إذا كنت ناوي تتفرج علي فيلم "لجوني ديب" فأنت علي موعد مع الجنان الأصلي في انقي صورة، والجنون عندما يوصف به فنانا ما، فهذا يعني أنك تمدحه ، فالجنون وعشق المغامرة، والخروج عن المألوف، ترجمة أقرب للصدق، في وصف الفنان، ومع ذلك فالرجل في حياته يبدو قمة في العقل والاتزان، وجنونه ومجونه لايظهر إلا من خلال أفلامه، وكأنها عقله الباطن الذي يتمرد علي وقاره، ألتقيته يوما، وجها لوجه في عام 1997 علي باب القاعة التي أجري فيها المؤتمر الصحفي لفيلم "الشجاع" أول فيلم يخرجه، ويلعب بطولته أمام العملاق مارلون براندو، وسامته ملفتة للنظر، ولكنه "حريص" مش فاهمة ليه، أن يبدو في قمة القبح في أفلامه، ويبدو أن زوجته فانيسا بارادي هي من شارت عليه، تلك المشورة السوداء، فمعظم أفلامه أو أكثرها شهرة، يقدم خلالها أحد النماذج الغريبة، بدأها بفيلم حدث ذات يوم في المكسيك، أمام انطونيو بانداريس، وفي هذا الفيلم ضربه أحدهم رصاصة في عينه، وظلت عينه تنزف بقية الفيلم، وقد خرجت من مكانها! وعليه لم يقدم بعد ذلك شخصية "عدلة" أو شخصية زي الناس، استهواه تقديم الشخصيات الغريبة، في الشكل والسلوك والمظهر، والأداء أيضا، نادرا هي الشخصيات التي قدمها علي الشاشة ويمكن أن تلتقي بمثلها في الشارع، أو في أي مكان علي الأرض! ولأن كل فنان في حاجة لمن يفجر جنونه، فقد كان لقاء جوني ديب مع المخرج تيم بيرتون، يشبه الحلة عندما تجد غطاءها المناسب، وقدما معا سلسلة من الأفلام الغريبة المدهشة في نفس الوقت، كان أولها مع فيلم"إد وود"وهو اسم ممثل ومخرج ومنتج للأفلام الهابطة، في سنوات الثلاثينيات من القرن العشرين، ثم تبعه بفيلم"إدوارد ذي الأصابع التي تشبه المقصات" وهو بداية مرحلة "اللسعان"الفني، وجاءت قمته مع فيلم"مصنع الشيكولاته"، وسويني تود الحلاق السفاح، ثم أليس في بلاد العجائب، وبعيدا عن مخرجه المفضل تيم بيرتون قدم سلسلة أفلام قراصنة الكاريبي، وأصبحت شخصية جاك سبارو، من أشهر الشخصيات السينمائية نجاحاً، وفي فيلمها الأخير" DARK SHADOW" يقدم جوني ديب شخصية، ليست مبتكرة ولكنه يقدمها بأسلوب مبتكر، وهي شخصية "بارنباس كولينز" مصاص الدماء الوسيم، الذي تعشقه النساء، ولاتمانع الواحدة منهن، في أن تترك له رقبتها عن طيب خاطر، فيغرس أنيابه في شرايينها ويمتص دماءها، ليحولها بعد ذلك، إلي مخلوق أبدي لايموت، موضوع الفيلم مأخوذ عن مسلسل طويل يحمل نفس الاسم، وقد أضاف له المخرج، أحدث الخدع السمعية والبصرية، مع كثير من المشهيات، منها الإفراط في تقديم مشاهد العنف المرتبط بقدر من "الإباحة "والسخرية! وحكاية الفيلم تبدأ من القرن السابع عشر، حيث تعيش أسرة كولينز بالغة الثراء في ليفربول بإنجلترا، وتبتلي العائلة بلعنة تطلقها ساحرة شريرة "إيقا جرين" تعشق باراناس وحتي تسيطر عليه، تماماً تحوله إلي كائن ليلي ومصاص دماء، بل إنها تحبسه في تايوت بعد ان تلف جسده بسيور من الحديد، حتي لايستطيع الفكاك، وتدفنه حياً!كل ده ليه؟؟ لأنه لايبادلها الحب، وتقفز الأحداث إلي سنوات السبعينيات، حيث ينجح "باراباس" في فك وثاقه والخروج، من تابوته، ويهيم في الشوارع يمتص دماء ضحاياه، ويبحث عن بقايا عائلته الكبيرة، حتي يصل إليهم ويقرر أن يحميهم من الساحرة، التي علمت بخروجه من مدفنه، وتدور الأحداث في أجواء بالغة الغرابة والطرافة! ولكنها تقل كثيرا عما قدمه المخرج "نيل جوردون " في فيلمه "لقاء مع مصاص الدماء" في عام 1994 وكان بداية لشهرة براد بيت، وكريستين دانتست، وأنطونيو بانداريس! لم يرحب نقاد السينما في هوليوود كما ينبغي بفيلم "الظل الأسود" للمخرج تيم بيرتون، ووصفوه بالتقليدية والسخافة، ولكن أي منهم لم يقترب من أداء "جوني ديب "، فقد قدم دوره بحالة رائعة من الإبداع الفني، تقول عليه "تهييس" تقول عليه "لسعان"، براحتك، المهم إن عينك لن تري في الفيلم غيره، رغم وجود حشد هائل من النجوم منهم ميشيل فايفر، إيفا جرين، هيلينا بونهام كارتر، بيللا هيتشوكت، ولكن كل دول كوم، وجوني ديب كوم تاني خالص، ليس لشدة حماسي له، ولكن لأنه يستحق هذا الحماس!