السيادة للشعب في أي بلد يحترم نفسه.. أما سيادة الرئيس المنتخب بفعل القانون والدستور، فهي سيادة مؤقتة مصطنعة إعلاميا بأيدي المنافقين والانتهازيين وعبيد السلطة والساعين بالانبطاح والتدني لحصد مكاسب شخصية، تأتيهم دائما علي حساب المصلحة العامة للشعب! ومن صورة الرئيس تبدأ المأساة، فلسنا بالتجربة السابقة مثل بلاد تتعامل مع حكامها بمنطق احترام الرمز إذا بادر هو باحترام نفسه.. فنحن الذين اخترعنا الفرعنة وصنعنا الفراعنة، وصار علينا مراجعة هذا الداء اللعين بعد ثورة 25 يناير أو ماتبقي منها! في أمريكا مثلا أو فرنسا أو ألمانيا، لايؤلهون الحاكم بوضع صوره الصنمية فوق رؤوسهم داخل المصالح الحكومية والمكاتب كما يحدث عندنا.. ومازلت أستعيد بانتشاء مشهد إزالة الصورة الضخمة لحسني مبارك من فوق جدار قاعة مجلس الوزراء عقب تنحيه، وقد كانت صورة مصنوعة ومجملة بالتقنيات الفوتوغرافية الحديثة حتي يبدو الرجل المسن أقل من عمره الحقيقي بسنوات عديدة وهي إحدي أدوات النفاق المقزز الذي دأبت عليه عصابته ومن قبله حاشية السادات وعبدالناصر، إلا أن الأخير، رغم هفواته السياسية وميله للديكتاتورية، كان يتمتع بشعبية حقيقية بين الفقراء الذين عمل من أجلهم، وكانت صوره توضع في بيوت البسطاء بإرادة وحب حقيقيين. وقد بادرت ثورة يوليو 1952 بإزالة أثر الملك فاروق، فكان بتر صوره حاسما وقاطعا حتي في الأفلام التي تعود لعصره مثل فيلم (غزل البنات) (انظر خلفية مشهد غناء محمد عبدالوهاب في أغنية عاشق الروح) رغم أن الفيلم يعتبر وثيقة لعصر وزمن معين لكن ثورة يوليو رأت أن محو أي أثر لصورة الملك هو من واجبات الحفاظ علي الثورة وتغليبها علي الزمن السابق بغض النظر عن أي اعتبارات تاريخية! وفي عصر الرئيس السادات، بدأ الرجل حكمه بتقديس الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فانحني إجلالا لتمثاله النصفي الذي كان موجودا في مجلس الشعب، واكتسب بضربة ذكاء (منوفي) تعاطف الشارع المصري معه كامتداد لسابقه.. وفيما بعد وضع صوره إلي جوار صور عبد الناصر في الوزارات والمصالح الحكومية، وفي النصب التذكاري للسد العالي بأسوان جعل وجهه منقوشا بحجم أكبر من حجم وجه عبدالناصر صاحب المشروع الأصلي!! وبتوالي السنين قام بالسير علي خطي عبدالناصر (بأستيكة) كما قال عنه بعض المحللين السياسيين وقتها!! أما مبارك فلم يكن رجل دولة مخضرما، وقد استغل من حوله ذلك فكونوا حاشية من الموجهين والمسيرين له ولعائلته الانتهازية، وضخموا شعوره بالذاتية وبالضربة الجوية التي لم تكن علي هذا النحو البراق كما ذكر معاصروه من المقاتلين!.. وتضخمت وتفخمت صور مبارك العملاق (في نظر نفسه) وصدق أنه المعز المذل!! ونظر في المرآة فرأي شعره فاحما في الثمانين! ووجهه في الصور المعدلة أصبي من وجه حفيده!.. كانت صنعة الصور كفيلة بتدعيم أكذوبة الخلود الشهي! وكان الحجم الضخم المتورم لصوره الباسمة ثقيلة الظل أول شواهد التصنيم والتنزيه والنفاق الملعون للرجل الذي كانت أقصي أمانيه أن يعينه الرئيس السادات سفيرا في بلاد الإنجليز (الإكسلنصات)! فإذا به يصل بفعل الصدفة والإرادة الإلهية إلي كتم أنفاس مصر 30 سنة كبيسة! وكانت صوره مثل حصار كابوسي لسحنة صنم معزول نفسيا عن مآسي الشعب الذي لم يختره، ورغم ذلك بقي كالحجر الثقيل علي قلوبنا طوال تلك السنوات العجاف حتي أجهزت الثورة علي أوهامه الكاذبة. في تركيا مثلا لا توضع صور الرؤساء ولا رؤساء الوزارات في المكاتب بل ترتقي الجدران فقط صور كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة كونه رمزا لما أصبحت عليه الدولة.. وفي فرنسا لا توضع صور أي من الرؤساء خلف ظهور الموظفين، ولا في ألمانيا ولا إسرائيل ولا أمريكا ولا أي دولة تحترم سيادة الشعب وشموخه الأعلي والأسمي والأسبق من أي موظف يخدمه بدرجة رئيس جمهورية أو رئيس وزراء! لقد اختنقنا من حصار صور مرشحي الرئاسة التي طاردتنا بفعل الحملات الانتخابية في كل مكان، ولعل الرئيس الجديد يرحم نفسه من غضب الشعب فيستبعد المنافقين وخدام السيادة المتأهبين للعق حذائه بألسنتهم! ففي صحبة هؤلاء وما يتبعهم من عبادة نفسه في الصور الضخمة الوهمية هلاكه الشعبي الأكيد! ❊❊❊ الأمن والسياحة مفتاحا رخاء مصر.. هذه جملة مفيدة تحتوي حقيقة مؤكدة وتستدعي التفاتا جادا من المؤسسة الرئاسية الجديدة لأن السياحة هي بترول مصر الذي لاينضب، وكما يقول المفكر الكبير د. جلال أمين فإن الأمن والسياحة هما دعائم الصحوة الاقتصادية، وكلاهما مرتبط بالآخر، حيث الأمن يجلب السياحة التي تنتعش به، وتدعم الدولة بالعملة الصعبة، وتدفع برواج الصناعة والتجارة والنقل.. الأمن إذن مفتاح الحياة، والسياحة أهم أدواتها في مصر التي حدد شعبها المستنير علاقته بالآثار كسجل لسير السابقين وكتاب تاريخ مجسم وآسر، وأكرر رأي المفكر الإسلامي د. محمد عمارة عن التماثيل في كتابه (الإسلام والفنون الجميلة) حيث قال إنها بعد انتفاء مظنة عبادتها، تكون من نعم الله علي الإنسان ويجب مقابلتها بالشكر واكتشاف الجمال الكامن فيها.