العلمانيون: تصريحات رئيس النهضة مناورة للحصول علي الأغلبية الانتخابية بعد أن أطلقت الشرارة الأولي لانطلاق ربيع الثورات العربي. استطاعت تونس من جديد أن تلهم جميع شعوب المنطقة بعد أن نظمت أول انتخابات حرة لاختيار مجلس تأسيسي في خطوة أولي علي طريق بناء دولة الحرية والديمقراطية. وبعد فوز حزب النهضة الإسلامي بالأغلبية، وبدئه للخطوات الأولي لتشكيل حكومة ائتلافية مع الأحزاب الأخري. وبالرغم من تعهد الحزب بالعمل علي إقامة مجتمع تعددي وعلماني ويلتزم باحترام حقوق المرأة، إلا أن فوزه أثار مخاوف أعداد كبيرة من الشباب التونسي الذين اتهموا الحركة بتبني خطاب مزدوج. فوز حزب النهضة الإسلامي في أول انتخابات حرة في تونس بنسبة 04٪ في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي الواضع للدستور، بعث برسالة إلي التيارات الإسلامية في كل من مصر وليبيا مفادها بأن الإسلاميين الذين كان نشاطهم محظوراً باتوا ينافسون علي السلطة بعد التغيرات التي أحدثها الربيع العربي.. كما أثبتت النتائج أيضاً تمسك التونسيين بهويتهم الإسلامية مع العلم أن المجتمع التونسي مجتمع حداثي ومتجانس، ولديه طبقة وسطي واسعة. راشد الغنوشي زعيم الحزب الذي اضطر للعيش في بريطانيا منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي بسبب قمع الشرطة له واعتقاله، والذي اعتبر لفترة طويلة إسلامياً متشدداً، صار يقدم نفسه الآن علي أنه معتدل. ويبذل جهداً كبيراً لتأكيد أن الحركة لن تفرض طابعاً معيناً علي المجتمع التونسي. وهو دائما يقول منذ إعلان مشاركته في أي منصب سياسي، إنه ليس كالخميني.. فحزبه إسلامي وديمقراطي يشبه حزب العدالة والتنمية في تركيا. فأشارت مجلة "دير شبيجل" الألمانية إلي اتفاق كل من الغنوشي ورجب طيب أردوجان رئيس وزراء تركيا في موقفهم الدفاعي عن دور الإسلام في الحكم فقال الغنوشي إن الشريعة الإسلامية ليست شيئاً دخيلاً أو غريباً علي مجتمعاتنا، فهناك نظام مصرفي وتمويل إسلامي كما يطبق قانون الأسرة بخصوص أمور الزواج والطلاق، فلا نري تدخلا من الشريعة في حياة الأشخاص الخاصة أو في حريتهم في ارتداء ما يريدون.. الحرية الشخصية مهمة لأي شخص. وإذا تم تطبيق النموذج التركي فيمكنه أن يضع فرصة تاريخية للمزاوجة بين الديمقراطية والإسلام". وبالرغم أن هدف هذه الانتخابات هو اختيار مجلس تأسيسي مدته عام سيضع دستوراً جديداً ويعين رئيساً وحكومة انتقاليين ليديرا البلاد لحين إجراء انتخابات جديدة في أواخر العام المقبل أو مطلع 3102 إلا أن النظام الذي أجريت عليه انتخابات يضع قيوداً وضوابط تجعل من المستحيل تقريباً علي أي حزب منفرد الحصول علي الأغلبية الامر الذي يجبر النهضة علي السعي لتكوين ائتلاف مع أحزاب علمانية وليبرالية من شأنها أن تحد من تأثيره. وأشار مسؤولون في الحزب الإسلامي أن الائتلاف سيضم مختلف الأحزاب اللبيرالية والعلمانية، وربما يساعد وجودهما في الائتلاف الحاكم علي طمأنة العلمانيين في تونس. فلا مناص من المواجهة بين أولئك الذين يطمحون لدولة علمانية ومجتمع حداثي وملتزم بالتنوير، وبين تلك القوي الدينية المحافظة المتجذرة بقوة في الطبقات الاجتماعية الفقيرة مما سيكون للقوي العلمانية فرصة جيدة للفوز في هذه المواجهة. ويري المنصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، أن الشعب التونسي نجح في امتحان الديمقراطية وأن الانتخابات أنهت عهد المواطن المستهلك والسياسي المقاول ودشنت عهد المواطنة، بحسب تصريحاته لرويترز، ويضيف قائلا لا يمكن بعد هذا النجاح تقسيم المجتمع التونسي واتباع منطق الإقصاء، وذلك علي خلفية الجدل الذي بدأت تشهده الساحة السياسية التونسية حول التحالفات داخل المجلس التأسيسي، فما تريده تونس الآن حكومة وحدة وطنية من جميع الأطراف.. هناك العديد من التحديات التي تواجه الشعب التونسي ويتعين علي الطبقة السياسية أن تكون في مستوي طموحات الشعب التونسي الذي قدم درساً استثنائياً للعالم. وذكر المرزوقي بأنه مستعد للعمل مع النهضة من أجل استقرار البلاد. فيما تري صحيفة "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ" الألمانية بأنه يجب مراقبة أعمال ونشاط الغنوشي لتأكيد بأنه ملتزم بما أعلن عنه في برنامجه الانتخابي، وأن حزب النهضة من الأحزاب المعتدلة ويعمل من أجل الديمقراطية والتعددية، وأنه لم يكن يقول ذلك كنوع من المناورة أثناء حملته الانتخابية. وقد وصف البعض الغنوشي بأنه ذئب في ثياب الحمل الوديع. وربما تثار هذه المخاوف أيضاً في كل البلدان تقريباً، التي توجد فيها حركة إسلامية قوية. لكن بهذه الانتخابات قام التونسيون بخطوة مهمة علي طريق ديمقراطية مؤسساتية. والآن علي جميع القوي السياسية أن تتقبل وتسعي للمران علي التداول المتعدد للسلطة بطريقة سلمية. ومن ناحية أخري، قوبل صعود حزب النهضة بتشكيك من التيارات العلمانية وأحزابها ، خاصة أنهم يتهمون الإسلاميين بمحاولة نزع هوية الدولة العلمانية، وفرض القوانين المتشددة علي صعيد الحريات العامة والخاصة علي السواء. فاكتساح الإسلاميين أثار الشكوك حول الربيع العربي وحول الدور الذي سيلعبه الإسلام "هل سيتم استبدال الحكم الديكتاتوري بشمال أفريقيا بالشريعة الإسلامية؟. فالمراقبون في البلدان الغربية أصيبوا بالإحباط جراء حصول حزب الإسلامي علي الأغلبية بعد حصولهم علي ما يقرب من ثلث مقاعد البرلمان في أول انتخابات تاريخية نزيهة بتونس، ولكنهم أشاروا إلي أن سيطرة الإسلاميين ليست نهاية العالم وأكدوا قوة التيار العلماني داخل البلاد. فكان فوز النهضة تحولاً كبيراً في مصير الحزب الذي كان يزاول أنشطته سراً قبل عشرة أشهر فقط بسبب قمع أتباعه والزج بهم إلي السجون. ويقول محللون غربيون إن الحزب استغل في حملته الانتخابية رغبة التونسيين العاديين في التمكن من ممارسة شعائر دينهم بحرية بعد سنوات من الصرامة في فرض العلمانية. وأضافوا أن الحزب الإسلامي يحصل علي تمويل من رجال أعمال تونسيين. كما سعي الحزب إلي إظهار أن بإمكانه تمثيل كل التونسيين بما في ذلك غير المتدينين. ويقول معارضون علمانيون إنهم يعتقدون أن هذه مجرد واجهة تخفي وراءها أراء أكثر تشدداً خاصة بين أعضاء حزب النهضة في الخارج. كما أن هناك قلقا ينتابهم تجاه قضية حصول المرأة علي حقوقها وسط حكم الحزب الإسلامي ولكن يبدو أنهم متفائلون بمستقبل تونس بشكل عام. وقد رفض الحزب الديمقراطي التقدمي، أحد الأحزاب العلمانية، الدخول في الائتلاف التي سيشكله حزب النهضة. وكان هذا الحزب أكثر الاحزاب صراحة في قول إن الاسلاميين سيقوضون الحريات التونسية. وكان قد حذر الناخبين من أن قيم الحداثة والليبرالية ستتعرض للخطر في حالة فوز الإسلاميين.