الحج الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة، فرضه الله تعالي مرة واحدة علي الإنسان، فمن فاز بهذه الفرصة العظيمة فقد فاز بالكثير من النفحات، فالحاج يعود من حجه كيوم ولدته أمه، محيت ذنوبه وغفرت سيئاته بخلاف ما اكتسبه من حسنات، ولكن كيف يحافظ الحاج علي حجه كي يظل محتفظا بتلك المزايا العظيمة، "دين ودنيا" تحدث مع علماء الدين حول هذا الموضوع. قد لايستطيع كل إنسان أن يؤدي فريضة الحج التي تختلف عن باقي الأركان السابقة، فالحج مشقة، ولايحصل الإنسان عليه بسهولة، فهو يتطلب الاستطاعة المادية التي تكلفه الكثير من الأموال وخاصة في الآونة الأخيرة، وكذلك الاستطاعة البدنية، ولكن من أكرمه الله تعالي بالحصول علي هذه الفرصة العظيمة، وجب عليه أن يغتنمها، وألا يضيعها هباء حتي بعد أن يعود من الحج، حتي لا يفقد مكتسباتها والغنائم التي اغتنمها من خلال تلك الرحلة المباركة التي دعاه الله تعالي للفوز بها، وأصبح فيها ضيفا من ضيوف الرحمن. يقول الدكتور عمر الديب، من علماء الأزهر الشريف وعضو مجمع البحوث الإسلامية، ل "دين ودنيا": إن فريضة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، وله أهمية كبيرة لأن من يؤديه كما أمر الله سبحانه وتعالي في قرآنه الكريم ولم يرفث ولم يفسق عاد كيوم ولدته أمه، وقال تعالي في كتابه العزيز: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}، وهذا أكثر ما يتعلمه من هذه الفريضة. فهو يقوم علي أخلاق كريمة ولا يفعل الأفعال الفاسقة وكذلك لا جدال في الحج، ولا يكون فظا غليظا بل يكون لينا سمحا في معاملته مطيعا، فهذه الأمور كلها تجعله يعود من حج كيوم ولدته أمه، أي إنسان خالٍ من أي معصية، ولابد أن يحافظ علي هذا الوضع، لأن العبادات مثل الآلات تحتاج إلي صيانة كالسيارة التي يجب أن تذهب لعمل صيانتها وضمان جودتها واستمرارها في القدرة علي السير، فكذلك العبادات يجب أن نصونها بالمحافظة علي مكتسباتها، ففي الحج اكتسبنا التعاون بيننا وبين الآخرين فيجب أن نحافظ عليه وكذلك اكتسبنا الأخلاق الفاضلة وأيضا من مكتسباته الحفاظ علي الصلوات في أوقاتها وفي الجماعة، ففي الحج كان الحجاج يسارعون إلي المسجد الحرام للصلاة جماعة في وقتها ولذا يجب الحفاظ علي كل هذه المكتسبات. ويؤكد الدكتور طه أبو كريشة من علماء الأزهر الشريف وعضو مجمع البحوث، ل "دين ودنيا"، أن الحاج يجب أن يتذكر أنه قد حصل علي شهادة ميلاد إيمانية جديدة كما قال عليه الصلاة والسلام : ( من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) .. كذلك عليه أن يتذكر أنه قد حصل علي جائزة المغفرة الشاملة من الله عز وجل وهي الجائزة التي أشهد عليها ملائكته حين قال لهم يوم عرفة : انظروا ياملائكتي إلي عبادي جاءوني شعثا غبرا ضاحين جاءوني من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي أشهدكم ياملائكتي أني قد غفرت لهم. فعندما يتذكر الحاج بعد عودته وهو يحمل هذه الشهادة وهذه الجائزة فيجب أن يظل مستمرا علي السلوك الإيماني الذي جعله مستحقا لهذين الأمرين ..وقد كان من هذا السلوك اكتساب المال الحلال الذي أدي منه الفريضة وكان منه السلوك العملي الذي نفذ قول الله عز وجل (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولافسوق ولاجدال في الحج ) ومعني هذا أن يظل مستمرا في حياته علي هذا السلوك الإيماني كي يحتفظ بهذه المغفرة وشهادة الميلاد الإيماني الجديدة من خلال الالتزام الدائم بالفضائل والابتعاد عن الرذائل .. ويتذكر كل حاج أنه نادي الله تعالي وعاهده بقوله لبيك اللهم لبيك ، لبيك لاشريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك لبيك .. وقد كرر هذه التلبية آلاف المرات وهو يؤدي شعيرة الحج , فإنه أخذ العهد علي نفسه مع الله عز وجل فعليه أن يستمر بالوفاء بهذا العهد بقول الله تعالي ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولاتنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) وقال أيضا عز شأنه : (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) .. أي يظل مستمرا من خلال التمسك بكل شعائر الدين التي تتعلق بالعقيدة والأخلاق والمعاملات حتي يكون صادقا فيما أخذ علي نفسه وهو يؤدي الفريضة من خلال التلبية . ويضيف د. أبوكريشة قائلا: إنه يجب أيضا أن يتذكر العلاقة التي كانت بينه وبين إخوانه المسلمين وهو يؤدي الفريضة (ولاجدال في الحج) معناها أن العلاقة بينه وبين إخوانه قائمة علي المحبة والمودة بعيدة عن الجدال السيئ استجابة لقوله: (ولاجدال في الحج) فالله هو رب الحجاج وربهم في كل وقت وفي كل مكان .. فعليه أن يظل في علاقته الإنسانية التي تحقق قول النبي الكريم صلي الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي) .. يضاف إلي ذلك أن يظل علي علاقته الإيمانية بنفسه التي بين جنبيه ويبتعد عن المعاصي والرفث والفسوق كي يظل علي طاعته وعلي هذا السلوك مع نفسه حتي يظل علي المراقبة الذاتية لنفسه واستمراره علي هذا كله علامة علي إحسانه لأداء الفريضة. ويري الشيخ خالد الجندي من علماء الأزهر الشريف: أن ما بعد الحج مرحلة يستمر الحاج فيها علي الطاعة لأن المولي عز وجل يأمرنا بالانتقال من طاعة إلي طاعة فقال في كتابه الكريم : (فإذا فرغت فانصب وإلي ربك فارغب) ..أي اجتهد في الطاعة أيضا ولم يقل العب أو الهو لأن الشيء الذي لايؤخذ منه إجازة أو راحة طاعة الله عز وجل .. فقال في سورة الجمعة : (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله وذروا البيع) فهو يدعونا للصلاة والذكر .. وقال : (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا) .. فلم يقل اسع في الأرض فسادا أو انشروا الشر أو تحركوا بلا حسيب أو رقيب .. وكذلك قوله تعالي : (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) .. أي يأمرنا بالذكر الكثير .. وكذلك قال : (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر) فلم يقل العب أو استغرق في المعاصي والشهوات . وكذلك قال : (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) فهنا معناها أن العبد حتي عندما يري نعمة الله فعليه أيضا من الشكر والذكر والتسبيح وقيام الليل فهذه علامات الطاعة المقبولة بإذن الله فالإنسان خلق للعبادة وليس للهو والعبث والفساد ولذا وجب عليه أن يكون في طاعة دائمة حتي أنه يخرج من طاعة إلي طاعة رضا لله عز وجل .