اتفق العلماء والمتخصصون في تعريف "الكذب" هو أن يخبر الإنسان عن شيء بخلاف الحقيقة ، ويكون إما بتزييف الحقائق جزئيا أو كليا أو خلق روايات وأحداث جديدة بنية وقصد الخداع لتحقيق هدف معين قد يكون ماديا أو نفسيا ، أو اجتماعيا أو في مثل حالة مصر الآن الوصول إلي الحكم أو منصب الرئيس . ففي صراع المرشحين علي منصب الرئيس القادم استعد الجميع لخوض حرب هي بكل تأكيد ستمارس فيها كل أنواع الأسلحة التي بدأت منذ الآن بتصريحات ملتهبة ينال فيها كل مرشح من زميله بقدر ما يستطيع خاصة ما بين فئة من المرشحين كانوا يجتمعون في الماضي علي خدمة الرئيس المخلوع مبارك وكانوا يتبارون في إظهار حكمة الرجل ورجاحة عقله في إدارة الدولة المصرية التي تحول شعبها إلي أفقر شعب في المنطقة به أغني رجال في المنطقة أيضا. والغريب أن الحرب بدأت بين رجال الرئيس بعد أن أعلن الفريق أحمد شفيق عن ترشحه للرئاسة لتستقبله كلمات عمرو موسي بأنه لايليق بأن يرشح آخر رئيس وزراء لمبارك نفسه رئيسا لمصر بعد الثورة فما كان من أحمد شفيق سوي تذكير عمرو موسي بأنه كان أمينا عاما للجامعة العربية تحت رعاية مبارك وبأنه كان هو من أعلن أنه مؤيد لمبارك في ترشيحه لنفسه لفترة قادمة وازداد الوضع سخونة بعد ما طالب البعض اللواء عمر سليمان نائب مبارك في أيام الثورة وحتي تنحيه ومدير مخابراته وحامي حياته وأسراره منذ أديس أبابا وحتي خلعه بالترشح لرئاسة مصر وبعد رفض متكرر من جانبه اعلن بوضوح أنه لن يترشح والغريب أنه أثناء تلك الفترة كانت يتم وبتنظيم شديد في كثير من الحياء تولي بعض من الأشخاص جمع توكيلات لعمر سليمان رغم إعلانه عن عدم قدرته عن الترشح وفي منطقة " الكربة " بمصر الجديدة تولي عدد من سكان المنطقة أحدهم يمتلك محلا شهيرا لبيع شرائط وسيديهات موسيقية عملية الترويج له وجمع التوكيلات وتنسيقها لدي محام شهير يقع مكتبه في الميدان ، لتخرج يوم الجمعة من نفس المنطقة مظاهرة تهتف وتدعو عمر سليمان للترشح رافعة هتافات كان أعلاها صوتا "يسقط يسقط حكم المرشد" وهذا بالطبع بالتزامن مع مظاهرة العباسية التي رفع المشاركون فيها لافتات معدة بدقة تطالب عمر سليمان بالترشح.. كل هذا وهو يبدو في صورة المتمنع والزاهد حتي خرج علينا بالمفاجأة التي لم تدهش أحدا بأنه سيترشح بناء علي رغبة الجماهير وهو سيناريو يتشابه كثيرا مع سيناريوهات العهد الماضي وإن كانت اللحظة المواتية له جاءت بعد أن أعلن مكتب شوري جماعة الإخوان ترشيح المهندس خيرت الشاطر مؤيدا بدعوات المرشد العام وبمئات من توكيلات أبناء الجماعة داخل البرلمان تنفيذا لقاعدة السمع والطاعة الإخوانية، رغم إعلان المرشد بأنه لن يتم ترشح أحد من الجماعة بل وزاد بأنه يتمني ألا يترشح أحد من التيار الإسلامي لمنصب الرئيس ولكن كل هذه التصريحات والوعود اختفت وتلاشت أمام الساعات الأخيرة للاستيلاء علي الحكم في مصر بالكامل ليشتعل الصراع ويتأجج مع المعوقات القانونية التي قد تقف أمام الشاطر بسبب العفو ورد الاعتبار وأحقيته في الترشح من عدمه وهو ما دفع د.محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة للترشح مما يؤكد نية الإخوان الاستحواذ علي الحكم في مصر وإقصاء كل القوي السياسية عن الساحة خاصة بعد احتمال خروج حازم صلاح أبو إسماعيل من معركة الرئاسة بعد التأكد من حصول والدته المرحومة نوال عبد العزيز عامر علي الجنسية الأمريكية عام 2006ورغم ذلك نفي في البداية تماما حصولها علي الجنسية ثم تغير الحديث بعد ذلك عن وثيقة سفر ثم مع ما صاحب ذلك من ظهور سائق يعمل مع الشيخ ليؤكد أنه سأل المرحومة عن جنسيتها وأنها أكدت له أنها لاتحمل سوي الجنسية المصرية ! وأصبح في حكم المؤكد خروج حازم بحملته من سباق الرئاسة وقد يتبعه الشاطر ليتبقي إصرار التيار الإسلامي علي ترشيح اللاعبين الاحتياطيين لهم متمثلين في محمد مرسي وصفوت حجازي الذي أعلن في اللحظات الأخيرة بأنه لن يترشح بعد تقديم مرسي لأوراق ترشحه ليحيط الصراع علي كرسي الرئيس مشهد ضبابي ما بين مرشحي التيار الإسلامي الذين أرادوا الاستحواذ علي الحكم بكل مؤسساته في مواجهة فريق مبارك الذي يضم نائبه ورئيس مخابراته ورئيس وزرائه ووزير خارجيته وما بينهما ينحشر مرشحو الثورة: الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي وخالد علي وهشام البسطويسي وأبو العز الحريري والذين تبدو فرصهم أقل من الفريقين السابقين بعد ما تم تشويه الثورة وشبابها وأهدافها وخلق حالة من الفوضي والأزمات المتلاحقة ليشعر الشعب أنه في انتظار المنقذ الذي سيخلصه من كل هذه الظروف الصعبة ومن المؤكد أن الأيام القادمة ستشهد مزيدا من الفوضي والأزمات الخانقة التي تمس المواطن البسيط وتتغلغل في تفاصيل حياته اليومية مع الأخذ في الاعتبار أن العقل المفكر لهذه المؤامرات يتمتع بحالة من اختراع الجديد دائما من الأزمات تضاف إلي سابقتها من رغيف العيش والسولار فضلا عن الانفلات الأمني والفوضي وتوقف الإنتاج المتعمد. وتتفق الدكتورة نيفين عبد الخالق أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة مع هذا الرأي وتضيف بأن الكوارث والأزمات ستزداد في الأيام القادمة وستستخدم لتغيير المزاج العام للمصريين ليلتفوا حول المنقذ الذي قام بكتابة السيناريو منذ اللحظات الأولي للثورة وهو اللواء عمر سليمان. فما يحدث الآن من دخوله لسباق الترشح للرئاسة هو الفصل الأخير في السيناريو الذي بدأ تنفيذه في 11فبراير 2011وهو نفس السيناريو الذي ألفه وكتبه ووضع تفاصيله جنرال المخابرات ولعب فيه دور البطولة من البداية وحتي النهاية وكان من ضمن أحداثه خلق حالة الفوضي في البلاد معتمدا علي فريق عمل مكون من المجلس العسكري، وللأسف الشديد أن فريق الإسلام السياسي كان هو الرديف المعاون بكل أنانيته ورغبته في الاستحواذ الكامل علي الحياة السياسية والتنفيذية في مصر ليشكل المناخ المناسب المهيأ لظهور هذا اللاعب في صورة المنقذ وللأسف أن كل طرف في اللعبة يصر علي القيام بأداء دوره حتي النهاية ليبدو المشهد وكأنه إحدي مسرحيات المآسي اليونانية القديمة التي تنتهي بانتحار الجميع.. الوصول إلي السلطة بأي شكل يعمي العيون عن الوقوع في فخ الحفر ليخسر الطرف البراجماتي مكتسباته طوال الشهور الماضية في لحظة لا يصدقها، ففي أمور الحكم والسياسة لا بد لمن يحكم أن يكون لديه سند من القوة متمثلا إما في المؤسسة العسكرية أو في حزب قوي ولذلك شاهدنا خروج البرادعي بمثاليته من المشهد بحكم أنه لا توجد خلفه قوي منظمة خاصة أن المؤسسة العسكرية تتبني السيناريو الخاص بها رغم أننا كنا نتمني لو أنها تتبني آمال وطموحات الشعب مثلما حدث مع عسكر 52 الذين كان يقف وراءهم طموح الشعب فأحدثوا التغيير أما الآن فالنخبة العسكرية لا تتبني أحلام المواطنين بقدر ما تساند النظام البائد المرتبط معها بمصالح حتي لو تشدقت بأنها تتبني مطالب الجمهور في صورة درامية أشبه بسكر منثور علي كعكة مرّة. وتحكي د. نيفين عن سرقة الثورة والتيارات الدينية والسلفية التي قدمت نفسها بصورة مفزعة لتزيد من ارتباك المشهد لتساهم بقدر كبير في إفراغ الثورة بتخليهم عن الشباب الذين قدموا أرواحهم وهم يهتفون بالدستور أولا وبرفض حكومة الجنزوري في حين كان التيار الإسلامي يصوت للمادة 82 وبقاء الجنزوري، والآن اكتشف التيار الإسلامي وبوضوح كامل أنه بني طموحه الاستحواذي علي قصر من الرمال. التوافق علي مرشح واحد للثورة هو الأمل الوحيد لهدم السيناريو القبيح، وإعادة الحياة لطموح شباب التحرير الذين فعلوا ما يستحق لإنقاذ مصر من براثن النظام الفاسد، فهل سيلتفت مرشحو الثورة إلي اتخاذ الخطوة المهمة بالاتفاق علي تكوين مجلس رئاسي ينافس بقوة ليحصد المقدمة؟.. سؤال طرحته علي الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الذي فاجأني برؤية واقعية شديدة المرارة حين قال: لا يوجد حل للإنقاذ حسب قراءة المشهد كما هو، فكل مرشحي الرئاسة حريصون علي الاستمرار وبعيدون عن فكرة أن يتنازل أحدهما للآخر، وغير عابئين باستطلاعات الرأي فكل منهم يتصور أنه الأفضل الوحيد القادر علي تحقيق طموح الثورة متناسين أنهم بهذا الاختلاف والتشرذم يهدمون الثورة، فأحد أمراض الحياة السياسية المصرية هو التعامل بالفردية. وأعتقد أن معظم مرشحي الثورة فرصهم محدودة ما عدا عبد المنعم أبو الفتوح الذي قد يكون أوفرهم حظا وربما يتمكن من الوصول إلي الجولة الثانية في الانتخابات رغم أنه معروف جيدا داخل النخبة المثقفة وقد يخسر كثيرا ولكن إذا عرف عنه أنه ينحاز للتيار الليبرالي سيخسر أصوات الإسلاميين. ألا يوجد بصيص من الأمل ليفيق تيار الرئاسة الثوري من نشوة الفردية ليتمكن من كسب المعركة من الجولة الأولي؟ يستبعد الدكتور كامل مصطفي ذلك ويصر علي أن التحالف قد يحدث في الجولة الثانية داخل الفرصة الضائعة! يتبقي أن نقول بأن حالة الكذب التي شهدها المسرح السياسي في مصر جعلت من سعد الصغير هو الأكثر صدقا.