وفاء الشيشينى تتقافز بنا.. أيام العمر .. إلي مشارف نهاية الرحلة.. تطوف بنا الذكريات.. تسلمنا إلي لحظات.. أيام .. ليال.. إلي وقفة هنا.. وذكري هناك .. من لحظة أمل مشرقة إلي خيبات متعددة.. من انتصار إرادة في لحظة فارقة إلي مواءمات تفرضها عليك ضرورات حياة ومستقبل أطفال ليس من خطئهم .. أنك أسأت الاختيار. أنها محطات حياتنا جميعا. نتذكرها في نوستالجيا الحنين إلي زمن.. وعلاقات.. ومواقف.. أنها رحلة عمر قاربت علي الانتهاء. إنها ليست بالضرورة حكايتي ولا ذكرياتي ولا حتي وجهة نظري في الحياة.. إنما هي محصلة (عمر) قضيته علي هذه الأرض ووسط هؤلاء الناس.. بالأخص هؤلاء الناس.. فبدونهم الحياة عبارة عن وحشة قاتلة ومعهم قد تكون الوحشة أكثر إيلاما أو هي الصحبة الغالية التي بدونها.. تفهم معني كلمة إن جنة من غير ناس.. ما تنداس! يقولون إن كثيرا منا يشعر بالنهاية حين تقترب حتي لو كان في مقتبل العمر ولا يخطر علي باله أن الحياة كما يعرفها ربما في طريقها إلي الاختفاء. ومن ثم يحاول أن يعيد تقييم حياته علاقاته انتماءاته أفكاره.. الأشياء التي تصور أنها تشكل أولوياته.. وقتها. قد يكتشف كم الزيف والخداع الذي يحيطه والذي لوث حياته بشكل ماكان يتصور أنها ستكون علي هذه الشاكلة.. ومن ثم يحاول تصحيح كل ذلك ولكن أيضا قلة قليلة من تتوصل إلي تلك الحكمة، بأن الحياة أغلي من أن نضيعها في تفاهات تفرضها علينا قوانين من هم أقل منا صدقا وطيبة وإيمانا وحتي ذكاء. وأحب أن أعترف أن الكاتبة المبدعة بحق سناء البيسي قد كتبت عند بلوغها الستين مقالة رائعة تؤرخ بها لحياتها وعصرها.. فنانيها ومفكريها .. وتاريخها السياسي الذي أثر علي طريقة حياتها وتفكيرها وكانت تحفة فنية وتاريخية، كعادتها دائما ولكن في تلك المقالة وجدت جزءا من حياتي. وقلت لنفسي، عندما أبلغ هذا العمر.. سوف أكتب أيضا عن عصري. هذا وقد اقترب مني هذا العمر. إذن لأوفي بعهدي لنفسي.. ❊❊❊ أنا ابنة حقبة سينما الأبيض والأسود.. سينما الرومانسية الحقيقية وبدايات انتزاع حق (الحب) الشريف الذي هدفه الزواج حتي آخر العمر.. والله جيل كامل اعتنق تلك المشاعر الجميلة .. الحب حتي آخر العمر.. وعندما كنا نسأل عن أمانينا نحن النساء اللاتي ولدن مع ثورة (52) كانت أن تظل (فورة) الحب قائمة حتي الممات وأن نظل (نعمل) ونثبت أننا كالرجال لانستطيع أن نحيا دون أن نحقق شيئا (لذواتنا) ولمجتمع الثورة ولا أن نسجن بين جدران الزوجية. حياة كانت أكبر وأرحب وأكثر خيالا ومغامرة وتبدلا واكتشافات لا يدانيها أن نقيم أسرة.. تقليدية.. تسير بنا الحياة منها بالنسبة للمرأة.. برتابة تبعث علي الانتحار. ولم أكن أتصور أن بعدها بعقود وعقود سيأتيني في عام 2012 من يقول لي إن المرأة لاتصلح إلا للمتعة والإنجاب وأنها حقا ناقصة عقل ودين.. رغم ما وصلت إليه من نبوغ وليس مجرد نجاحات في كل المجالات. بل إنني أشعر بالخجل لمجرد أنني أثير هذا الموضوع كأننا عدنا إلي العصور الوسطي في هذا المؤتمر المختل الذي تسأل. هل المرأة إنسان كامل أم لا. وكانت النتيجة إنها إنسان ولكنها بلا (روح) .. هاهاها! وذلك درس لمن يتصور أن أي يقين أو مكسب تصل إليه في أي مكان .. هو في مأمن.. حتي يوم الدين لا.. بالعكس .. لذلك لابد أن نحمي حقوقنا ومكسبنا كل يوم حتي نسلمها للجيل الجديد ولاتنخدع لمن يقول إن الحياة لا تسير للخلف. فلقد جاء التيار الإسلام السياسي ليعلمنا عكس ذلك بجراءة يندي لها الجبين! آه.. لا ننسي مبارك.. الذي حاول إعادة الملكية لمصر المحروسة مرة أخري. واليوم يحاولون استنساخ حكم العسكر في واقع لايقبله في أي مكان في العالم. علي الأقل من قام بالثورة. ثورة انتظرتها 60 عاما بعد ثورة يوليو!! ويحزنني عندما يقارنون بين عبد الناصر ومبارك علي أن كليهما حكم عسكر. فالفارق بين سماء من آمن بالبلد وحريته وانحاز لفقرائه وأنشأ صناعة.. و.. و.. وارتكب جريمتين حكم الفرد .. والتعذيب.. والآخر لم يفعل أي شيء وأضاف إلي الجريمتين ألف مليون جريمة. من خيانة البلد إلي النهب العام.. إلي إفقار وإذلال مصر وشعبها والنزول بقيمتها وتاريخها وحضارتها وثقافتها إلي مستنقع التاريخ. فإذا كان لابد من أحد الشرين. فلا تؤاخذوني .. إذا أحببت عصر (جمال) عن عصر .. (أبو جمال). ❊ ❊ ❊ ماذا أفتقده حقيقة في هذا العصر!! أفتقد العيلة.. أفتقد إيقاع الحياة البسيط والأحلام البسيطة والثقافة العالية وقيمة القراءة التي كانت هي دون سواها رفيقنا في ليالي الصيف الطويلة .. كانت تلك الصحبة المؤنسة لوحدة الفتيات بالأخص المحرومات من سهر الليالي الخارجية الممنوحة بمشروعية مجتمعية منافقة للرجال دون النساء هي التي أثرت بفكر جيل أمهات ثورة يناير بدون كمبيوتر ولا (آي باد) مجرد مجهود متواضع للتواصل مع الأفكار الجديدة التي تهبها لنا عقول مفكري البشرية. تلك كانت أجمل أيامي وأيام جيلي. المعرفة الورقية حتي أنني حتي الآن لا أقدر أن أكتب إلا من خلال ورقة وقلم وأباجورة. أعتقد أنها أكثر حميمية وخصوصية. أو هكذا أعتقد. إنها تذكرني بالفرق بين لمة العيلة في شبابي وتفرقهم علي المنتجعات أو مجرد هروب الشباب إلي الأصدقاء بعيدا عن أهاليهم. في الوقت الذي كنا نسعد فيها ونطير فرحا لو سألنا (أهالينا) أن ننضم إليهم في أي مناسبة. أو حتي مجرد لمة للونس كنا ندخرها مؤونة قد تونسنا عندما يرحلون عنا بأجسادهم وتظل أرواحهم تزورنا عند الاستدعاء الذي لاينقطع في أحلامنا وأتذكر قول الرسول الكريم([): (علموا أولادكم البر بكم) وكان يقصد أن نعود الأولاد أن يكونوا جزءا من حياتنا أن نجدهم عندما نحتاج إليهم أن يشعروا بنا عندما نضعف ونخجل أن نطلب منهم العون ونحن الذين كنا لهم سندا وعونا وكتفا وبطنا وحضنا وقلبا ووجودا عند أدني نفس يخرج منهم. ليسعدنا.. اليوم الأمر مختلف وإيقاع الحياة مجنون والطموحات أكثر جنونا والمطامع المادية.. تجرف في طريقها كل شيء حتي إن ترك الآباء الأولاد بمفردهم ليجروا وراء أموال النفط العربية والأفكار الوهابية الرافضة لبهجة الحياة والمنتقمة من الوجود الأنثوي الإنساني في الكون الرحب. لسبب عجزت عن فهم حقيقته حتي الآن!! في التنعم بحنان العيلة وصحبتها وإحساس الأمان الذي يخوننا بنفس دفء رحم أمهاتنا. هو ما افتقده ويصعب علي جيل (الثورة) الذي كان أسلوب الحياة للأسف طاردة له في كثير من العائلات في تلك الخصوصية. لا أختار لعصري بديلا.. حتي لو كانت أعظم الاكتشافات العلمية والفكرية. في هذا أنا بنت الطبقة الوسطي بكل جمالها وقيمها وإيقاع حياتها الوسطي. لا بالممل الرتيب ولا هو بالسرعة المجنونة الطاردة لأي مصالحة مع الذات!! ❊❊❊ عايشت الفن عندما يكون في خدمة الحياة يجملها يحفزها يكتشف أجمل ما فيها. يساعد علي معرفة الفرق بين الحياة الحقيقية التي نستحقها جميعا وبين الحياة الفجة التي تحاول طبقة فاسدة متدنية في كل شيء أن تفرضها علينا.. ياه علي عبدالحليم.. يا عيني علي فاتن وشادية وسعاد حسني ما أجمل ما عبرت عنه فريدة فهمي من فن راقص أخرج أجمل ما فينا من مشاعر. وأجمل أغلفة جمال كامل للراقصة المصرية علي غلاف صباح الخير.. للقلوب الشابة والعقول المتحررة. وتصوروا لقد قابلت شخصيا عمالقة الفكر المصري. توفيق الحكيم بشحمه ولحمه في الدور العاشر من مبني الأهرام العتيد قبل أن يتحول هو وكل الصحف القومية. جنودا لخدمة النظام .. وسلم لي علي الشعب المصري بما فيه كان نجيب محفوظ بتواضعه الجم والتهذيب الذي يخجلك وهو يستقبلك وأنت صحفي مثلي تحت التدريب ويقول لك اهدئي.. فأنا مجرد موظف مصري.. ليخفف من توتري وأنا أقابل عملاق مصر الأدبي. ومثلهم كثيرون .. لطفي الخولي .. وصدمته وهو يشرح أسباب انهيار الشيوعية في الاتحاد السوفيتي كم كنت محظوظة وهو يسألني عن عمري. أتذكر أنني قلت 35 عاما. قال أتعرفين كم أنت محظوظة أنك تعيشين هذا العمر الجميل.. إنها قمة الشباب والنضج والحيوية. تمتعي به ولا تهمليه سوف تفتقدينه وتتمنين رجوعه بالذات (35) هي السن التي لي فرصة لفترة قليلة لاخترته من دون السنين كلها وتذكرتها وتمنيتها. ولكن لا شيء يعود..!! وكما قابلت... الفنان صبري راغب ووعدني أن يرسم لي صورة ولم يحدث ومازالت أري بورتريهاته المبدعة وأقول لكل ما حولي لقد شربت معه الشاي مرة في أحد الكافيهات. ومن إحسان عبدالقدوس إلي د.عبدالمنعم النمر لفتحي غانم الذي كتب في رائعته.. الرجل الذي فقط ظله وزينب والعرش. تلك كانت حقبتي المفضلة زكي نجيب محمود وهو يكتب (فقر الفكر وفكر الفقر).. وبيته المطل علي كوبري الجامعة وهو يعلمنا كيف نفكر ولا نترك عقولنا للآخرين وسيف وانلي كان يعيش هنا. وعبدالحليم .. يعلمنا (الحب) وكلامه ومناجاته ودلعه. حتي جاء وقت استعملنا فيه كلامه في الحب في السياسة وظللنا حتي نقول لكل السياسيين الذين لعبوا بمصر وتاريخها ومستقبلها. حلو وكداب .. ليه صدقتك. ❊❊❊ آه .. لو عاد العمر من تاني.. هل كنت أعيد صياغة حياتي بشكل مختلف أو كما قال توفيق الحكيم عندما سئل لماذا نكرر نفس الأخطاء المرة تلو .. الأخري قال لأنها تأتي إلينا في كل مرة مختفية بشكل جديد!! أولا أنا وكثيرون غيري .. لايتمنون أبدا أن يعودالعمر من تاني ونعيد المشوار بحلوه ومره.. ومرة أخري. ياه .. يا ساتر .. ده إحنا ما صدقنا أنه قرب .. يخلص. حانعيده من تاني؟ وتصحبنا ذاكرة حياتنا الأولي معنا أم ننساها ونعيش في أجساد جديدة تطبيقا لفكرة تناسخ الأرواح. بأن لكل شخص عدة حيوات.. تنقل من جسد رجل إلي امرأة من صاحب سلطة.. لعبد فقير.. وهكذا تتوالي الحيوات وتكون لك عدة فرص حتي القيامة وقد استنفدت كل الفرض ومن ثم.. عليك أن تقبل .. عقابك .. وثوابك. تلك عقيدة بعض الأجناس ربما يجدون فيها طمأنينة ما أو فرصة ما. فمن لم تهبهم الحياة هذه المرة. تعوضها لهم.. الحياة الثانية أو حتي العاشرة أنها ربما حيلة دفاعية .. للصبر علي ما بلاهم وبلانا وهو كثير. أما أنا.. فحياة واحدة تكفيني وأكثر.. أما التعويض فعند الله. هو المعوض وهو المنتقم الجبار. فيقيني .. صلب .. حديد.. معدن لا يتزحزح ولا يتفتت منتقم وجبار.. !! أتسمعون. حياة واحدة قادرة علي إشباعي تماما بكل متع الحياة وآلامها. بكل دهشتها وإحباطها.. بكل اكتشافاتها وسحرها وغموضها وأسرارها. فأنا مؤمنة بأن الأرض والحياة التي تدور حولها حبلي بكل أنواع الأسرار والأساطير والحكايات التي تقترب من الواقع. فالحياة ليست الكرة الأرضية وحدها. فالسموات السبع مليئة بالحياة التي قد تكون مثلنا أو مختلفة عنا. فلست إنسانة مغرورة بحيث أتصور أن الدينا لم تلد غيرنا.. وأين حياة المجرات والثقوب السوداء. أين المخلوقات الأخري.. وأين الحضارات المتقدمة عنا. أما المتخلفة .. فتلك كانت للأسف نحن.. ربما الشيء الوحيد الذي سوف أفتقده لو رحلت دون أعرفه. أين هم أبطال كتب أنيس منصور الذين هبطوا من السماء أو الذين عادوا إليها. في تلك النقطة بالذات. أنا أحسد الجيل الذي سوف يسافر بقانون السنوات الضوئية ليصل إلي تلك المجرة البعيدة. التي أثبتت أن العقل الإنساني الذي تخيلها قبل الوصول إليها بآلالاف السنين. هو البطل الحقيقي.. في حياة الإنسان الأرضي... العقل هو البطل.. أمس واليوم وغدا. ❊❊❊ مازالت الذكريات تحيطني بروائح عطرة.. ذكريات حياتنا كاملة رأيت فيها العجب.. المرأة تثور وتنتزع حق الاختيار.. السفر والتجربة عن الزواج المبكر.. العمل علي إنجاب الأطفال سواسية في معادلة نسائية لا تنجح فيها إلا المرأة.. وجدت الأزياء تتحرر لدرجة كاشفة مايجب أن يستر ولو لحين .. إلي تغطية كل المعالم الأنثوية ومعها تحجيبها من أفكارها التحررية.. ووأدها وهي حية ولكن ظلت روح كثير من النساء متشبثة بحق الحياة والصواب والخطأ ويعني بمنتهي البساطة متمسكة بإنسانيتها. وجد البلد تعيش في حرملك السلطان تكون قومية .. ثورية .. تحررية وبعدها يأتي من يدفعها إلي أحضان الرأسمالية.. ويمسح كل ثوريتها (بأستيكة).. إلي أن جاء عهد الضحالة والتداعي والخيانة.. ونحن صامدون حتي جاء شباب 52 يناير ومعه الشعب ليستكمل مسيرة مقومات صغيرة هنا ومتوسطة هناك.. اضطرابات واعتراضات وسجن هنا .. وتعذيب هناك.. حتي جاء الحسم. أنا سعيدة (كوني مازلت هنا في وسط تلك الحياة الجميلة رغم كل ذلك).