قبل أن تقرأ خواطر الإمام الراحل وفتاواه عن الغيبيات والعالم الآخر لابد أن تتأمل إجابته (رحمه الله) عن هذا السؤال الذي طرح عليه: ماهو سلطان الشيطان علي غير المؤمن؟ فأجاب فضيلته: منهج إبليس أن يمنعك أن تفعل شيئاً لآخرتك، ومن هنا فهو يزين لك الحياة الدنيا بما فيها من متع مادية، ويحاول أن ينسيك الآخرة بما فيها من نعيم دائم، وهذه الغواية تتم من باب عزة الله حيث قال: »فبعزتك لأغوينهم أجمعين « ثم قال الشيطان: »إلا عبادك منهم المخلصين« أي سأغوي خلقك إلا الذي تريده أنت وتخصه بالهداية فإنني لا أستطيع أن يبقي لي عليه سلطان، لأن كلمة الله هي العليا، ولا أحد يستطيع أن يقف أمام سلطان الله، أي إنك يارب تركت أمر الهداية لبعض خلقك بالاختيار، فالذي تريد أن تهديه لا دخل لي به. ومن هنا فإن سلطان الشيطان علي غير المؤمن ثابت ولكن المؤمن لا سلطان له عليه. أصل العقيدة الإيمانية ❊ وهل يرجع الإنسان في قضية الإيمان دون أن يشعر؟؟ يقول الشيخ الشعراوي إجابة علي هذا السؤال: إن عزلت الشيء الذي يبلغك عن الله لتبحثه بحثاً دقيقاً فاعلم أنك رجعت في قضية الإيمان بالله. ويجيب الشيخ الجليل في دقة بيانية وعقدية قائلاً: أنت حر في أن تؤمن أو لا تؤمن.. ولكن إذا آمنت بالله فتقبل كل ما يأمر به الله دون مناقشة التفاصيل وإلا فتكون قد رجعت في قضيتك الأولي وهي أصل العقيدة الإيمانية. ويضيف العالم الجليل فيقول: الله تعالي يريد أن نستقبل ما يأتينا منه استقبالاً فيه تسليم لأنه سبق لك أن آمنت به.. ولهذا حين يكلف الله عباده بشيء لا يقول أكلفكم بكذا، بل يقول: »ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم« يعني يامن آمنت بي إلهاً عالماً حكيماً قادراً، فإني أكلفك بكذا.... ❊ وإذا كان الشيطان مخلوقاً مثل الإنسان تماماً وهو عدو له ولما كانت إرادة الله سبحانه وتعالي للإنسان هي الخير والحب والعطاء فلماذا خلق الله الشياطين؟ ❊ ما فائدة وجودهم؟ وهل الشيطان موجود ليعكر صفو الإنسان؟ يقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي: إنه إذا لم يوجد ما يهيجك علي المعصية تصبح الطاعة أمراً اعتيادياً، لكن عظمة الطاعة أن تتجلي بأن واحداً يغريك بأن تعصي فتقول له: لا . إذن فكرة وجود الشيطان استبقاء لحرارة التكليف، ولمقابلة العبودية لله بأمر شيء من خلق الله. لو لم يوجد الشيطان كانت الطاعة فيها رتابة. وما معني الرتابة؟ ربما لا يفكر أحد منا في أكل لحم الخنزير، فالامتناع عنها بمرور الوقت يصبح عادة ورتابة والله يريد منك أن يكون الامتناع عن خوف وعبودية لا من آثار الرتابة والعادة فلابد ممن يحرك لك طريق الغواية وأن تمتنع، هذه هي العبودية. فاذكر مسبقاً عداوة من الشيطان »إنه عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة « . إذن هذا مناط التكليف لنا إلي أن تقوم الساعة أمر ونهي وتحذير من شيطان فيه عداوة مسبقة للإنسان. ما هي هذه العداوة؟ عداوة الشيطان لآدم إن الله قال للملائكة: اسجدوا لآدم... وهم لم يسجدوا لآدم إنما سجدوا لأمر الآمر بالسجود لآدم. إنما إبليس امتنع عن السجود لآدم، لأن السجود لا يكون إلا لله فهل أمر بالسجود إلا من الله؟ وقد علل هو عدم سجوده فقال: »أأسجد لمن خلقت طينا ؟« ثم قال : »أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين « إذن هذا هو الاستكبار، ورد الأمر علي الآمر سبحانه وتعالي فخرج من رحمة الله إلي يوم يبعثون. يقول رسول الله [: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين.. فما حقيقة تصفيد الشياطين في رمضان، مع هذه المشاهد اليومية أثناء الشهر لأعمال شر؟ فسر الدكتور السيد الجميلي أحد المقربين من الإمام الراحل الحديث الشريف كمجتهد أمام فضيلته (رحمه الله) بقوله: يفسر بعض الفقهاء ذلك المسلك أو هذه المشاهد بأن هناك نوعاً معيناً من الشياطين هو الذي يصفد، أما الآخر فلا يصفد. ويقول فريق آخر: إن المقصود في الحديث أن جميع الشياطين تصفد فعلاً إنما من يأتي الفواحش فقد أصبح كالشياطين وأمثاله لا يحتاجون إلي شيطان ليوسوس لهم حتي يجترحوا السيئات وينتهكوا الحرمات.. إلا أن مولانا صاحب الفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي قال: هناك نوعان من الكلام: كلام خبري يقص عن واقع، وكلام آخر خبري يريد إنشاء واقع فمثلاً قوله تعالي عن البيت الحرام: »من دخله كان آمناً« فإذا كان المقصود به إخباراً من الله بذلك الواقع فكان لا يمكن أن يحدث في كون الله ما يناقض ذلك أما إذا كان المقصود منه إنشاء واقع أن يكون أمراً من الله تعالي للناس أن يجعلوه آمناً وبالتالي فقد نجد في الواقع ما يغاير ذلك وهذا راجع إلي أن الناس لم تمتثل للأمر. كذلك إذا نظرنا إلي قوله تعالي: »الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات والخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات« فإن واقع الأمر يناقض ذلك فنري طيبين لغير طيبات والعكس. فإذا استمعنا لكلام الله تعالي وأطعناه جعل الطيبين للطيبات، وإن لم نستطع يكون العكس! التصفيد في رمضان وبتطبيق ذلك علي تصفيد الشياطين في الحديث نجد أنه كلام يراد به إنشاء واقع فيقصد أن يقول: صفدوا فيه الشياطين فإن أطعنا صفدت، وإن لم نطع لم تصفد، ونحن مأمورون بإنشاء هذا الواقع. ❊ كيف يفرق الجن بين المرء وزوجه كما ورد في القرآن الكريم؟؟ إن من خاصية الجن التشكل، فمن الممكن أن يتشكل الجن علي هيئة قرد علي وجه المرأة فيبغض زوجها إليها، كذلك يتمثل الشيطان كالوحش علي وجه الزوج فينفر منه زوجه. ❊ وكيف يسخر الإنسان الجن مع أن قانون الجن أقوي من قانون الإنس وأشف منه؟ يقول فضيلة الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي: نعم.. يستطيع الله سبحانه وتعالي بطلاقة قدرته أن يجعل من الجنس الأدني من يسخر الجنس الأعلي ويتفوق عليه، وهذه ليست كيف عنصر إنما إرادة معنصر، وهذه عظمة الصانع وليست فرضية العنصر، فيريد الله أن يأتي أناس دون الجن في قانونهم، ويعطيهم الأسباب فيسخروا الجن. ثم يردف، فضيلة الإمام العالم فيقول: حينما لا نقطع ولا نستطيع أن نعلل شيئاً غيبياً ثبت الإيمان به بواسطة الصادق في التبليغ عن ربه الإله الحق فخذها قضية لا يقف فيها عقلك وهو الذي آمن بالإله الذي بلغها.. لا تناقض عقلك. ماذا يفعل المسحور؟ ❊ والمسحور الذي وقع ضحية السحر وشراك الشياطين ومس الجن.. ماعلاجه؟ علاج المسحور يكون بقراءة المعوذتين »قل أعوذ برب الفلق«.. و»قل أعوذ برب الناس..« وبهذا يرد الله به كيد الساحر إلي نحره، لكن ما يضر الإنسان هو نفسه، فإنه يظلم نفسه عندما يعتقد أن الساحر هو الذي يملك شفاءه من السحر وعليه أن يقول: »اللهم إني أفزع إليك إلي ما احتفظت به من شر ما علموه وبكبرياء الإيمان.. ووجوه السحرة عليهم غضب، وكلهم رهق وتعب. »وإنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا« أي فزادوهم تعبا، لذلك نجد عليهم سحنة الغضب. ❊ ❊ ❊ ❊ ما السبب في أن أسرار قضايا الإيمان كلها غيبية؟ لو أن العقل وقف علي كل سر في الحياة، لما كانت الحياة ولا الدنيا أهلا لأن تنسب إلي عظمة الله. ولو أنك عرفت كل شيء في الوجود، لكانت صنعة الله مقدورا عليها، ولولا وجود بعض الأشياء توقف العقل، وهذه من عظمة الكون، ومن عظمته نسبه إلي الله جل شأنه »خالق كل شيء«. مخلوق من نار ❊ كيف يعذب الجن في النار وهو مخلوق من النار مصداقا لقوله تعالي : »والجان خلقناه من قبل من نار السموم«؟ نعم يعذب الجن في النار وهو مخلوق من النار مثلما يغرق الإنسان في الماء وهو مخلوق من الطين. ❊ رغم أن الحسد مذكور في القرآن الكريم، إلا أن البعض قد يشكك في درجة تأثيره.. وماهو علاجه؟ قال تعالي : {من شر حاسد} ليس مطلقا فلم يسكت إنما قال: {إذا حسد} إذ أنه من الممكن لأي إنسان أن يحسد ومن الممكن أن يري الإنسان نعمة ولا يحقد علي صاحبها فلا تخرج الإشعاعات الحاسدة القاتلة، وهذا الرضا يغلق نوافذ الشر منه فإذا قال ما شاء الله، لا قوة إلا بالله فقد بطل الحسد في الحال. إن نفثات في الحسود بالأشعة اللامرئية مثلما يفكر العلماء الأطباء في إجراء جراحة بأشعة الليزر دون إهدار دم المريض، وهذا يتمشي مع أشعة الحسود اللامرئية أيضا. ❊ وفي هذا المقام ما ذنب المقهور لسبب مادي تعرفه؟؟ ما ذنب المقهور لجور طائش، ما ذنب المقتول بالخنجر والعصا أو بالرصاص؟ سألته [ أسماء بنت عميس رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله، إن ولد جعفر تسرع إليهم العين، أفأسترقي لهم؟ قال: (نعم فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين). عن عصا موسي ❊ ما الفرق بين سحر قوم فرعون وبين عصا موسي؟ قال تعالي: {وما تلك بيمينك يا موسي}؟ يرد موسي: {هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها علي غنمي ولي فيها مآرب أخري}. هنا يقول الله في المهمة التدريبية لموسي عليه السلام: {ألقها يا موسي}. فيلقي موسي بالعصا {فإذا هي حية تسعي} وخاف موسي لكن الله يقول: {لا تخف سنعيدها سيرتها الأولي}. ولو لم يكن موسي قد خاف لقلنا هذا نوع من السحر ولننتبه إلي أن هناك فرقا بين السحر الذي كان يمارسه بعض قوم فرعون، وما جاء به موسي. إن القرآن يصف حالة موسي: {فأوجس في نفسه خيفة}.. وهذا دليل علي أن عصاه انقلبت إلي حية بالفعل والواقع ومعني هذا أن حقيقة العصا قد تغيرت بالفعل وهذا هو الفارق بين سحر قوم فرعون وبين عصا موسي. إن سحرة فرعون.. يسحرون أعين الناس فلا تري حقيقة الأشياء إنما يري الناس الوهم الذي يضيفه السحرة علي أعينهم. أما معجزة موسي.. ففيها تغيرت الحقيقة، وأصبحت العصا حية.. هكذا نري معجزة الله.. مؤانسة لموسي ثم بعد ذلك تدريب ثم تكليف بالمهمة. وهكذا يعلمنا الله أنه لا مهمة إلا بتدريب ولا إنجاز موفق بغير إتقان. بين الخير والشر ❊ أي أنواع الجن يسخره الإنسان أهو الخير أم الشرير؟ النوع الذي سيسخره الإنسان لايخلو من أحد نوعين: إما جني خير، وإما جني شرير.. والجني الخير مثل الإنسان الخير لا يستطيع أحد أن يسخره.. إذن لا يخضع للتسخير إلا الجني الشرير، وهذا يتعب من سخره ، يقول الحق تبارك وتعالي: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا}. وعقب الإمام الشعراوي (رحمه الله) بقوله: إن كل مانراه من الخوارق فهو من أعمال الأرواح الشريرة الهائمة في الكون وهذه لها طلاسم وأسماء وأسرار يستطيع الإنسان بها أن يسخر غيره.. فيعمل الأعمال التي لايستطيع أن يعملها الإنسان، ولا الجني العادي يستطيع أن يعملها. ❊ وهل هذا التسخير من الإنسان للأرواح الشريرة الهائمة في الكون يستطيع أن يقدم أو يؤخر في حياة الإنسان؟ كلا .. بدليل أننا نجد أن من ينهجون هذا النهج كلهم مصابون في أشياء كثيرة، ومتعبون في أشياء كثيرة. إذن هناك خلق مستور عنا ولهم قوانين.. والحق يمكن الجنس الأدني أن يتحكم في الجنس الأعلي.