بعد الثورة المصرية.. وبعد الربيع العربي.. ظهرت مصطلحات جديدة في المجتمعات العربية مثل »بلطجية« في مصر و»شبيحة« في سوريا و»بلاطجة« في اليمن، هذه المسميات التي تدعونا للتفكير من أين ظهروا؟ ومن أين أتوا؟ وهل هم فعلا يمثلون تطورا ما »للفتوة« أم أنهم ميراث الفقر والجهل في المجتمع في عصور القمع والديكتاتورية. وجميعنا نتذكر روايات نجيب محفوظ والأفلام التي اقتبست منها، ونتذكر صورة الفتوة بها، الرجل الشهم الذي يحمي الضعيف ويعدل بين أهل الحي، وهناك نوع آخر هو الفتوة الظالم لأهل حارته والذي يفرض عليهم الأتاوات. وفي هذا العدد من »كتاب اليوم« الذي ترأس تحريره الكاتبة نوال مصطفي تقدم لنا الكاتبة ناهد صلاح بحثا شائقا وجديدا عن »الفتوة في السينما المصرية« وبأسلوب رشيق تطرح فيه رؤية عميقة لهذه الشخصية الإنسانية علي شريط السينما، لتخرج من شريط السينما إلي الواقع والحياة وتعود إليه ثانية لتوضح لنا مثلا كيف جسدت الأعمال السينمائية دور المرأة وكيف رسمت شخصيتها في الأفلام التي كان محورها »الفتوة« و»الفتونة«.. وهل هي دائما الشخصية التي تقود الفتوة البطل إلي الهاوية؟ ولماذا أصر صانعو الأفلام علي أن يجعلوها رمزا للغواية والشهوة علي طول الخط؟. ونجحت ناهد صلاح في أن تحافظ علي تلك الشعرة الدقيقة الفاصلة بين »الفتوة« و»البلطجي«.. فالفتوة كما وصفته هو »المعادل الشعبي للحاكم الرسمي« ووجوده حاجة ملحة لضبط ميزان الأمن والأمان في مجتمع يعاني من ظلم الحاكم وظلم الاستعمار والفقر المدقع. وشريط السينما والأفلام المصرية شاهدة علي التاريخ المصري وكانت مؤيدة بحركة أدبية عظيمة من كبار أدباء مصر لذا فقد أبرزت في الشخصية »الفتوة« وأسقطت عليها مناحي كثيرة من الحياة المعاصرة المصرية علي طول التاريخ السينمائي منذ الأربعينات وحتي الثمانينات، حيث نري فيه دائما مثالا للمجتمع بكل ما فيه من عيوب ومثالا للسلطة الغاشمة أو القامعة.