الديمقراطية والتنمية أمور جوهرية لتحقيق العدالة المجتمعية بعيدا عن وضع أي عراقيل تقف في وجه التنمية فبناء الدول يجب أن يكون قادرا علي إيجاد فرص العدل الاجتماعي كما يجب علي أنظمتها أن تراعي في دستورها وقوانينها ومؤسساتها وضع سياسات تضمن مصالح الأقليات والغالبية المهمشة وألا يكون ذلك علي حساب الأغلبية وحسب ماجاء باتفاقية الألفية التي وقعت عليها معظم دول العالم بأنه إذا كان دستور بلد يصر علي مفهوم وجود شعب واحد دون تعددية أو ثقافات مختلفة كما في إسرائيل وسلوفاكيا يصعب في هذه الحالة التعبير عن حقوق الأقليات. المشروع السياسي العالمي السائد في القرن الحالي يسعي لبناء دول قومية متماسكة ذات هوية ثقافية متجانسة والتزمت غالبية الدول التي تأثرت بهذا الطرح مثل فرنسا وتركيا التزاما كبيرا بتنمية القومية والشعور المشترك بالتاريخ والقيم والمعتقدات.. ويرون أن الاعتراف بالتعددية العرقية وبخاصة المتعلقة بالأقليات الناشطة سياسيا والمتميزة ثقافيا تهديد خطير لوحدة الدولة يزعزع الوحدة السياسية والاجتماعية التي تحققت بعد نضال ويؤكد الليبراليون الكلاسيكيون بأن الامتيازات الفئوية المتمثلة في حجز المقاعد البرلمانية للمجموعات العرقية داخل البرلمان أو وضع أفضليات في الحصول علي وظائف أو وجود رموز دينية كلها أمور تتعارض ومبادئ المساواة بين الأفراد وجاء التقرير الإنمائي الذي يحمل عنوانه الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع الصادر عن الأممالمتحدة بمثال لترتيب الطبقات في المجتمع الهندوسي، بتعلية مصالح الفئة المهيمنة والمهتمة بالحفاظ علي المصادر التقليدية للقوة والسلطة وليس بمصالح جميع أفراد المجتمع مما يؤدي إلي خطر ترسيخ سلوكيات غير ديمقراطية باسم التقاليد وتضمن دستور الهند وهي دولة متعددة الثقافات ومتماسكة محاولة مجموعات هندوسية أن تقوض شعور الاندماج وتنتهك حقوق الأقليات ويعد هذا تدميرا لما حققته البلاد من إنجازات ضخمة. وحدة الدول تأسست شرعية السياسة بمحاولات الدول تعزيز استراتيجية بنائها حيث سعت إلي تأمين أراضيها وحدودها وتوسيع الامتداد الإداري لمؤسساتها واكتساب ولاء مواطنيها وطاعتهم من خلال سياسات الصهر أو الإدماج ولم يكن هذا بالسهولة خاصة علي البيئات متنوعة الثقافة ولذلك اعتبرت هذه السياسات الخاصة بالهوية خطرا علي وحدة الدولة ولجأت دول عديدة إلي قمع هذه الهويات المتنوعة وتجاهلها ولقد وضعت الأممالمتحدة استراتيجيات للدول التي تؤمن وتنادي بالهوية الأحادية بأن تجميع السلطة السياسية مركزيا والقضاء علي أشكال السيادة المحلية أو الحكم الذاتي التي تتمتع بها مجموعات الأقلية تاريخيا بحيث نتخذ جميع القرارات الهامة في هيئات تحظي فيها المجموعة المهيمنة بالأغلبية وإنشاء نظام قانوني وقضائي موحد يعمل بلغة المجموعة المهيمنة ويستخدم تقاليدها القانونية وإلغاء أي أنظمة قانونية سابقة تطبقها مجموعات الأقليات إقرار قوانين عن اللغة الرسمية الوحيدة التي يتحتم استخدامها في دوائر الدولة والمحاكم والخدمات العامة والجيش والتعليم العالي وغير ذلك من المؤسسات إقامة نظام تعليم إلزامي علي الصعيد العام يشجع المناهج الموحدة وتعليم لغة المجموعة المهيمنة وآدابها وتاريخها ويصفها باللغة القومية والتاريخ القومي ونشر هذه اللغة في كل أنشطة مؤسسات الدولة الثقافية والقومية (وسائل الإعلام). تبني الدولة شعارات تشيد بتاريخ المجموعة المهيمنة وأبطالها وثقافتها وتختار الأعياد الوطنية وتسمية الشوارع والميادين والمعالم الجغرافية الاستيلاء علي الأراضي والغابات ومصائد الأسماك من مجموعة الأقليات والسكان الأصليين وإعلانها موارد قومية وضع سياسات استيطانية لتشجيع أفراد المجموعة القومية المهيمنة علي الاستقرار في مناطق سكن تاريخية لمجموعات الأقليات. هوية متعددة تكاملية أظهرت بلجيكا وأسبانيا إمكانية تعزيز الهويات المتعددة والتكاملية التي تطبقها بلجيكا منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر وأسبانيا منذ إقرار دستور 1978 تخفيض الاستقطاب بين الفئات في المجتمع وتمسك الأكثرية بالهويات المتعددة والتكاملية وفي ظل هذا قد تتفتت الدولة إذا لم يشعر أهلها بالولاء والانتماء لها.. وهذا ما نجحت فيه الدولتان بالمحافظة علي المحبة والولاء العام وتقرير وإعزاز كل فئة لما ننتمي إليه وقد يكون الحل كما ذكر التقرير في وجود مؤسسات وسياسات تسمح بحكم ذاتي يخلق شعورا بالانتماء لمجموعة عرقية وأيضا بحكم مشترك يخلق تعلقا بمجموعة المؤسسات والرموز المشترك فالبديل عن الدولة القومية هو التعايش بسلام وتعاون في كيان دولة واحدة كما أنه قد تبين من عدد من الدراسات والتحليلات لحالات معينة بإمكان وجود سياسة تجاوب تحفز بناء شعور بالتوحد في التنوع يتجمع بنا وخاصة أن التمسك القومي فرض هوية منفردة وشجب التنوع والاستراتيجيات الناجحة لبناء الدول تخضع لحلول فعالة أهمها الاعتراف بثقافات الآخر فهو أساس الاستقرار السياسي والتآلف الاجتماعي. أخلاق عالمية الأساس الثقافي في العالم يقوم علي قيم واحدة مشتركة وهي لا تعني فرض القيم الغربية علي بقية العالم إنما تخفيف المعاناة والأذي عن أي إنسان من جميع البشر بمعني عامل الآخرين بما تحب أن يعاملوك به وهذا من تعاليم الإسلام الصريحة وذكر أيضا في المسيحية واليهودية وكمفهوم ضمني في أعراق المعتقدات الأخري ولقد اجتمعت الدول لأول مرة للمصادقة علي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بإقرار خمسة عناصر جوهرية للأخلاق العالمية أولها العدالة بمعني المساواة لكل فرد من أفراد المجتمعات بالعالم بعيدا عن الجنس والعرق أو الطبقة وتشمل العدالة أيضا المحافظة علي البيئة والموارد الطبيعية من أجل الأجيال المقبلة.. حقوق الإنسان ومسئولياته باعتبارها معيارا للسلوك الدولي الذي لاغني عنه وحماية وسلامة جميع الأفراد من التهديدات التي تهدد أمنه وتأكيد حق ممارسة الحقوق الفردية وتعبيرها عن العدل وبحثها عن الحرية.. الديمقراطية التي لابد أن تخدم غايات توفير الاستقلال الذاتي السياسي وتهيئة الظروف لمشاركة المواطنين التامة في التنمية الاقتصادية فمعيار جوهر الديمقراطية هو ضمان مشاركة البلدان الفقيرة والمجتمعات المهمشة والأقليات لرفع التمييز ضدها ومنحهم جميعا حق التعبير عن كياناتهم ووجودهم حماية الأقليات التي غالبا هم الفئة التي تعاني تمييزا في كافة المجتمعات من عدم الاعتراف بهم وحرمانهم من حقهم السياسي واستبعادهم ومعاناتهم من العنف.. ولايمكن أن تكون هناك أخلاق عالمية إلا بالاعتراف بالحقوق المتساوية بالأقليات وتعزيز التسامح ومنح الحقوق الحل السلمي والمفاوضات العادلة التي لايمكن تحقيق العدالة والإنصاف بأخلاقيات مسبقة التكوين وفرصتها فحل الخلاف يجب أن يتم عبر التفاوض ويجب أن تخضع السلطة في هذا لكل الفرقاء باتخاذ القرار فالأخلاق العالمية لاتعني سلوكا مساويا واحدا نحو السلام أو التنمية والتحديث وإنما هي إطار تستطيع به المجتمعات إيجاد حلول سلمية للمشاكل.