في عام 1999 وعلي مدي 8 أيام، تابع العالم بشغف وترقُّب تحويل خاطفي مسار رحلة للخطوط الهندية إلي أفغانستان، حيث احتجزوا الركاب كرهائن في أحداث درامية لم تنته إلا بقبول نيودلهي الإفراج عن ثلاثة مقاتلين كشميريين. وبعد مرور 20 عاما، لا تزال الهند تدفع ثمن هذا القرار. إذ كان بين المقاتلين الذين أُفرج عنهم مسعود أظهر الذي أسس لاحقا جماعة »جيش محمد» التي تبنت قبل أيام الهجوم الأكثر دموية الذي تشهده كشمير الخاضعة للإدارة الهندية منذ ثلاثة عقود. حيث قتل أكثر من 40 جنديا من القوات الخاصة المساندة للجيش الهندي في الهجوم الانتحاري الذي وقع في الرابع عشر من الشهر الجاري، مما أشعل فتيل أزمة دبلوماسية جديدة بين الجارين النووين، الهندوباكستان. وخاض البلدان حربين بشأن كشمير منذ الاستقلال عن بريطانيا في عام 1947. ويدعي الطرفان أحقيتهما بالسيادة علي كامل الإقليم. رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي يخوض غمار الانتخابات العامة بحلول مايو المقبل، أكد أنه أطلق يد قوات الأمن للانتقام للقتلي في كشمير. فيما قال وزير المالية الهندي أرون جايتلي في نيودلهي »سنستخدم كل الوسائل المتاحة لدينا سواء كانت دبلوماسية أو غير ذلك.. لدي الهند كل الخيارات. لا يتعين عليك أن تستنفد كل الخيارات من البداية. هذه ليست معركة لأسبوع واحد. سينفذ الأمر بعدة أشكال». وزعم أكبر قائد عسكري هندي بالإقليم أن المخابرات الباكستانية متورطة في الهجوم. فيما رد الميجر جنرال آصف غفور، المتحدث باسم الجيش الباكستاني، قائلا للصحفيين في مدينة روالبندي »ليست لدينا أي نية لبدء الحرب ولكننا سنرد بكل قوة علي التهديدات الشاملة بصورة ستفاجئكم.. لا تعبثوا مع باكستان». جماعة »جيش محمد» المتمركزة في باكستان تُعتبر واحدة من مجموعات مسلحة عدة مناهضة للهند تقاتل في كشمير وتعتبر خارجة عن القانون. لكن يشتبه بأن هذه المجموعات تنشط في الهند لصالح إسلام آباد. ويعتقد كذلك أن أظهر، الذي لم يصنّفه المجتمع الدولي يوما بأنه إرهابي، مقيم في باكستان. ولا يزال مكانه غير معروف رغم أن موقع وزارة الخزانة الأميركية الإلكتروني ينشر عنوان سكنه علي أنه في مدينة بهاولبور في إقليم البنجاب. محفّز ومجنّد ولد أظهر في ولاية البنجاب عام 1968 حيث كان والده أستاذ مدرسة ابتدائية، بحسب المحلل الأمني أمير رنا الذي أجري أبحاثا متعمقة تناولت المجموعات الباكستانية المسلحة. ودخل أظهر في البداية كشمير الهندية بجواز سفر برتغالي، وفق ما أفاد محللون أمنيون لوكالة فرانس برس، وتواصل مع عدد من المجموعات المسلحة. وبات شخصية اعتاد الناس علي رؤيتها في شوارع سريناجار، بينما عرف بخطاباته النارية وبالتوسط بين مختلف المجموعات التي انضمت للتمرد. وقال مسؤول متقاعد لفرانس برس إن »قيمته الأبرز بالنسبة للمجموعات المسلحة تكمن في دوره كمحفّز ومجنّد، لكن الأهم هو أنه أظهر قدرة جيدة علي أن يوفّق بينها أثناء الخلافات». واعتقلت السلطات الهندية أظهر عام 1994 بتهم تتعلق بالإرهاب. وذكرت تسريبات أنه تفاخر أمام سجانّيه بأنهم لن يتمكنوا من إبقائه قيد التوقيف. وفي مرحلة ما، حفر مع غيره من الموقوفين نفقا. وعندما حان وقت الهروب، أصرّ أظهر علي الخروج أولا، بحسب ما قال مسؤول أمني لفرانس برس. »لكنه علق في النفق الضيّق بسبب بنيته الضخمة، ففشلت المحاولة برمتها». وبقي في السجن إلي أن خُطفت رحلة الخطوط الهندية التي كانت متجهة من كاتماندو إلي نيودلهي ليلة عيد الميلاد عام 1999، لتهبط في نهاية المطاف في مدينة قندهار الأفغانية التي كانت خاضعة آنذاك لحكم حركة طالبان. وقيل إن أحد الخاطفين هو شقيق أظهر الأصغر ويدعي إبراهيم أظهر. عدم كفاية الأدلة وذكرت تقارير مخابراتية أن أظهر التقي زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن ومؤسس حركة طالبان الملا محمد عمر في أفغانستان عقب إطلاق سراحه. وشكّل »جيش محمد» عام 2000، وبعد عام من ذلك، اتُهمت الجماعة بشن هجوم علي البرلمان الهندي قتل المسلحون علي إثره عشرة أشخاص، وهو ما دفع الهندوباكستان إلي حافة الحرب. واعتُقل أظهر ووضع قيد الإقامة الجبرية، لكن محكمة في لاهور، عاصمة البنجاب، أمرت بالإفراج عنه نظرا ل»عدم كفاية الأدلة» ضده. ومع توجيه المجموعات الباكستانية المحلية بنادقها نحو الدولة بعد هجمات 11 سبتمبر 2011 التي وقعت في الولاياتالمتحدة، كان أظهر بين عدد قليل من المقاتلين الذين تواروا عن الأنظار. وشنّت الجماعة هجوما جديدا في 2016 إذ اتهمتها نيودلهي باستهداف قاعدة عسكرية في كشمير الهندية أسفر عن مقتل سبعة جنود وتسبب مجددا بتصاعد حدة التوترات. وتم وضع أظهر مجددا قيد »الحبس الاحتياطي»، لكن من دون أن يتم توجيه تهم رسمية إليه. وفي يوليو الماضي، خاطب أنصاره في مظفر آباد، عاصمة القسم الخاضع للسيطرة الباكستانية من كشمير، من مكان مجهول عبر الهاتف قائلا إن لديه مئات العناصر ممن هم علي استعداد للقتال حتي الموت. ودفع الخطاب السلطات الهندية لتشديد الإجراءات الأمنية في المطارات تحسبا لعملية خطف أخري. لكن تلك كانت آخر مرة يصدر أي شيء عن أظهر. معارضة صينية وإضافة إلي باكستان، تحظر الأممالمتحدةوالهند »جيش محمد» بينما تصنّف الولاياتالمتحدة الجماعة علي أنها منظمة إرهابية. إلا أن أظهر لم يُدرج علي لوائح الإرهاب رغم مساعي نيودلهي المتكررة لإقناع مجلس الأمن الدولي بتصنيفه كذلك. لكن الصين، حليفة باكستان، حالت دون حصول ذلك مرارا. وقال دبلوماسيون لوكالة فرانس برس، الأسبوع الماضي، إن كلا من فرنساوبريطانياوالولاياتالمتحدة تدرس التحرّك مجددا في مجلس الأمن الدولي لإدراج أظهر علي قائمة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة، لكنها لا تزال تواجه معارضة من الصين. جذور الصراع تكمن جذور هذا الصراع في عملية تقسيم شبة القارة الهندية في عام 1947، بعد رحيل الاحتلال الإنجليزي، حيث ولدت باكستان كبلد أغلبه من المسلمين من رحم الهند ذات الأغلبية الهندوسية. وخاضت الهندوباكستان ثلاث حروب شاملة خسرتها باكستان جميعا، وانتهت الأولي عام 1949، بعد أن قسمت كشمير بينهما فيما بات يعرف الآن بولاية جامو وكشمير الخاضعة للسيادة الهندية وآزاد كشمير (كشمير الحرة) التابعة لباكستان، ولم تفلح الحرب الثانية عام 1965 في تغيير هذا الوضع، في حين أسفرت الحرب الثالثة عام 1971عن تقسيم باكستان نفسها إلي دولتين بعد انفصال باكستانالشرقية وتأسيس جمهورية بنجلاديش. وتمثل قضية كشمير وحق شعبها(77% مسلمين) في تقرير المصير إحدي النزاعات القديمة التي لم تحل حتي الآن والتي مازالت قائمة وموجودة علي قائمة الأممالمتحدة كما أن أهمية هذه القضية ازدادت في السنوات الأخيرة بعد التجارب النووية الهنديةوالباكستانية. أهمية كشمير تعتبر كشمير ذات أهمية كبيرة لكلا الطرفين المتنازعين حيث تعتبرها الهند عمقا أمنيا استراتيجيا لها أمام الصينوباكستان، كما أن الهند تخشي، إذا سمحت لكشمير بالاستقلال علي أسس دينية أو عرقية، أن تنتقل عدوي الانفصال في الكثير من الولاياتالهندية التي تغلب فيها عرقية معينة أو يكثر فيها معتنقو ديانة معينة. أما أهمية كشمير بالنسبة لباكستان فتكمن في أنها منطقة حيوية لأمن إسلام آباد، وذلك لوجود طريقين رئيسيين وشبكة للسكة الحديد في سرحد وشمالي شرقي البنجاب والتي تجري بمحاذاة كشمير. إلي جانب أنه ينبع من الأراضي الكشميرية ثلاثة أنهار رئيسية للزراعة في باكستان مما يجعل احتلال الهند لها تهديدا مباشرا للأمن المائي الباكستاني. وتعد كشمير اليوم واحدة من أكثر المناطق المدججة بالسلاح في العالم، فيما تدير الصين أجزاء من الإقليم.
تسلسل زمني -1846 قيام إمارة كشمير. -1947إلي 1948 تردد مهراجا كشمير في حسم موقفه من الانضمام للهند أو باكستان مما دفع البلدين للحرب. -1949 تقسيم كشمير بين الهندوباكستان والاتفاق علي وقف لإطلاق النار. -1962 الصين تهزم الهند في حرب قصيرة حول نزاع علي منطقة أكاسي تشين الحدودية. -1965 انتهاء الحرب الثانية بين الهندوباكستان حول كشمير باتفاق علي وقف إطلاق النار، وصعود القومية الكشميرية وتأسيس جبهة تحرير جامو وكشمير بهدف إقامة دولة مستقلة من خلال اتحاد القطاعين اللذين تديرهما الهندوباكستان من كشمير. -1972 اتفاقية »سيلما»: الهندوباكستان تحددان خط وقف إطلاق النار خطا للسيطرة كجزء من مفاوضات تسوية الخلافات بعد حربهما التي انتهت بانفصال بنجلاديش عن باكستان. -الثمانينيات والتسعينيات، التمرد في كشمير: أدي التذمر من الحكم الهندي إلي قيام مقاومة مسلحة واحتجاجات كبيرة وصعود لجماعات مسلحة مدعومة من باكستان. ولقي عشرات الآلاف من الأشخاص مصرعهم. -1999 اندلاع نزاع محدود بين الهندوباكستان بعد عبور مسلحين لخط السيطرة حتي ضاحية كارجيل في القطاع الذي تديره الهند من كشمير. -2008 الهندوباكستان تفتتحان طريقا تجاريا عبر خط السيطرة لأول مرة منذ 6 عقود. -2010 احتجاجات مناوئة للهند في القطاع الذي تديره الهند من كشمير لقي خلاله نحو 100 شاب حتفهم. -2015 الانتخابات في جامو وكشمير تشهد صعود حزب بهاراتيا جاناتا دال القومي الهندوسي الحاكم لأول مرة كقوة سياسية رئيسية في الإقليم لدي تشكيله ائتلافا حكوميا مع حزب الشعب الديمقراطي المحلي.