منذ عدة شهور ماضية وأزمة الوقود في مصر تتزايد يوما بعد يوم..في البداية قلنا أزمة طارئة وستمر،ولكن لم يمر أسبوع إلا وعادت الظاهرة مرة أخري مما أثار موجة من الغضب الشعبي..خاصة مع تزايد طوابير العربات الواقفة أمام محطات البنزين متسببة في اختناقات مرورية رئيسية في البلاد وتأخر عمليات حصاد المحاصيل وهو الأمر الذي أصبح يهدد بكارثة بسبب نقص السولار الذي يستخدم في تشغيل الماكينات الزراعية. البعض يعزي تلك الأزمة وتزايد الظاهرة عن المعتاد بتزايد عمليات تهريب البنزين والسولار للخارج وخاصة إلي سيناء ، ومنها يتم تهريبها عبر الأنفاق لقطاع غزة..وآخرون يرجعون تلك الأزمة الخانقة إلي صعوبة الوضع المالي في البلاد..مما ترتب عليه تخوف البنوك من منح قروض للسلطات المصرية ،وطلبت ضمانات إضافية بحكم أن صعوبة الوضع المالي الحالي للبلاد يجعل تسديد فاتورة دعم الوقود أمرا غير يسير! معاناة يومية يعيشها المواطن المصري نتيجة نقص البنزين والسولار والتزاحم يوميا أمام محطات الوقود بمختلف محافظات وقري ونجوع مصر قاطبة، ومعاناة أشد وطأة يعيشها الفلاح الآن لعجزه عن توفير السولار للماكينات الزراعية خلال موسم الحصاد الذي أصبح يهدد بكارثة مما اضطر بعض المزارعين إلي شراء صفيحة السولار بسعر 50 جنيها للصفيحة.. وامتدت الأزمة إلي وقف تشغيل عدد من المخابز في بعض القري ..ويشاركهم في ذلك أيضا الصيادون الذي ركنوا إلي الشاطئ في انتظار الفرج لتزويد مراكبهم بالسولار. تعددت الأسباب والنتيجة واحدة وهي أن الأزمة مازالت مستمرة لأن السبب الحقيقي ما زال خفيا ولعل ذلك ما دفع وزير البترول و الثروة المعدنية المهندس عبد الله غراب إلي تكثيف الرقابة علي جميع منافذ التوزيع وتزويد الحاملات البترولية بأجهزة تتبع حتي لا تتم سرقتها علي الطريق وتضل طريقها عن عمد إلي مستودعات السوق السوداء أو إلي أنفاق غزة. وللحد من سرقات الحاملات البترولية طرحت وزارة البترول مشروعا أو مقترحا لنقل البنزين و السولار عبر ناقلات نهرية تسير عبر نهر النيل بعد أن تم اكتشاف- خلال الشهور الماضية- سرقة ملايين الأطنان من المنتجات البترولية خلال رحلتها إلي منافذ التوزيع ليقوم أصحاب النفوس الضعيفة ببيعها للسوق السوداء أو تهريبها خارج الحدود مما دفع الوزارة إلي المطالبة بتفعيل دور النقل النهري لنقل السولار والبنزين إلي منافذ التوزيع المختلفة.. كما أن هناك مفاوضات مع شركة النقل النهري لإنشاء ناقلات بمواصفات خاصة تمنع تسرب المواد البترولية وتلوث مياه نهر النيل و يتضمن هذا المشروع إنشاء مراكز لمكافحة التلوث علي طول المجري الملاحي للنهر سوف يقضي علي السرقات بشكل كبير وستصل هذه الناقلات إلي كل المحافظات المطلة علي نهر النيل. وفي المقابل ورغم توفير وزارة المالية خلال الأيام القليلة الماضية ما يقرب من 100 مليون دولار لهيئة البترول لتمويل شراء المنتجات البترولية الأزمة التي تم الاتفاق عليها لتكثيف عمليات استيراد البنزين والسولار خلال الأسابيع القادمة لتهدئة الأسواق ..ولضخ كميات أكبر من المعتاد في نفس الفترة من العام،حيث تعتزم مصر استيراد مليون طن من السولار في الفترة من يوليو إلي نهاية سبتمبر القادم وهي فترة ذروة الاستهلاك في الصيف ..وبتكلفة مليار دولار وأيضا لتهدئة الأوضاع في الفترة التي تعقب انتخابات الرئيس..وبالتالي يكون إجمالي التمويل الذي قدم حتي الآن لهيئة البترول 4.3 مليار دولار أي ما يعادل 25.8 مليار جنيه. إلا أن الأمر الشائع حاليا هو أن مصر تواجه أزمة حقيقية في تدبير مستحقات مشتريات الوقود..ونيل خطابات الائتمان من المصارف،مما أدي إلي تأخر إمدادات قطاعات النقل والصناعة والزراعة بإمدادات الديزل..حيث أكد ثلاثة موردين للوقود بمصر أن مشاكل السداد أدت إلي تأخر شحن الإمدادات المذكورة ،ودفعت بعض الموردين لإعادة النظر في المشاركة بمناقصة مقبلة لشراء وقود بقيمته مليار دولار. أحد التجار المشاركين في مناقصات شراء الوقود في مصر قال إن المصارف صارت أكثر حذرا في منح قروض للسلطات المصرية، وأصبحت تتطلب ضمانات إضافية بحكم أن صعوبة الوضع المالي للبلاد يجعل تسديد فاتورة دعم الوقود أمرا غير يسير..تاجر آخر يتعامل مع شركة تجارية مقرها سويسرا أشار إلي أن هناك الكثير من ناقلات المنتجات النفطية في مصر، والتي تنتظر خطابات ائتمان مصرفية.. في الوقت الذي تتطلب فيه الهيئة العامة للبترول شراء مليون طن من الديزل أو زيت الغاز في الفترة من يوليو إلي سبتمبر المقبلين. في حين حذر تاجر ثالث من التأخيرات المسجلة في سداد المستحقات..والتي قد تقلص من عدد المشاركين في المناقصات الحكومية لشراء الوقود،وقد كانت شركة"أي.أو.تي تريدنين"من أكبر موردي زيت الغاز لمصر حتي العام الماضي،إلا إنها قلصت من شحناتها بشكل كبير هذا العام بفعل مشكلة السداد.. أحد تجار الوقود يقول أيضا إن تأخر شحن الإمدادات يؤدي بلا شك إلي تقلص هامش ربح الموردين أو إلغائه كليا..حيث تقدر قيمة الغرامات ما بين 5إلي 25 ألف دولار يوميا تبعا لحجم الناقلة. ومن جانبه قال مدحت يوسف، رئيس معمل اميدورب سابقا، إن مصر تستورد السولار عبر مصدرين هما السعودية ويكون بسعر مرتبط بسعر خام الخليج، والمصدر الثاني من دول البحر المتوسط بأسعار افوبب إيطاليا لأن السعر أقل، مشيرا إلي أن العجز في الاحتياجات السنوية من السولار سيزيد علي أربعة ملايين طن سنويا. كما أن العجز المتزايد يوجب علي وزارة البترول والهيئة العامة للبترول أن يقوما من الآن بإلغاء أي موافقات سابقة لإنشاء معامل تكرير ثبت عدم جدية أصحابها، علي أن تقوم الدولة بنفسها بإنشاء معمل متطور عملاق لتقليص الفجوة الاستيرادية في السولار والبوتاجاز والبنزين، وإلا فإن الفجوة ستصل بعد عامين إلي مستوي يصعب معه العلاج في ظل مستويات الدعم الحالية لتلك المنتجات. كما أن الوضع الراهن يفرض العودة إلي مشروع اموبكوب الأصلي في العين السخنة، والذي كان يهدف إلي إنتاج منتجات خفيفة مثل السولار والبوتاجاز والبنزين، مشيرا إلي أن رأس المال الوطني الذي تدفق علي المشروع وقتها يدل علي أن المواطنين لديهم استعداد عال للدخول في أي مشاريع وطنية مهمة.. حيث تم إنفاق نحو 400 مليون جنيه علي تجهيز البنية التحتية والموقع، لكنها أهدرت للأسف وكان من المقرر للمشروع أن ينتج 2 مليون طن منتجات سنويا.