لماذا لانتحلي بثقافة التسامح كما طالبنا ديننا الإسلامي العظيم، ونتخلي عن روح الكراهية والانتقام، ، ونحترم أحكام القضاء بدلا من التشفي والمطالبة بالإعدام؟! فور أن صدر الحكم بالسجن المؤبد علي الرئيس السابق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، وبراءة اللواءات الستة في قضية مقتل المتظاهرين، وانقضاء الدعوي الجنائية تجاه ابنيه علاء وجمال، وكذلك حسين سالم، اجتاحت القاهرة والمحافظات مظاهرات عارمة، وتجمعات حاشدة في ميدان التحرير مازالت مستمرة حتي كتابة هذه السطور، وردد المتظاهرون هتافات يغلب عليها الجانب الانفعالي أكثر ماهو عقلاني ولا منطقي، وفي وسط الحشود يشعر أي فرد مشارك فيها بالأمان وينسي كل موازين القوي بين السلطة والجماهير، خاصة حين يتذكر في هذه اللحظات الحرجة الظلم والقهر والقمع والاستبداد والإحباط التي أصابته طوال السنوات الماضية، هنا يتمرد المواطن المشارك في هذه المظاهرات علي كل أشكال ورموز السلطة، ويشعر أنه جزء من كيان ضخم يصعب مساءلته مهما ردد من هتافات.. ضد من؟.. لايهم، شعاراته عادلة.. أم العكس؟.. لايهم أيضا.. المهم أن يخرج كبته القديم من داخل صدره، وتصبح العواطف الملتهبة هنا هي سيدة الموقف، فسلوك الحشد هنا أشبه بالهيستيريا الجماعية، وينتقل الحماس والانفعال والصراخ بينهم بما يشبه العدوي التي تتسع دائرتها بشكل لايتوقف، وبسرعة عجيبة ترتبط بقدرة المحركين للمظاهرات ماداموا يمتلكون حناجر قوية، وقوة وقدرة علي هياج وتحريك هذه الحشود، ومن هم قادة هذه التجمعات والمظاهرات؟.. أيضا لايهم سواء كانوا زعماء أحزاب، أو قوي سياسية، أوثورية، أو حتي مرشحين سابقين للرئاسة ولم ينالوا ثقة الشعب.. كل ذلك لايهم مادامت الحشود غاضبة صاخبة وتنقاد إلي الذين يحركونها؟ ومادام الكل يغني علي ليلاه!!! وبداية، وحتي لاتتعرض سطوري للمزايدات السياسية فأنا مثل أي مواطن مصري يطالب بالقصاص للشهداء، واسترداد أموال مصر المنهوبة، وتحقيق مطالب الثورة، ومحاكمة استغلال النفوذ، ومع كل مسارات إعادة الأمور إلي نصابها الصحيح.. لكن.. علينا أيضا أن نكون »متحضرين« ونحترم أحكام القضاء لأنها عنوان الحقيقة، فلا يجوز تناولها بالتعليق أو الاعتراض، أو الإساءة للقضاة مادمنا قد ارتضينا منذ البداية حكمهم ولم نعترض منذ بداية المحاكمات علي أي رمز منهم بالنسبة لشخصه أو سيرته، أو تاريخه، فكل ذلك يدعم أجواء الفوضي وعدم الثقة ماذا نريدإذا كان الحصن المنيع للعدالة علي وشك الانهيار، والسلطة القضائية تتعرض للانتقاد في مجلس الشعب، ووسائل الإعلام، بأقذع عبارات السب المهينة للقضاء والقضاة، وكأننا تحولنا إلي جهابذة قانون وفقهاء في أحكام الدستور، والقضاة لايعلمون، وأحكامهم في قضية الرئيس السابق ظالمة، وكان يجب إعدامه بدلا من السجن المؤبد!!! لايجب التعرض أبدا لأحكام القضاء، ومن لايعجبه الحكم يجب أن يكون راقيا متحضرا ويلجأ للطعن عليه أمام محكمة النقض، والغريب أن هذا الصخب والصوت العالي مازال مترددا في الشارع المصري قبل أن يُودع ملف الدعوي بعد، ولم يتبينوا أوجه الصواب من الخطأ حتي لو صدرت أسباب الحكم للرأي العام، فالكل متعصب لرأيه فقط حتي لو كان علي خطأ!! والأخطر من وجهة نظري هذا الكم من شهوة الانتقام والكراهية والمغالاة في السلوكيات المرفوضة والتي تخرج عن الحدود المقبولة تجاه الرئيس السابق حسني مبارك، كان التعبير عن كراهية البعض له بعد صدور الحكم عليه بالسجن المؤبد بشكل متجرد من أي عواطف ولا إنسانية، سيرد البعض علي كلامي هذا بأن مبارك أخطأ في حكم شعبه الذي نال منه الظلم والقهر والاستبداد ونهب الأموال، وأرد عليهم بأن هذا الحكم (من وجهة نظري) قاس جدا بالنسبة لمن هو في سنه (تخطي ال48 عاما) وسيقضي بقية عمره خلف القضبان، وهو في مرحلة الشيخوخة هذه يعاني بالطبع أمراضا متعددة، وسيحرم بالقطع من رؤية أسرته إلا في الحدود المقيدة، ألا يجب أن نرحم عزيز قوم ذل.. أليس له أي بصمة صالحة علي تاريخ مصر طوال الثلاثين عاما الماضية، وهل يختلف معي أحد أننا شعب لانحترم حكامنا ولا رؤساءنا، ونستقبلهم بغير مانودعهم، ألم نكل أسوأ أنواع الاتهامات للملك السابق فاروق، ألم نهاجم جمال عبدالناصر حتي بعد مماته، ألم ننه حياة بطل الحرب والسلام أنور السادات ومازال قتلته بيننا أحياء يرزقون وبعضنا (للأسف الشديد) يحتفي بهم ويعتبرهم أبطالا!!! ألم يكن في استطاعة الرئيس السابق حسني مبارك الهروب بأمواله وأسرته، والعيش رغدا في أحد القصور الملكية كما فعل الرئيس السابق زين العابدين بن علي، لكن مبارك رفض ذلك بكل وطنية وآثر أن يعيش حتي آخر لحظة من عمره ويموت علي تراب وطنه؟! إن حقوق شعبنا ليست منحة بالطبع من الحاكم ويجب أن تأخذها بكرامة وهي رافعة الرأس شامخة، لكن هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم تستوجب حقوقا وواجبات لكلا الطرفين، وتفاعلا ناضجا متحضرا بين كل منهم في حدود الأدب والتوقير والاحترام، فلو أخطأ الحاكم وأراد الشعب إزاحته عن الحكم، فيكون ذلك تحت غطاء الشرعية والقانون، حسني مبارك أخطأ؟.. نعم.. لكنه نال جزاءه القاسي، ولا.. وألف لا.. أن نتناوله بهذا القدر من السخرية والاستهزاء، والانتقامية، والشماتة، والعنف، فليس ذلك من طبائع الفرسان والنبلاء، وعلي عقلاء الأمة أن يفطنوا لذلك بدلا من تصفية الحسابات بهذه الاستباحة المرفوضة لشخصية رجل كان رئيسا للمصريين، أتذكر كلما ركبت الطائرة التركية إلي »اسطنبول« وجدت صورة مصطفي كمال أتاتورك معلقة داخل الطائرة، وفي الميادين، والمحلات، والمطاعم، رغم أن شخصية »أتاتورك« مختلف عليها تاريخيا. وما أقصده أنه لايجب الاستهزاء بحكامنا.. تتم محاكمتهم إذا أخطأوا..نعم.. ننال من كرامتهم.. لا.. لنكن متحضرين أمام أنفسنا والآخرين!