لست من أنصار»حكم العسكر« ولكني أقدر وأبجل هذا الجيش وقيادته التي أيدت الثورة منذ بدايتها. وليعلم أولئك الذين يهددون بالاعتصامات والإضرابات أن ذلك ليس في صالح هذا الشعب ولا في صالح أنفسهم. أفيقوا يا سادة واتقوا الله في هذا الوطن العظيم العزيز علينا جميعا. »المبادئ الحاكمة للدستور« كانت ومازالت محورا لصراعات حادة بين كافة القوي والتيارات علي الساحة السياسية المصرية خلال الأسابيع الأخيرة.. بعض التيارات الإسلامية وفي مقدمتها الإخوان المسلمون والسلفيون وحزب الوسط، اعتبروها وأسموها »مبادئ فوق الدستورية« مؤكدين رفضهم لها من حيث المبدأ ومعلنين عدم الالتزام بها إذا ماتم التوافق عليها من القوي السياسية والحزبية الأخري وألا تكون ملزمة لمجلس الشعب الذي سيقوم بتشكيل لجنة لإعداد الدستور الجديد ويعتبرون من »وجهة نظرهم« أن مثل هذا الالتزام يعد التفافا علي إرادة الشعب.. أما التيارات الأخري الليبرالية واليسارية والعلمانية فكانت تصر منذ البداية علي ضرورة أن يتم إعداد الدستور أولا باعتباره الركيزة الأساسية لإقامة نظام ديمقراطي حر يتمتع فيه المواطنون .. كل المواطنين بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان ثم يتم بعد ذلك إجراء الانتخابات البرلمانية.. غير أنه وحفاظا علي وحدة الأمة وسلامة الأمن الاجتماعي وعدم تعميق الخلافات بين الفصائل والتيارات فقد وافقت علي الأخذ بنظام »المبادئ الحاكمة للدستور« علي شريطة أن تكون ملزمة لكافة الأطراف والتيارات السياسية الموقعة عليها عند إنشاء الدستور الجديد من قبل اللجنة التي سيختارها مجلس الشعب المرتقب والتي تري التيارات الإسلامية أنه سيكون لها الغلبة فيه نظرا لثقلها وتواجدها في الشارع المصري كما أن الأحزاب القديمة وعددها 52 حزبا والأحزاب الجديدة وعددها 61 حزبا مازالت تحاول أن تضع أقدامها في الشارع وتبني رصيدا سياسيا لها لدي الجماهير.. هذا وقد قام الأزهر الشريف باعتباره منارة العلم والإيمان وماله من دور بارز في الكفاح والنضال الوطني علي مدي قرون طويلة بإعداد وثيقة حازت علي رضا وثقة جميع الأطراف كما قامت تكتلات سياسية أخري بإعداد وثائق خاصة بها مثل الجبهة الوطنية والتكتل المصري ثم قام مجلس الوزراء بإعداد وثيقة شاملة تضمنت أهم ماجاء في معظم الوثائق الأخري تتضمن 9 مبادئ أساسية و21 بندا تتعلق بالحقوق والحريات العامة. وقد أكد د.علي السلمي نائب رئيس الوزراء أن مصر لن تكون إلا »دولة مدنية« موضحا أن الدولة المدنية هي الأساس في تقدم المجتمع دونما أدني خروج علي شرائح وقواعد الدين.. ولاشك أن مانريده لمصر بعد ثورة يناير هو أن تكون دولة مدنية ديمقراطية حديثة أساسها المواطنة وسيادة القانون تقر تداول السلطة والتعددية السياسية والعدالة الإجتماعية واستقلال القرار الوطني. إن وثيقة »المبادئ الحاكمة للدستور« أو فوق الدستورية كما يحلو للبعض أن يسميها حتي يتخلصوا من المسئولية والالتزام بها ليست بدعة أو صناعة مصرية وإنما هي نتاج تراث حضاري وإنساني للبشرية في العديد من الدول والمجتمعات التي مرت بنفس الظروف الإنسانية الصعبة التي يمر بها وطننا الآن والتي تعني في المقام الأول الارتقاء بالإنسان وضمان حقوقه الطبيعية وليس بتحديد العلاقات بين مؤسسات الدولة المختلفة ولا بشكل نظام الحكم فيها. وقد سجل لنا التاريخ العديد من هذه المواثيق في الدول والمجتمعات التي شهدت عصورا من الاستبداد والقمع وإنتهاكات حقوق الإنسان ومن أهم وأقدم هذه الوثائق فوق الدستورية والتي لا تتغير بتغير أو بتعديل الدستور الوثيقة التي صدرت في إنجلترا عام 0011 باسم »ميثاق الحريات« ثم وثيقة »الماجنا كارتا« في القرن الثالث عشر أو الميثاق العظيم للحريات.. كما أصدرت الولاياتالمتحدةالأمريكية عقب استقلالها عن بريطانيا وثيقة حقوق الإنسان في عام 6771 تتكون من 61 مادة تحدد فيها أن الإنسان ولد حرا ومستقلا وله حقوقه الأساسية. وعقب اندلاع الثورة الفرنسية بعد عصور دامية من الحروب والصراعات والاستبداد الملكي أصدرت في عام 9871 ميثاق حقوق الإنسان والمواطنة انطلاقا من الوثيقة الأمريكية وتضم الوثيقتان مجموعة الحقوق الطبيعية للأفراد والمجموعات والظروف التي يتم تطبيقها فيها.. وماجري في بريطانيا وأمريكا وفرنسا جري مثله أيضا في العديد من الدول الأوروبية الأخري مثل ألمانيا وايطاليا واسبانيا. لقد مرحتي الآن 7 أشهر علي قيام ثورة يناير تم خلالها إسقاط النظام السابق و يجري حاليا تقديم رموزه للمحاكمة العادلة التي تؤكد عظمة القضاء المصري النزيه أمام العالم كله ويبقي علينا الآن أن ننفض غبار الماضي ونبدأ في إرساء قواعد الدولة المدنية العصرية التي يتمتع فيها المواطن بحريته واستقراره وأن يحصل علي كل احتياجاته من التعليم والرعاية الصحية ومستوي معيشة لائق يسد كافة إحتياجاته المادية والمعنوية دولة تتاح فيها الفرصة لكل التيارات السياسية أن تزاول حقها في الحرية والديمقراطية لصالح أبناء هذا الشعب دون تسلط أو هيمنة من أي تيار أو فصيل أيا كان موقعه فالجميع يجب أن يكون أمام القانون سواء. ويجب أن تعود روح الثقة والصدق والأمانة بيننا جميعا دون تخوين أو تمويه وإذا كانت الحكومة قد أعدت صيغة توافقية حول المبادئ »الحاكمة للدستور« حظيت برضا كل التيارات السياسية بما فيها الإخوان المسلمون والسلفيون فإنه ينبغي أن يقوموا بالتوقيع عليها والالتزام بها عند وضع الدستور بعد الانتخابات البرلمانية وألا تكون مبادئ استرشادية كما يطالبون.. وإذا لم يتم الاتفاق علي الالتزام بهذه الوثيقة التي أقرها مجلس الوزراء والأزهر الشريف فإنه ينبغي تأجيل الانتخابات لما بعد إعلان الدستور والاستفتاء عليه ذلك أنه من الأفضل الانتظار عدة أشهر أخري حتي يتم إعداد الدستور ثم الانتخابات البرلمانية والرئاسية وذلك بدلا من الدخول في دوامات وصراعات سياسة وطائفية لن تعود بأية فائدة .. وحذار من تصعيد المواقف ومحاولات القفز علي السلطة مثلما حدث عند اغتيال السادات وكذلك قتل الشيخ الذهبي والمفكر فرج فودة وهي الأحداث الدامية التي أضرت بالوطن أبلغ الضرر داخليا وخارجيا وكانت نتائج سلبية علي تلك الجماعات بل وعلي مسيرة الديمقراطية والحريات في مصر بشكل عام ومازلنا نعاني من ذلك لعدة عقود من الزمن . إنني لست من أنصار»حكم العسكر« ولكني أقدر وأبجل هذا الجيش وقيادته التي أيدت الثورة منذ بدايتها. وليعلم أولئك الذين يهددون بالاعتصامات والإضرابات أن ذلك ليس في صالح هذا الشعب ولا في صالح أنفسهم. أفيقوا يا سادة واتقوا الله في هذا الوطن العظيم العزيز علينا جميعا.