ملحمة مصرية خالصة تجري في العاصمة الإدارية تستحق أن تخلد، يسطرها العامل المصري بأنامله التي تختصر سبعة آلآف سنة من الحضارة، وتسابق الزمن لبناء المستقبل، فحجم المنجز بعد أشهر قليلة من العمل هائل، سواء بالانتهاء من الجزء الأكبر من الجامع الضخم في مدخل العاصمة أو المجمع الحكومي ومقر مجلس النواب وبعض الأحياء السكنية، ربما يكون ما جري في بناء الكاتدرائية المرقسية الجديدة في العاصمة، الواجهة الأبرز لحجم الإصرار علي الإنجاز في وقت قياسي. وهو ما يؤكد استحقاق العامل المصري عن جدارة لقب شخصية 2017. في يناير الماضي أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي توجيهاته بصلاة قداس عيد الميلاد المجيد في الكاتدرائية الجديدة، فلبي العامل والمهندس والفني والحرفي النداء، وخاضوا غمار التحدي وحققوا الإنجاز والإعجاز في 2017 بتجهيز الكاتدرائية لاستقبال المصلين بداية من قداس الميلاد يناير 2018، فبعد أيام قليلة تشهد الكاتدرائية أول صلاة قداس يترأسها بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تواضروس الثاني، وحضور رئيس الجمهورية وكبار رجال الدولة. لم يتخيل محمود حلمي الذي شد الرحال إلي هنا قبل ستة أشهر قادمًا من الصعيد، أن يتمكن هو وزملاؤه من تحقيق هذا الإنجاز في إنشاء الكاتدرائية الجديدة بالعاصمة الإدارية. يخبرنا محمود الذي يعمل علي تنفيذ الهياكل المعدنية الخاصة بسقف الكاتدرائية، أن العمل هنا يستمر علي مدار الساعة دون توقف." نحن نعمل علي ورديتين كل واحدة منهما 12 ساعة، تبدأ الأولي من الساعة التاسعة صباحًا وحتي التاسعة مساءً. أنا من مركز طهطا بمحافظة سوهاج، ومعظم العمال جاءوا من الصعيد للعمل في المشروع، حيث نُقيم بشكل كامل في الكارافانات الموجودة في الموقع". يفخر علاء حسين القادم من مركز منفلوط بمحافظة أسيوط، بأنه أحد المُشاركين في إنجاز هذا الصرح العظيم. يقول إن ظروف العمل الشاقة لم تمنعهم من مسابقة الزمن للانتهاء من أعمال المصلي الصغير قبل عيد الميلاد المجيد. مُتابعًا: أعملُ في نجارة الحُلي الخشبية الخاصة بتزيين الكنيسة من الداخل، ورغم أننا نحصل علي عائد مادي مجز، إلا أننا نقوم بمجهود هائل، وهو أقل ما يمكن أن نقدمه لإخوتنا المسيحيين. معظم العمال المغتربين يقيمون في مدينة بدر، هناك سبع عمارات مخصصة لسكن العمال. ضحيت بإجازتي لأكثر من شهرين ولم أر مولودي الجديد حتي الآن، لأن ضغط العمل يتطلب ذلك، نحتاج كل دقيقة لمضاعفة العمل. عم جورج لا تفارقه الابتسامة وهو يشرف علي عمليات الانتهاء من تجهيز القاعة الرئيسية التي تستقبل صلاة قداس الميلاد، يحمل الإيقونات كأنها طفل صغير، يتابع صفوف الكراسي التي سيجلس عليها كبار المسؤولين، ينظر بترقب لانتهاء أعمال تزيين الحوائط بالمشغولات الخشبية، والنقوش التي تزين محراب الصلاة والمذبح، يتابع التفاصيل الصغيرة بكل دقة، لا يترك شاردة ولا واردة تمر من تحت عينيه، يقول ل"آخر ساعة": "القاعة تم تجهيزها في وقت قياسي، قمنا بتوسعتها لكي تستقبل المزيد من المصلين، وعملنا علي اختراع حلول لأي مشكلة تواجهنا لكي نكسب المزيد من الوقت، مثلا استخدمنا في تزيين الأعمدة المشغولات الخشبية بديلا عن الرخام الذي لن يتم تركيبه إلا بعد انتهاء القداس"، وشدد علي أن ما تحقق مفخرة للعامل المصري. من جهته، قال أنطونيو منير، مهندس التخطيط بمشروعات إنشاء الكاتدرائية، إن المساحة الإجمالية التي تقام عليها الكاتدرائية بكل ملحقاتها تبلغ نحو 15 فدانا أي ما يوزاي 63 ألف متر مربع، وتم تقسيم المشروع علي مرحلتين الأولي التي تقوم علي بناء مبني الكاتدرائية الأساسي، فيما تختص المرحلة الثانية ببناء المقر البابوي الجديد، وكنيسة الشعب التي تتسع لنحو ألف مصلٍ، وتقام فيها الصلوات اليومية، ومسرح مفتوح وجراج، كاشفا عن أن الكاتدرائية مبنية علي شكل صليب وهي في ذلك تنتصر للتراث المصري القبطي في بناء الكنائس. وأضاف منير ل "آخر ساعة": "بالنسبة لمبني الكاتدرائية فله مئذنتان ارتفاع كل منهما 65 مترًا، وقبة بقطر 40 مترا وارتفاع 35 مترا، ويقسم مبني الكاتدرائية إلي دورين بكل منهما مكان للصلاة، الدور الأول أو الأرضي يسع مصلاه لنحو ألفين من المصلين، وهو المكان الذي سيشهد إقامة قداس عيد الميلاد الأحد المقبل، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي وكبار رجال الدولة، أما المصلي الكبير في الكاتدرائية فيتسع لنحو 7500 مصل، وهو ثلاثة أضعاف ما تتسع له مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، التي تتسع لنحو 2500 مصل". وشدد منير علي أن ما أنجز في مدة قصيرة يعد إنجازا بكل المقاييس، وتابع: "بعدما أعلن الرئيس السيسي عن بناء أكبر مسجد وأكبر كنيسة في العاصمة الإدارية يناير الماضي، بدأت الدراسات علي الفور لاختيار المكان المناسب لإنشاء الكاتدرائية، وتم وضع الدراسات الخاصة بالمبني، ثم بدأنا فعليا العمل في يونيو الماضي، وتم إنجاز الكثير من المطلوب، فمن أصل 21 ألف متر مربع من الخرسانة المستخدمة في بناء الكاتدرائية تم بناء نحو 17 ألف متر مربع منها، بمعدل يقترب من 80٪، فيما تم الانتهاء من 95٪ من التشطيبات، وما أنجزناه علي وجه الإجمال في 6 أشهر هو ضغط لشغل سنتين، فهناك نحو ثلاثة آلاف عامل يعملون بنظام وردية 12 ساعة، أي أن العمل لا ينقطع في الكاتدرائية علي مدار الساعة".