الاكتشاف الأثري الذي أّعلن عنه منذ أسابيع لعشرات المومياوات التي وضعت لها أقنعة مزينة بقطع ذهبية وفضية في تنوع كبير وورشة للتحنيط علي عمق 30 مترا في منطقة سقارة، أوحي لعلماء المصريات القول بأن الاكتشاف سيساعد في توضيح أسرار عملية التحنيط عند قدماء المصريين. سليمة إكرام قامت بتحنيط »أرنب» وإسكندر حنّط »بطة» الاكتشاف عبارة عن منجم ذهب من ناحية المعلومات خصوصا بعد العثور علي أنواع مختلفة من الزيوت التي كانت تستخدم في التحنيط علاوة علي أدوات مميزة للقياس وهو ما قد يساعد في الكشف عن التركيبة الكيمياوية التي استخدمها الفراعنة لتحنيط الموتي عامي 664 و 404 قبل الميلاد وهو ما يوفر الكثير من المعلومات لعلماء الآثار والمختصين في علم المصريات. بعد سنوات طويلة من البحث في هذه المنطقة عثرت البعثة الأثرية المصرية الألمانية التابعة لجامعة توبنجن بالكشف علي ورشة كاملة للتحنيط ملحق بها حجرات للدفن بها مومياوات تعود إلي عصر الأسرتين السادسة والعشرين والسابعة والعشرين (664- 404 ق.م)، وذلك أثناء أعمال المسح الأثري بمنطقة مقابر العصر الصاوي، الموجودة جنوب هرم أوناس بسقارة. كما عثرت البعثة أيضا علي قناع مومياء مذهب ومطعم بأحجار نصف كريمة كان يغطي وجه إحدي المومياوات الموجودة بإحدي حجرات الدفن الملحقة، هذا بالإضافة إلي ثلاث مومياوات ومجموعة من الأواني الكانوبية المصنوعة من الكالسيت (الألباستر) وعدد من تماثيل الأوشابتي المصنوعة من الفاينس الأزرق وأوانٍ لزيوت التحنيط مكتوب عليها باللغة المصرية القديمة. هناك في سقارة الورشة ذات تخطيط معماري مستطيل ومدخل في الركن الجنوبي الغربي، ومشيدة من الطوب اللبن وأحجار جيرية غير منتظمة الشكل. وتشمل مباني الورشة بئر خبيئة التحنيط، بعمق 13م وينتهي بحجرة أسفل الأرض، وضع فيها أوانٍ فخارية مدون عليها بالخط الهيروطيقي والديموطيقي أسماء لمواد وزيوت التحنيط. وتضم الورشة أيضاً حوضين محاطين بجدران من الطوب اللبن، أغلب الظن أن أحدهما خُصص لوضع ملح النطرون والآخر لإعداد لفائف المومياء الكتانية. ومن أهم عناصر ورشة التحنيط البئر المعروفة اصطلاحاً ب K24. وتقع في منتصف ورشة التحنيط، وتبلغ أبعادها حوالي3م x 3,50م، ويصل لعمق 30م. وهي بئر ذات طبيعة خاصة، حيث تشمل علي عدة حجرات دفن منقورة في الصخر علي أعماق متباعدة، بالإضافة إلي مومياوات وجدت في منتصفها. الدكتور رمضان بدري حسين، رئيس البعثة والأستاذ والباحث في الآثار المصرية بجامعة توبنجن قال إنه من خلال القراءات المبدئية للكتابات المتهالكة علي القناع أنه يخص كاهناً من العصر الصاوي، ومن بين ألقابه الكاهن الثاني للإلهة موت وكاهن الإلهة نيوت شا إس وهي إلهة علي هيئة ثعبان وذات صلة عقائدية بالإلهة موت. ويوجد علي القناع طبقة من الاتساخات والتكلسات وبعد الفحص المبدئي له ميكروسكوبياً تبين أن القناع مصنوع من الفضة المغطاة بطبقة من الذهب وعيونه مطعمة بحجر أسود (ربما عقيق أسود)، ورخام مصري، وأوبسيديان (زجاج بركاني)، وتبلغ مقاساته حوالي 23 x 18.5سم، ووزنه قبل تنظيف العوالق 267.96 جرام. وتعكف البعثة الآن علي إعداد مشروع بحثي وترميمي للقناع. كما قامت بعثة جامعة توبنجن بأعمال الترميم الدقيق لنقوش حجرات الدفن الخاصة »بادي إن إست،» مدير مخازن القصر الملكي، و»بسمتك،» كبير الأطباء، و»أمون تف نخت،» قائد فرق المستجدين بالجيش المصري. كما شملت أعمال البعثة أيضا التسجيل ثلاثي الأبعاد بالليزر لهذه النقوش. وقد أولت البعثة جانباً كبيراً من أعمال التسجيل ثلاثي الأبعاد لحجرة الدفن الشمالية الثانية الواقعة علي عمق حوالي 30 مترا وتشمل مدخلاً في الشمال بعرض حوالي 2 متر يؤدي إلي صالتين صغيرتين، تبلغ أبعاد الصالة الأولي 4 م x 2م، أما الصالة الثانية فهي 2.85 مx 2.87 م. ويقع علي جانبي الصالتين حجرات دفن منقورة في الصخر. واشتملت الصالة الأولي علي حجرة دفن بالناحية الغربية عُثر علي سدتها كاملة، وبداخلها ثلاث مومياوات في حالة غير جيدة من الحفظ مستلقاة علي الناحية الغربية لتابوت حجري كبير غير منقوش وبجوانب غير مستوية. وتوجد مومياء أخري خلف التابوت من الجهة الشمالية بحالة أسوأ من الثلاث السابق ذكرها. كما عُثر علي عدة تماثيل من الأوشابتي غير جيدة الصنع، وجدت في أربعة تجمعات بالحجرة علي طول الناحية الشمالية. ولعل أهم مقتنيات هذه الحجرة ما يخص المومياء الوسطي المستلقاة فوق التابوت الحجري، حيث عثر علي القناع مثبتاً علي لفائف الكتان الخاصة بالوجه ومن أعلاه التابوت الخشبي الذي تحلل تماماً، هذا إلي جانب عدة كسرات لطبقة الملاط الملون الذي كان يكسو التابوت الخشبي، وقامت البعثة أيضا بأعمال التوثيق الفوتوغرافي للقناع وانتشاله وتغليفه بمعرفة مرممي البعثة. والسؤال هنا: هل أزيح الستار عن سر التحنيط عند الفراعنة الذي ظل يحير العالم طوال أكثر من ثلاثة آلاف سنة بعد اكتشاف الورشة؟ يقول عالم المصريات ووزير الآثار الأسبق زاهي حواس: هذه ليست أول مرة نكتشف فيها ورشة للتحنيط، فقد اكتشفنا قبل ذلك ورشة للتحنيط في الواحات, لكن أهمية كشف ورشة سقارة ترجع إلي الثلاثة أحواض المكتشفة، حوض لملح النيترون وحوض للكتان وثالث للتحنيط وهناك أوانٍ واسم الزيوت المستخدمة في عملية التحنيط. وهي ورشة للأسرة ال 26 للعامة وليس للملوك الفراعنة. • علماء المصريات الأجانب يقولون إن الورشة المكتشفة سوف تبوح عن سر التحنيط عند الفراعنة هل هذا صحيح؟ لم يعد التحنيط عند الفراعنة سرا من سنوات وبالتحديد عقب اكتشاف المقبرة رقم 63 في وادي الملوك بالبر الغربي وقد عرفنا كل طقوس التحنيط من خلال ما كتب في هذه المقبرة وأنواع الزيوت، والدليل أن عالم الآثار المصري إسكندر حنط بطة منذ 80 عاما، أيضا عالمة الآثار سليمة إكرام أستاذة علم المصريات في الجامعة الأمريكية بالقاهرة قامت بتحنيط أرنب ومازال موجوداً. الآن العالم كله عرف سر التحنيط عند الفراعنة لدرجة أن هناك مؤسسات في الغرب بتعمل إعلانات وبتقول اللي عايز يتحنط يدفع 10 آلاف دولار. • الدكتور مصطفي وزيري الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار كان له رأي آخر حيث قال: مازال الغموض يحيط بالتحنيط عند الفراعنة خصوصا أن البعثة المكتشفة للورشة لم تقم بإجراء تحاليل للمواد الموجودة التي عُثر عليها. سألته هل يعني ذلك أن سر التحنيط مازل قائماً؟ رد قائلاً: الله أعلم.