عادة ماترتبط الاحتفالات بذكري النجوم والمشاهير بمظاهر من الادعاء والنفاق. لكن مع أسطورة الموضة الفرنسية "إيف سان لوران" فالوضع مختلف .. ورغم مرور عامين علي رحيله ، مازال هذا الفنان العبقري حياً في قلوب محبيه سواء في فرنسا أو في العالم أجمع. في قصر (بيتي باليه) الشهير في باريس يقام حالياً معرض الذكريات لإيف سان لوران الذي جذب إليه مئات الآلاف من المحبين من كل دول العالم والذين يلاقون صعوبة بالغة في الحصول علي تذكرة لدخول هذا المعرض. يستعرض (بيتي باليه) 40 عاماً من التصميمات الأنيقة والساحرة، يعرض307 فساتين من أروع ماقدم سان لوران بجانب مئات الكروكيات المرسومة علي الورق وشرائط أفلام تسجيلية عن أبرز تصميماته التي رغم قدمها وتاريخها القديم إلا أنك تشعر أمامها أنها أزياء من الحاضر وربما من المستقبل. فكيف لك أن تعرف أن هذا الفستان المذهب الرائع قد صنع في 1968 وكيف بك أن تتخيل أن هذا القميص أو هذا الروب تم تقديمه منذ سنوات وليس منذ دقائق أو ساعات. مع إيف لايمكن أن تعرف أبداً ماهو القديم وماهو الحديث، لايمكن أن تعقد مقارنة بين أجمل فستان وأسوأ تصميم. لقد عبر كثيرون من محيطي هذا الفنان ومحبيه عن عشقهم له واستحالة نسيانه، وكانت منهم الممثلة الفرنسية الشهيرة (لاييتا كاستا) التي بدأت حياتها كعارضة أزياء جميلة اكتشفها إيف وأعطاها الفرصة لتصبح واحدة من اللواتي إرتدين تصميماته وإبتكاراته وفي حفل توزيع السيزار - وهي جائزة سينمائية توازي الأوسكار في فرنسا – ارتدت فستانا في غاية الأناقة والشياكة من تصميمات إيف لتثبت وفاءها وإخلاصها لمن أدخلها عالم الشهرة والأضواء. لقد ظهرت عشرات المؤلفات الأدبية للحديث عن السيرة الذاتية لإيف ورغم أن رواية "الولد الشقي" للكاتبة الفرنسية (ماري دومينيك ليليافر) قد حملت هجوماً علي إيف وصورته كرجل غريب الأطوار صاحب التصرفات غير السوية والانفعالات الحادة، فإن عشرات الكتب الأخري تحدثت عن الوجه المشرق لإيف ونجاحه في أن يتحول من إنسان بسيط إلي ملك الموضة في العالم كله، كانت علي رأسها بالطبع الكتاب الذي ألفه رفيق عمر وصديق الكفاح مع إيف (بيير بيرجيه) الذي تحدث في مقدمته عن الحزن الذي انتاب أصدقاءه وأحباءه بعد رحيله مباشرة وفي جنازته منها هذا الموقف في المستشفي الذي كان يرقد بها جثمانه حيث استلقت الفنانة الفرنسية القديرة (كاترين دينيف) بجوار جثمانه تبكي بحرقة شديدة علي المصمم العبقري الذي صمم فساتينها في الرائعة السينمائية في فيلم (بيل دي جور) عام 1967. وبعد هذه المشاهد انتقل بيرجيه للحديث عن حياة إيف التي يراها حياة غريبة مليئة بالأحداث المتناقضة: بالأحزان والأفراح، بالشجن والابتسامة، بالإخفاق والنجاح، يحكي كيف تحول هذا الرجل من طفل شقي وشاب مستهتر إلي رجل شهير ومعروف، يحكي رحلة كفاح استمرت مع الراحل 50 عاماً حتي وصل إلي هذه المكانة المرموقة. تناول بيرجيه السنوات الأخيرة في حياة إيف التي شهدت انهياراً تدريجياً لصحته وأعماله. فاعتاد شرب الخمور وتناول المخدرات ووقع في شرك السكر والإدمان. وعاش في أيامه الأخيرة كائناً مكسوراً، مهزوماً، مدمراً، منطويا علي نفسه، لايريد أن يقابل أحدا ولايرغب في رؤية بشر. لقد قال الفيلسوف الألماني الشهير نيتشة "لايوجد فنان يتحمل الواقع الذي يعيشه" وإيف كان أكثر من فنان، كان يستلهم تصميماته من رسومات بيكاسو وديامليف وموندريان. كانت أعماله نغمات موسيقية مستوحاة من إبداعات شتراوس وبيتهوفن وفان جوخ. لقد قال إيف عن عمله في تصميم الأزياء "الموضة ليست فناً ولكنها تحتاج إلي فنان" تصميماته حية إلي الأبد إن إيف سان لوران من المبدعين الذين لاتنتهي قصة نجاحاتهم برحيلهم، بل تعيش أعمالهم في الدنيا إلي الأبد. لقد أصدر بيت أزياء (بيير بيرجيه – إيف سان لوران) ألبوماً من أربعة أجزاء يتضمن كل تصميمات إيف سان لوران يباع بسعر 2100 يورو (حوالي 15 ألف جنيه مصري) ورغم سعره المرتفع إلا أنه يلقي رواجاً غير محدود من عشاق الموضة وإيف سان لوران. إن هذا الرجل لايمكن اعتباره شخصاً عادياً فهو رمز من الرموز الفرنسية التي أثرت في التاريخ وعبرت عن مرحلة زمنية جميلة في فرنسا تغير فيها كل شئ إلي الأفضل في الفن، والسينما، والموسيقي، والموضة. كان عهداً يتسم بحرية الإبداع واتساع الأفق الفني لدي المبدعين.. لقد وهب إيف سان لوران حياته لخدمة المرأة ، لجمالها، لمظهرها، لأناقتها. كان يهتم دائماً أن تظهر المرأة في أحلي صورة في أي زمان ومكان. فقدم تصميمات للمرأة العاملة والمرأة الساهرة، تصميمات للبيت وللشارع وللعمل وللسهرة. لقد أثر هذا الرجل في جميع الفرنسيين، صدرت لذكراه مئات الكتب، صور من أجله المؤلف والمخرج الشهير (أوليفييه ماير) فيلماً سينمائياً سيتم عرضه في سبتمبر القادم بجميع السينمات. أصدر له المطرب (ألان مايرو) ألبوماً غنائياً يحكي عن حياته بيع منه 25 ألف نسخة حتي الآن، والذي قال عنه مايرو "قبل هذا الألبوم لم أكن أتخيل أبداً أن حياة إيف سان لوران بها كل هذه الأحاسيس المتناقضة والمراحل المتعددة. وهذا ماجعل حياته تدهشنا وتؤثر فينا حتي الآن" لقد أصبحت تصميماته ملهمة لكافة بيوت الأزياء. فبيوت هايدي سليمان، وجون بول ديتييه، وألبير الباز كلها تقتبس أعمالها من أفكار وتصميمات ملك الموضة الفرنسية إيف. ويقول الصحفي الفرنسي (فيفيان بلاسيل) المتخصص في مجال الموضة والأزياء "لايوجد أحد يستطيع أن يكون مثل إيف، قد يقتبسون منه ولكن لن يصلوا أبداً إلي مكانته، فهناك ألان ديلون في السينما وزيدان في الكرة وأوباما في السياسة..وأيضاً هناك إيف سان لوران في الموضة" وعن عالم الأزياء اليوم يقول فيفيان "لم تعد الموضة كما كانت في الماضي مستوحاة من أفكار وإبداعات الفنانين، بل أصبحت تخضع لرغبات السوق والتجار والمعلنين فمثلاً في 24 يناير الماضي أقيم عرض للأزياء في قصر طوكيو بباريس تحت عنوان "حمامات الدم" .. اليوم أصبحت الأزياء تتحدث عن الموت والدماء مع إنه في الماضي كانت الموضة كلمة مرادفة للأناقة والشياكة والرومانسية. وقد ولت هذه المعاني مع رحيل أشخاص مثل إيف سان لوران لذلك لن ننساه وسنتذكره دائماً إذا أردنا أن نتذكر الجمال والأناقة والرومانسية.