عند ظهر الأربعاء 19 إبريل 2017 رست علي رصيف هناجر الغواصات بقاعدة الإسكندرية البحرية الغواصة دولفن 41 الأولي من 4 غواصات تصنع في ألمانيا وتصل تباعا.. باحتفال بحري من دخولها مياهنا الإقليمية بعد 22 يوما إبحارا تحت سطح البحر بطاقمها المصري واشتراكها في أول تدريب بحري.. هدية لشعب مصر في احتفالات تحرير سيناء.. كنا نشارك الفرحة. تمام يا افندم.. تم الوصول بالغواصة بسلام والروح المعنوية للطاقم مرتفعة ومستعدين للقيام بكافة المهام القتالية التي تكلفنا بها القوات المسلحة.. تحيا مصر ويتقدم اللواء أ.ح بحري أحمد خالد قائد القوات البحرية ليشد مهنئاً فخورا علي يدي العقيد محمود عبدالستار قائد الغواصة ورجالها المنتظمين في ثلاثة صفوف بزي أزرق وكابات علي رؤوسهم بشعار ذهبي برسم الغواصة تشع من قسماتهم فرحة ثلاثية.. أبحروا تحت البحر 22 يوما متصلة تؤكد كفاءتهم في قيادتها واصلين للوطن بسلام منفذين أول رباط لها علي رصيف هنجر الغواصات بالقاعدة البحرية بالإسكندرية فقد تدربوا في المياه الضحلة والعميقة بألمانيا والدنمارك وأبحروا 3650 ميلا في ظروف جومائية صعبة في كل أنواع المياه من قناة كيل إلي نهر ألبة ببحر الشمال ومضيق دوفر والقنال الانجليزي بالمحيط الأطلنطي ومضيقي جبل طارق وبيتلاريا بالبحر المتوسط وتنفيذ أول مهمة بالتدريب مع الوحدات المصرية قبل دخولها القاعدة. (جنبات الهنجر تتناغم مع أغنية سيد درويش) ابن الإسكندرية (أحسن جيوش في الأمم جيوشنا وقت الشدائد تعالي شوفنا.. ساعة ما نلمح جيش الأعادي نهجم ولا أي شيء يحوشنا).
هذا الطاقم يساهم في تدريب طاقم الغواصة الثانية التي يتم تجهيزه لغويا وبدنيا في مصر ليحقق أقصي استفادة من الخبراء في ألمانيا.
الغواصات سلاح استراتيجي ينفذ مهامه في سرية تامة ولمسافات بعيدة عن الحدود وتحديث سلاحها أمر طبيعي لمواكبة التطور التكنولوجي ومتطلبات العمليات فهي قلب البحرية وقوة ردع حاسمة والسلاح الوحيد القادر علي مفاجأة العدو.
الهنجر الجديد تم بتطوير الأرصفة بكافة الخدمات والأوناش وورش الإصلاح والمخازن وأماكن الإيواء والإدارة وسقف معدني 30 ألف متر مربع يعادل خمسة ملاعب كرة قدم أو 3 حاملات مروحيات ميسترال.
بعد 6 سنوات من التعاقد علي بنائها و3 أشهر تدريب وصلت الغواصة 41 طراز دولفن 209 الأولي من 4 غواصات تعاقدت عليها مصر وعلي عقود صيانتها وتأمينها الفني مع الشركة المصنعة وتصل تباعا بمواصفات الإبحار 11 ألف ميل بحري بسرعة 21 عقدة طولها 74 مترا هجومية بقدرة إطلاق الصواريخ والطوربيدات وبها أحدث نظم الملاحة والاتصالات وغاطس 62 متراً وأقصي عمق تصله 500 متر تعمل بالديزل والكهرباء تم التعاقد ديسمبر 2011 وانتهاء بنائها وتدشينها ديسمبر 2015 واستلامها ديسمبر 2016 والإبحار 28 مارس 2017 بمصاحبة الفرقاطة سجم الإسكندرية لتصل 19 إبريل 2017.
الغواصة تتوج 60 عاما في عمر سلاح الغواصات الذي بدأ 1955 بعد عامين من ثورة يوليو 1952 وإرسال أول بعثة للدراسة والتدريب وتشكيل لواء الغواصات 1957 عقب حرب 1956 ودعمه بغواصات روسية 1966 وصينية 1984. وأثبتت الحروب كفاءته ففي حرب الاستنزاف قامت الغواصة 24 باستطلاع ميناء حيفا الإسرائيلي لشهر كامل دون أن يشعر بها العدو وحصلت علي وسام الجمهورية العسكري من الطبقة الأولي والذي حصلت عليه الغواصتان (22 23) في حرب أكتوبر 1973 لغلق مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية.
الغواصة استمرار لما تم في العامين الماضيين بالتسليح بالفرقاطة (فريم) ولنشات صواريخ طراز "مولينيا" و(2) حاملة طائرات هليوكبتر ميسترال (جمال عبد الناصر وأنور السادات) لنصبح الدولة العربية الوحيدة التي تمتلكها بين 12 دولة في العالم لتحديث الأسطول البحري ورفع قدراته القتالية والعمل في المياه العميقة في تكلفة تشغيل عالية تعتبر صغيرة أمام فوائدها في تأمين الثروات القومية بأعالي البحار من حقول غاز وبترول وما تنفذه القوات البحرية من تأمين الموانيء وانتظام الملاحة في قناة السويس والمياه الإقليمية والاقتصادية، ومنع اختراقات سواحلنا وتهريب الاسلحة والمخدرات والهجرة غير الشرعية.
وتعمل القوات البحرية علي بناء سفنها بالسواعد المصرية من خلال التصنيع المشترك في الترسانات البحرية المصرية مع الدول الصديقة والشقيقة، وتصنيع لنشات مرور سريعة وجاري تصنيع (3) قرويطة مع الجانب الفرنسي، ثم التصنيع المصري الكامل في (سفن الدحرجة - السفن المساعدة - الكراكات). مع تدريب مستمر ليصل المقاتل إلي درجة الاحترافية تدعمها طبيعة المقاتل المصري وصلابة معدنه وما يتمتع به جنودنا وضباطنا من حب الوطن والعزيمة علي التضحية بالغالي والنفيس في سبيل حماية ترابه.
قبل 3 ساعات من رسوها عشنا ساعة طيران علي الأمواج في لنش مطاردة حديث من قاعدة رأس التين البحرية إلي عمق البحر مسافة 30 ميلاً بحرياً محشورين في سترات إلانقاذ (لايف جاكيت) يتمرد بعضنا علي الكابينة المغلقة ونمتثل لأوامر التشبث بأذرعه المعدنية وألا ننشغل بالكتابة أو التليفون نتابع نافورة مياه عالية من الموتور القوي نداري قلقنا بالضحكات كلما مال بنا يميناً ويساراً وقلق عيون الضباط واندهاش عيون البحارة لسهولة انتقالنا لحاملة الطائرات ميسترال أنور السادات المتحركة ننتظم في طابور نظامها في مقدمته وخلفيته ضابط وفي فيلم تسجيلي عنها يعيدني لصوت الرئيس الراحل أنور السادات وكان يرتدي زي البحرية في إعادة افتتاح قناة السويس عقب نصر أكتوبر 1973 (لقد أن لهذا الوطن أن يطمئن ويأمن فقد أصبح له درع وسيف).. نصعد سلالم 6 أدوار للسطح نتابع الغواصة تتوسط مدمرتين ولنشات صواريخ سريعة وإنقاذ لنعاود قلق العيون في نزولنا من الحاملة المتحركة إلي اللنش يتمركز غالبيتنا علي سطحه لمرورنا بجوارها نحرك أذرعنا بتحية لا يرد عليها بعض طاقمها المنضبط في صف بطول برجها ووضع انتباه يديه خلف ظهره وساقيه بوضع رقم 8 وبشابير (مواسير) طج (لنش الإطفاء البحري) تطلق لتحيتها مياهها إلي عنان السماء بعلامة النصر (») نسابق صفارات تحية القطع البحرية عند عبورها بوغاز الإسكندرية ننتظم علي الرصيف المكتظ بأهالي الطاقم وطلبة الكلية البحرية وجامعة الإسكندرية وقادة وضباط البحرية يتابعون دخولها وشبابها المنتظم علي جانبي البرج منهمكين في ضبط حبال الرباط وإلقائها لآخرين علي الرصيف ينهون رسوها يتابعهم قائدهم من أعلي البرج بتركيز شديد وحسم. لم ينشغل أي منهم بتتبع أسرته اللهم إلا من ابتسامة سريعة من أحدهم لينهمك علي الفور في عمله..) يردد ميكروفون الرصيف الآية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) لم يصدر صوت أو زغرودة من أسر عسكرية منضبطة تتابع نجاح رجالها أمام القادة وانتظامهم علي الرصيف خلف قائدهم للتمام والتحية يعقبها تصفيق حاد من الأهالي يرددون تحيا مصر.
أمواج الأزرق والأبيض تتلاطم علي الرصيف من الطاقم وبياض الزي الصيفي للبحرية الفرحين بزملائهم تتوالي لطمات الأكف علي الظهور وأحضان الحماس يحمل الزي الأبيض زميله الأزرق ويدور به دورة كاملة مهما كان فارق وزن وطول القامة يتردد زعيق الحب (تعال) ليغير الأزرق من اندفاعه لأهله لملاقاة شوق زميل آخر ويتكرر المشهد ونجح البعض في الوصول لأهله علي يسار الرصيف تندفع سيدة حمامة طائرة تتعلق بعنق أحدهم زوجة أو شقيقة الفرحة تطغي وصبية وبنات يتشبثون بساق والدهم الذي يلاعب شعر رأسهم ليرد تحية تليفون زملاء لم يتمكنوا من الحضور وخطيبة أحد الأفراد بكامل زينتها وإشعاع فرح وجهها والخطيب يحافظ علي ثبات وجهه تحسباً لشقاوات الزملاء وسيدة فلاحة بردائها الأسود التقليدي يخدر الشوق خطواتها يغرق ابنها رأسه في حضنها تمطره بقبلات وفيرة فيقبل يدها.