منذ 51 شهراً مضت علي الثورة تم تغيير 5 وزراء للثقافة، وكأن الثقافة هي المسئول الأول عن أكثر الأزمات تأثيرا علي المواطن المصري مثل أزمة أنابيب البوتجاز والبنزين!! وعلي أية حال اتضح أن وزارة الثقافة من أضعف الوزارات التي يمكن تغييرها بسهولة إرضاء للقوي السياسية المتصارعة، بعد إصرار الحكومة علي ألا تستقيل ولا المجلس العسكري أراد أن يقيلها، ولا يوجد دستور ينص علي حق مجلس الشعب في سحب الثقة من الحكومة. فلم يبق إلا التغيير الوزاري المحدود وبخاصة أن زمن أي وزارة لن يدوم إلا أسابيع حتي يتم انتخاب رئيس الجمهورية الذي يكلف رئيس وزراء جديداً بتشكيل الحكومة. هشاشة وزارة الثقافة هو ما يكشف عنه العقل السياسي الخاص عند من بيدهم السلطة أو حتي العقل السياسي العام عند المثقفين. بدأ تغيير وزير الثقافة عقب أحداث ثورة يناير فكان الدكتور جابر عصفور هو آخر من وقع عليه اختيار الرئيس السابق حسني مبارك ليكون وزيرا للثقافة، وقبل عصفور الحقيبة الوزارية في خطوة دانها المثقفون المصريون، ووصفوا موقفه بالمخزي، ورغم تقدمه باستقالته بعد فترة وجيزة إلا أنها لم تشكل فارقا عند من هاجموه. مع تغير الحكومة تغيرت وزارة الثقافة بدورها للمرة الثانية، وجاء علي رأسها المهندس محمد عبد المنعم الصاوي نجل أحد وزراء ثقافة مصر السابقين، ولم يهنأ الصاوي بكرسي وزارة الثقافة طويلا، فلم يعقد سوي مؤتمر صحفي يتيم ليحمل بعده لقب "الوزير السابق". رحل الصاوي وجاء د.عماد أبوغازي وزيرا للثقافة مع حكومة د.عصام شرف، وهو الاختيار الذي لبي مطالب قطاع عريض من المثقفين، فهو رجل يعلم الوزارة جيدا، عمل بها فترة طويلة، فقام بتعديلات واتخذ قرارات لاقت قبولا لدي العاملين بالوزارة، دفعتهم حين قرر الاستقالة إلي مطالبة المجلس العسكري ومجلس الوزراء بعدم قبول استقالته، مفسرين ذلك بما وصفوه بجهوده المتميزة التي بذلها ولأدائه التنفيذي والسياسي خلال فترة توليه الوزارة، كما أعلن قطاع الفنون التشكيلية في بيان رسمي صادر عن القطاع تمسكه ببقاء أبوغازي في منصبه لما لمسه العاملون بالقطاع بشكلٍ واضح من استقرار وهدوء في الأوضاع، إلا أن أبوغازي كان قد اتخذ قراره بلا رجعة علي خلفية أحداث العنف التي شهدتها القاهرة في نوفمبر العام الماضي واستقالت علي إثرها الحكومة بالكامل. وبحلول حكومة د.الجنزوري وضع المثقفون أيديهم علي قلوبهم، ورشحوا د.شاكر عبدالحميد الذي كان أبو غازي أسند إليه أمانة المجلس الأعلي للثقافة، لكنه سرعان ما خرج هو الآخر من الوزارة. ومنذ بداية الثورة وحتي يومنا هذا لا يدرك العقل السياسي أن الثقافة لها أعمق الأثر في عقول المواطنين وفي تربيتهم وفي رؤيتهم العامة للحياة. ويحدث ذلك بطريق غير مباشر وغير ملموس كرغيف الخبز واسطوانة البوتاجاز. الثقافة هي التي تبقي حتي وإن غاب التعليم. وتتأكد في الشباب حيث حرية الفكر والاختيار الحر، وتكوين الرأي وشخصية المواطن. الثورة ثقافة قبل أن تكون سياسة، فكرة قبل أن تكون حركة، عقل قبل أن تكون جسداً، لذلك ورثت مصر عن تاريخها تراكماً ثقافياً عبر حقب من التاريخ مثلتها حضارات متعاقبة الأمر الذي جعل مصر من أوائل الأقطار التي تعني بوجود وزارة للثقافة تكون مهمتها إكساب الشخصية المصرية تعريفاً بتاريخها وصيانة حضارة وموروثات هذا الوطن من تراثه ورعاية مكتسباته الإبداعية الناتجة عن عطاء أفراده وهذه الأهداف جميعها استوجبت وضع سياسة ثقافية لكن كالعادة كلما تغير وزير تغير رجاله. فكل وزير له بطانته ومساعدوه وقد تكون له سياسات مختلفة عن الوزير السابق، فتتغير سياسات الثقافة وإذا تغير الوزير باستمرار، خمسة وزراء ثقافة في عام وعدة أشهر فكيف يتم تخطيط ثقافة بعد استشارة أهلها؟ ومتي تتم صياغة اقتراحات ثم مناقشتها في عدة أشهر وهو يعلم أنه قد يغادر في أي وقت؟ فهو الجانب الضعيف بين الوزراء. هو الذي يتغير في أي هزة وزارية. وبتعبير شعبي هو "الملطشة" في كل أزمة وزارية. الآن د. محمد صابر عرب أصبح الوزير الجديد رقم خمسة للثقافة ومن المحتمل أن يرحل بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، ليأتي الوزير رقم (6).