أحيانا يصعب علي البعض اتخاذ قرار حاسم . بالرغم من الثقة في صوابه وأنه طوق النجاة الوحيد الذي يحقق قدرا من راحة البال . وأنا واحدة من هؤلاء الذين آثروا التأرجح علي حبال اللاحياة . ممن تركوا حياتهم للقدر والصدفة وعبث الدنيا تسيرها كيفما تشاء . لم يكن موقفي هذا ناتجا عن تردد بقدر ما دفعني إليه ظروف كبلتني بتواطؤ مع مصيري الذي بدا مظلما . بعدما أصابني عجز عن الجهر بقراري ليظل مدفونا في أعماقي وإن فضحته معالم حزن وهموم وانكسار خطت ملامحها علي وجهي فاطفأت فيه بريق الحياة . طويت قراري مرغمة مضطرة . قرار عمره من عمر سنوات زواجي الطويلة الحزينة . ظهرت ملامح فشلها منذ الشهور الأولي عكستها خلافات .. شجار .. خصام .. وهجر كشفت بوضوح عن عدم تفاهم ونفور وتباعد الرؤي والطباع وحتي الأحلام والطموح . نقيضان كنا، وظللنا كذلك لم تفلح العشرة الطويلة في تقريب مسافات الجفاء بيننا. يحب ما أكرهه وأعشق مالايطيقه. تناقض كان كفيلا بهدم الحياة من بدايتها لكنها نصائح الأهل تلك التي تدفعني للاستمرار بدعوي أن التفاهم يأتي مع العشرة والصبر وضرورة التحمل، فخراب البيوت ليس بالأمر الهين وغيرها من النصائح المحفوظة التي نذعن لها مضطرين في النهاية . هكذا وجدتني أستجيب للزن الذي هو أمر من السحر . حتي لا أتهم بالتهور والجنون وقلة الصبر . ارتديت رغما عني ثوب الحكمة وحاولت أن أجد طريقة للتفاهم مع زوجي . حاولت كثيرا لكن محاولاتي باءت جميعها بالفشل . كان يريدني صورة مكررة منه تابعا ذليلا بلا عقل. أرادني أقرب لخادمة منها لزوجة. قاومت فازداد عنادا وعصبية وإيذاء نفسيا وبدنيا. لم أعد أتحمل واضطررت لحمل حقيبتي ورحلت لبيت أبي. دفعني احتياج لدفء طالما إفتقدته. بهذا الحنين عدت . لكني لم أجد بيتنا القديم كما كان . فبعد رحيل أمي أصبح البيت غريبا بالرغم من أن أبي مازال مقيما فيه مع أخي وزوجته إلا أن وجود الأخيرة كان كافيا بتغيير ملامح بيت العيلة . فضلا عن أنها أصبحت الآمرة الناهية فيه. لم يكن ذلك يعنيني كثيرا قبل أزمتي لكن بعد عودتي أصبحت أشعر أنني ضيف ثقيل غير مرغوب فيه. لم تفلح كلمات أبي في التخفيف عني أو تمنعني من الشعور بأنني أصبحت شريدة بلا مأوي . شعور بغيض دفعني لقبول وساطات أهل زوجي لإقناعي بالعودة إليه . عدت ومرت أيامي ثقيلة كما كانت دوما . حتي بعد أن رزقني الله بطفلتين جميلتين . إلا أن وجودهما لم يكن كافيا لمد جسور التفاهم بل علي العكس ازدادت الهوة بعدما انعكست خلافاتنا أيضا علي طريقة تربيتهما . وزادت الأمور سوءا بعدما لاحظت تلك القسوة التي يعامل بها زوجي ابنتيه. عجز عن إسعادهما كما عجز عن إسعادي وكان مجرد وجوده في البيت معناه توتر وقلق وعصبية وشجار . كان حزني علي ابنتيّ يفوق حزني علي نفسي . ومرة أخري فكرت في الطلاق لكني عجزت عن اتخاذ القرار . فلم يكن أمامي من مأوي غير بيت زوجي ولم يكن لي دخل يساعدني علي تربيتهما خاصة بعد إصراره علي تركي لعملي واضطررت لذلك بعد سلسلة من الشجارات انتهت باستسلامي لرغبته حتي تسير الحياة . وتفرغت لرعاية ابنتيّ وتحملت في سبيل ذلك حدة وأنانية وقسوة والدهما.. أعترف أن قرار الطلاق راودني كثيرا لكني وأدته، شجعني علي ذلك نصائح الأهل والأصدقاء لتقنعني بالتضحية من أجل البنتين اللتين كبرتا وأصبحتا عروسين بالطبع ستقل فرص زواجهما إذا ما أقدمت علي الطلاق . من أجل عيونهما تحملت حتي اطمأننت عليهما وتزوجتا من شابين طيبين بعدها عاودني قراري القديم المؤجل، الحلم الذي راودني.. مايساعدني علي تحقيقه الآن أن بيت العيلة عاد كما كان بعدما تركه أخي وزوجته اللذان أنعم الله عليهما بمنزل آخر أفضل ولم يعودا بحاجة إليه. وبالطبع تركا أبي فيه. أخيرا تتضافر الظروف لصالحي بعدما عاندتني كثيرا. لا أشعر بأي تردد في قراري بالانفصال عن زوجي لكن كلمات الأهل والأصدقاء وحدها من تحاول إثنائي عن قراري من أجل عيون البنات أيضا وخشية من ألسنة الناس التي ستجد في حكايتي أنا المطلقة الخمسينية مادة للتندر . لا أقتنع بحججهم لكنها بلا شك تترك أثرها في نفسي . أحتاج لمن يشجعني علي قراري ؟ لصاحبة هذه الرسالة أقول : أحيانا تدفعنا الظروف إلي عكس ما نتمناه .فنضطر إلي تحمل حياة لانطيقها ونرضي بمصير لانجد فيه سعادتنا . وللأسف قليل منا من ينجح في مواجهة نفسه بالحقيقة واتخاذ القرار الذي يري فيه سعادته بغض النظر عن آراء الآخرين فيه . وكثير من يتشابهون معك في مواقفهم فيتركون حياتهم للظروف تحركها كيف تشاء إما بدافع التضحية من أجل عيون الصغار أو هربا من قسوة نظرات الناس أو عجزا عن إيجاد بديل ومأوي بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة أو لجملة هذه الأسباب جميعها كما حدث لك وأعتقد أنك تحملت بما يكفي بقدر يجعلك أكثر قدرة علي تحطيم هذه القيود خاصة بعدما حلت مشكلة السكن. نصيحتي أن تتخذي قرارك المؤجل مادام فيه راحتك وطالما وصلت الحياة بينك وبين زوجك لهذه الدرجة من اللاتفاهم والنفور. اهربي بسنوات عمرك القادمة وتمسكي بفرصتك الأخيرة لتنعمي بالهدوء والراحة ويكفيك ماسرقته الأيام الحزينة منك.