من أجمل ما قرأت كتاب »الطريق إلي الله« لأبي سعيد الخراز للدكتور عبدالحليم محمود.. أنه كتاب يجوب بك عالم العارفين بالله.. يدخلك إلي عالم نوراني بديع يبهرك وهو يتحدث عن عالم الصوفية المليء بصفاء الروح وجمال القرب من الله، والكتاب صادر عن دار المعارف، وطبع عدة طبعات، ويقدمه عالمنا الجليل الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق بدراسة رائعة عن الكتاب وصاحب الكتاب، ويبدأ هذه الدراسة بكلمة نطق بها أبوسعيد الخراز: »كل ما فاتك من الله سوي الله يسير، وكل حظ لك سوي الله قليل« بهذه الحكمة البالغة التي نطق بها أبوسعيد تبدأ دراسة الإمام الجليل، لأن هذه الحكمة محور تفكيره. ويقول عنه: لم تخدعه زخارف الحياة الدنيا، ولم تلهه مفاتنها، فاختط لنفسه طريق الصديقين، وسار علي نهج أولياء الله رضي الله عنهم.. لقد ابتدأ كما تبتدئ الصفوة المختارة باحثا منقبا عن الله فوجده ظاهرا في آثاره.. لقد وجده في النسمة العليلة، وفي الزهرة الندية، وفي النجم المتألق، وفي شعاع الشمس الذهبي، لقد وجده في الخير، وفي الجمال، وفي الجلال، فأحبه وهام به، وكانت حالته كما يصف هو فيقول: »والمحب يتصل إلي محبوبه بكل شيء، ولا يتسلي عنه بشيء، ويتبع آثاره، ولا يدع استخباره« ويردد قول أبي سعيد: »ينبغي أن يكون فرحك في العطاء: بالمعطي، ولذتك في اللذات بخالق اللذات، وتنعمك في النعم بالمنعم دون النعم، لأن ذكر النعمة عند ذكر المنعم: حجاب، ورؤية النعمة، عند رؤية المنعم: حجاب« ويشرح حديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: »جبلت القلوب علي حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها فيقول: »واعجبا ممن لم ير محسنا غير الله، كيف لا يميل بكليته إليه«! وقد سئل أبوسعيد عن الأنس بالله ما هو؟ فقال: »استبشار القلوب بقرب الله تعالي وسرورها به وهدوؤها في سكونها إليه، وأمنها معه من حيث الروعات، واعفاؤه لها من كل ما دونه.. أن نشير إليه حتي يكون هو المشير لأنها ناعمة به ولا تحمل جفاء غيره«.. وأبوسعيد بغدادي النشأة، ولد في أوائل القرن الثالث الهجري تقريبا، وقد صحب ذا النون المصري، وسريا السقطي، وبشر بن الحارث ونظراءهم، وكتاب الصدق هو الذي بقي من آثاره. ويقول الدكتور عبدالحليم عن هذا الكتاب أنه مختصر في غاية النفاسة، يرسم في دقة ووضوح الطريق إلي الله..