يومية نسمة ستون جنيها من الثامنة للخامسة مساء.. قالت بما فسرته أنا ذلا: "عارفة إيجار الشقة الفخمة اللي بانضفها كام.. اتناشر جنيه بس في الشهر كله"!!. فقلت لنفسي وازاي مش بتسرقيها!!.هذه حكاية من شارع في مدينة القاهرة ..العاصمة ..التي استشهد أغلي أبنائها الغاضبين من الجوع والفقر والذل، ولم تجف دماؤهم أو تضمد جراحهم منذ خمسة عشر شهرا.. أهديها صفعة علي وجه المجلس القومي للمرأة .. وأهديها لضمير مجلس الشعب المنتخب بإرادة شعبية ليحقق للشعب حياة كريمة .. وإلي اللجان التي تصارعوا لاقتناصها ونسوا في صراعهم أن يشكلوا لجنة للإغاثة الفورية لسكان العشوائيات قبل الموت جوعا .. وأهدروا من وقت المجلس ومن عمرنا وأحلامنا شهورا في السيطرة علي انفلات الأعضاء، وفض خناقهم علي اصطياد الميكروفون والكاميرا، وتدريبهم علي رفع اليد قبل الكلام والجلوس في أماكنهم، واحترام بعضهم!.. ثم مناقشة هل نبتر النائب الكذاب الذي أسرع بتجميل أنفه ليتزوج، أم نترأف عليه لأنه بشر ضعيف تجوز عليه الرحمة، ونتسامح في غلطة تكدير الأمن وهز ثقة الشعب في النواب الموقرين والإساءة للنور الذي ينتمي إليه الحزب !!. الحكاية .. إني كنت أهم بركوب السيارة فاستوقفتني لمة صغيرة قريبة، تعلو من وسطها أصوات شفقة .. ولمحت جسد طفلة تتساند لتجلس علي الرصيف وتطلب من الجميع بصوت واهن مؤدب أن يتركوها لحالها .. وسيدة تسألني ممكن توصليها محطة الأتوبيس آخر الشارع .. ترددت لحظة لأن الشارع أصبح مصيدة، وحوادث سرقة السيارات بالعنف والآلي والنصب تجاوزت كل خيال، من براعة وجرأة اللصوص، إلي سلبية وعجز الأمن.. لكن أمام خوف الطفلة مني ومن الغرباء المحيطين بها، ورفضها النقود التي حاولت سيدة أن تدسها في يدها، صممت أنا علي اصطحابها، ولم أندم، لكن أصابني إحباط واكتئاب وتضاعف حزني علي ضياع الثورة التي جددت فينا الأمل أياما في حياة آدمية للمصريين !. اسمها نسمة، عمرها 52 عاما، متزوجة وتعمل في تنظيف البيوت لتعول ولديها، وزوجها الخباز العاطل أغلب الأسبوع .. لها جسد ووجه طفلة هزيلة جميلة، مندهشة مذعورة من الغرباء .. جلست منكمشة وسالت دموعها لإحساسها بالإهانة " لأن الناس افتكروها بتشحت "، وأظهرت لي عشرة جنيهات لتؤكد كلامها .. تعيش في مجاهل عين شمس في عمارة من طابق واحد عمودي سبعة أدوار .. تدفع إيجارا جديدا– بزيادة سنوية خمسون جنيها - وصل إلي أربعمائة وخمسين جنيها شهريا (054 جنيها!!) خلاف قيمة المياه والكهرباء .. والتي يحددها صاحب البيت بمزاجه، لأن عداد كهرباء والمياه باسمه .. ومطلوب منها 051جنيها قيمة المياه عن آخر شهرين وحوالي خمسين كهرباء !!.. قلتلها ده حرامي، فازدادت انكسارا وأجابت " بس طيب .. ممكن الإيجار يتكسر علينا شهرين ومش بيطردنا.. وبيوافق نقسط الميه والكهربا"!!.. وتسألني بسذاجة ليه الحكومة غلت الكهربا مع اني فصلت التلاجة لأنها فاضية، هو التليفزيون واللمض بس !!.. ابنها الأصغر عمره اقترب من الثالثة ويعجز عن المشي إلا خطوات قليلة من نقص الكالسيوم كما أخبرها طبيب الجامع الذي منحها الحقن مجانا ولم يكررها، والابن الأكبر أصيب بتهتهة بعد أن كان يتكلم، وفهمت أنه طفل مذعور من كثرة وشدة الخلافات بينها وبين زوجها علي توفير الطعام والعلاج وأجرة المسكن والتهديد بالطلاق لو تأخرت في البيوت!.. فالزوج يعمل باليومية في فرن بلدي يمنح حق العمل لمن يبكر قبل الفجر.. تشتري طعامها من سوق المرج، هياكل فراخ (أجنحة ورقاب) مرة شهريا لأن الكيلو ارتفع تمنه من تلاتة إلي تسعة جنيه.. وكسر مكرونة، وربع كيلو شيبسي فرط وأحيانا خضار.. وفي العيد عجينة جاتوه علي بسبوسة بالجملة .. قدمت لها عصير رفضت .. وقالت بصدق وامتنان " ما أنا أكلت امبارح الضهر مكرونة " !. يومية نسمة ستون جنيها من الثامنة للخامسة مساء.. قالت بما فسرته أنا ذلا: "عارفة إيجار الشقة الفخمة اللي بانضفها كام.. اتناشر جنيه بس في الشهر كله"!!. فقلت لنفسي وازاي مش بتسرقيها!!. هذه حالة من عشرات الآلاف في العاصمة فقط .. تعرفها كل عضوات المجلس القومي للمرأة وتتحسر علي حالها في الفضائيات، وتدون بياناتها تحت اسم المرأة المعيلة .. وتقيم المؤتمرات والندوات والليالي الملاح بالسواريه والألماظ لتتغني بسوء حالها والشحاتة عليها، ولديها كشوف بعدد بطاقات أرقامها القومية من أيام خدمة الهانم بحصرها لتجميع أصوات لتزوير الانتخابات .. وبالمثل كل الأحزاب الدينية والعلمانية والليبرالية. لن أتكلم عن حال أو مستقبل أبناء العشوائيات، كلنا عارفينه .. لكن أطالب بمحاكمة عضوات المجلس القومي للمرأة علي الأموال التي أهدروها سنين ولم تصل لأفواه أو أجساد أو عقول الجائعين البائسين .. أين التأمين الصحي وأين ورش التدريب وفرص العمل .. ماذا نفذتم من توصياتكم ولماذا هي عاجزة ؟.. وكم قبضتم رواتب وبدلات ومكافآت .. ومن سمح لكم بالاستمرار في مقاعدكم؟. وأسأل رئيس مجلس الشعب د. الكتاتني .. لماذا وافقت علي تخصيص سيارة (بي . إم ) لك بمليون ونصف مليون غير مصاريف أخري منها الحراسة، وأنت رئيس مجلس ثورة منتخب لتحقيق أمل المصريين في حياة كريمة .. ولماذا لم تخفض مصروفات المجلس ككل لصالح الغلابة بل ضاعفتها بتخصيص مدير أعمال لكل عضو لجنة !!.. ولماذا أنفقنا الملايين لانتخاب مجلس شوري بلا جدوي ولا إضافة !!.. ولماذا لم يقدم أي من أعضاء مجلسك الموقر طلب إحاطة عن مصروفات نقل وتأمين رموز النظام للمحاكمة.. والتي كانت تكفي لانتشال هؤلاء البؤساء من وحل العشوائيات وسواد المستقبل . وأطالب بلجنة عاجلة لإنقاذ المرأة المعيلة، وبإقرار قانون تعديل الإيجارات القديمة وتقنين الجديدة لأنه أذل الفقراء والملاك، وأغني اللصوص .. هذا هو ما أراه حلالا ويرضي الله، وأراه التطبيق الأرحم للشريعة بدلا من إطلاق اللحي وتجميل الأنوف .. يارب ارحمنا جميعا.