت أو دُمّرت فوق رؤوسهم وأغتُصبت نساؤهم.! فمنذ أن سُيّر قطار الموت من إقليم (أراكان) ذو الأغلبية المسلمة، وبالتحديد من محطته الأولي بمدينة (رانجون)، ترصّدت منها مجموعة بوذية للعائدين من العمرة (عشرة من وعّاظ وأئمة المساجد) ضربهتم حتي الموت، بتهمة مقتل شابة بوذية، تهمة ملفّقة بتواطؤ علني ومكشوف مع رجال الأمن والنظام العسكري الحاكم .. هذا القطار لم يتوقف حتي الآن، رغم تجاوز عدد قتلي المسلمين فيه سبعين ألفا في سبعة أيام.! البوذيةُ التي لامستها يوما لم ترعبني، معايشتي للمذهب البوذي عن قرب كان في تايلندا عام 8791 دينٌ يطلب الرفق بالحيوان قبل الإنسان، رجال دينهم دراويش يمشون من العواصم والمدن إلي القُري والأرياف بملابس متواضعة حاملين اكياس الطعام والشراب للفقراء الجياع .. لو افترضناها البوذية المذهب الأول في بورما والإسلام المذهب الثاني، فإن الطابور الثالث في شوارع ميانمار لايبدو بالفقه البوذي، إنه طابورٌ ثالثٌ يصل عادة بلا تأشيرات وجوازت سفر أينما وحيثما نزاعٌ بين أبناء آدم وحواء علي كوكب الأرض، يصله بالفأس والساطور والسكاكين، وبالفقه والتشريع الغوغائي المؤسس للمذهب الثالث. المساحة الشاسعة بين ابني آدم (هابيل وقابيل) ليتجها بالتعايش السلمي نحو الأطراف الأربعة للبناء والتعمير في الكون كله ولو بمذهبين، كان قد قطع عليهما مذهبٌ ثالثٌ طردهما من الجنة ثم وصل قبلهما علي الكون، يراهما ولا يرونه، فكانت إراقة القطرة الأولي لدم الإنسان علي يد أخيه الإنسان، هذا المذهب الثالث هو ذاته وصل قبلنا العراق وسورية وباكستان وافغانستان وعواصم أخري، ويصل حيثما أراد الإنسان معايشة أخيه الإنسان بسلام. أفشلوا علي هذا المذهب خلسته إلي مليار مسلم يتفرجون علي عشرة ملايين مسلم في بورما وهم يُقتلون.! إنهم مسلمون بأصول من الجزيرة العربية، هاجرت إلي الصين عبر أندونيسيا تجارا وملاّحين حاملين راية السلام الإسلامي، أوصلت كلمة (لا إله الا الله) إلي أقصي شرق الكرة الأرضية، فأهتدت تلك الزواحف الآسيوية بالدين الإسلامي الحنيف (الدين المعاملة) .. عشرة ملايين من أصل خمسين مليونا سكان بورما مسلمون، لكنهم الآن تحت حمم النيران والبارود والسكاكين.! (بورما) تلك المنطقة المخيفة، زرتُ أطرافها ولم أدخلها، قبل عشرين عاما كنت شمال الصين وجنوب خليج البنغال وتايلند، وقبل خمس سنوات كنت غربها ببنجلاديش، رغم اني تعلمت أيام مراهقتي فنون لعبة الكراتيه علي الطريقة البرمية (باندو) وعلي يد مدرب من بورما اسمه (طائي) والذي شجعني الدخول في فنون قتال بورما (باندو)، دون الدخول في الحدود الجغرافية لبورما .. وأكّد لي "مستر طائي" أن المسلمين هناك فريسةً الفقر والقمع والتهجير من قبل الحكومة التي تمارس أبشع صور الاضطهاد الديني والعرقي ضدهم، باعتقالهم وتعذيبهم وإجبارهم علي أعمال شاقة دون أجر بالطرق الوعرة والخنادق الجبلية، بالإضافة إلي مصادرة أوقاف المسلمين وأراضيهم الزراعية. ومنعهم من الاستيراد والتصدير أو ممارسة الأعمال التجارية .. ووضع العقبات أمام دراسة أبناء المسلمين علوم الشريعة، ومنعهم من الزواج، وإلزامهم بتحديد النسل وغيرها من سياسات ممنهجة. هذا المذهب الثالث يكمُنُ في المنهجية البرمية منذ عقود، لكن ولماذا هذا التحول المفاجئ من التستّر إلي التشهير؟ تمزيق وحدتنا إسلاميا وعربيا هو السبب؟ أم أن الربيع العربي أينما حلّ بالغليان، حلّ بعده الفوضي والعصيان؟ أم لحاجة في نفس يعقوب، لم يكشفوها إخوة يوسف بعد بالجهر والكتمان ولا بالقصر والميدان.؟