في الساعات المبكرة من الصباح شقت مجموعات صغيرة من الشاحنات الخفيفة المسلحة، الصحراء متجهة نحو بعض من أكبر موانئ تصدير النفط الليبية.. كانت محاولة سابقة من سرايا الدفاع عن بنغازي للسيطرة علي الموانئ قد باءت بالفشل. لكن الهجوم الذي وقع منذ أيام أخذ الجيش الوطني الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر والمتمركز في شرق البلاد، علي حين غرة. وفي الوقت نفسه تتعمق الانقسامات بين الأطراف السياسية، ومعها تتلاحق القرارات والمطالب، فضلا عن الخسائر البشرية والمادية، دون أن يملك أحد الإجابة عن السؤال الصعب: إلي أين تتجه ليبيا؟ أجبر المهاجمون قوات الجيش الليبي علي الانسحاب من ميناءي السدر ورأس لانوف، كما فتح الهجوم جبهة جديدة بين الفصائل التي تتقاتل بين الحين والآخر من أجل النفوذ في ليبيا منذ عام 2014 وهو ما ألقي بمزيد من الشك حول الجهود الرامية لتوحيد البلاد وزيادة إنتاجها النفطي. وأُعفيت ليبيا من اتفاق لمنظمة البلدان المصدرة للبترول »أوبك» مؤخرا للحد من الإمدادات العالمية وزادت إنتاجها لأكثر من مثليه في الأشهر الماضية ليصل إلي نحو 700 ألف برميل يوميا. ويقول الجيش الوطني الليبي إنه يحشد لشن هجوم، يشرف عليه المشير حفتر شخصيا، ضد سرايا الدفاع عن بنغازي وهو أحدث جماعة مسلحة تنافس للسيطرة علي الموانئ التي من المفترض أن يخرج منها أكثر من نصف صادرات ليبيا النفطية. بعدما سيطر علي الموانئ قبل بضعة أشهر، صد الجيش الوطني الليبي عدة محاولات لشن هجمات مضادة مستعينا بالضربات الجوية ونفذ ما وصفها بضربات استباقية ضد حشود لسرايا الدفاع عن بنغازي في منطقة الجفرة الصحراوية بوسط البلاد. وقال حراس موالون للجيش الوطني الليبي إن الموانئ مؤمنة جيدا بما يسمح بعودة العمال الأجانب. لكن عندما تقدمت سرايا الدفاع عن بنغازي مرة أخري اخترقت دفاعات الجيش الوطني الليبي سريعا. وانسحبت قواته البرية باتجاه البريقة التي تبعد نحو 115 كيلومترا شرقي رأس لانوف وذكرت مصادر طبية أنها فقدت أكثر من 30 رجلا. وينفذ الجيش الوطني الليبي ضربات جوية يوميا منذ ذلك الحين ولكن تأثيرها ليس واضحا. مصير غامض وبعد أسبوع علي بدء الاشتباكات بين قوات الجيش ومجموعات »سرايا الدفاع عن بنغازي» التي تبنت الهجوم علي المنطقة حيث تتواجد المواني النفطية، لا زال مصير »الهلال النفطي» غير واضح، في ظل تضارب التصريحات، الصادرة عن طرفي الاشتباكات، وإن كان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، قد أصدر تعليماته لحرس المنشآت النفطية بفرض سيطرته علي المنطقة، ويزيد من هذا الغموض أن القوي الدولية لم تظهر مواقف محددة إذ اكتفي بعضها، كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بالتعبير عن مخاوفها من تردي الأوضاع، مع التأكيد علي تمسكها ب»إنفاذ التدابير التنفيذية الدولية للمساعدة في دعم السلم والاستقرار والأمن في ليبيا»، التزم البعض الآخر، كإيطاليا وروسيا، الصمت الرسمي. وبدأت الاشتباكات، وفق ما أعلنته غرفة عمليات أجدابيا العسكرية وضواحيها، مع تعرض مناطق رأس لانوف والسدرة، لهجوم قادته »سرايا الدفاع عن بنغازي»، موضحة أن غرفة عمليات سرت الكبري والقوات المساندة تصدت لهجوم »الإرهابيين»، وهو ما نفته »سرايا الدفاع»، التي ذكرت أن قواتها تعرضت لغارات جوية في منطقة النوفلية. وفي تلك الأثناء، طالبت وزارة الداخلية ب»الحكومة الموقتة» جميع ضباط وضباط صف وجنود منطقة هراوة حتي مدينة أجدابيا بالاستعداد التام للالتحام مع القوات العربية الليبية المسلحة المواجهة ل »رتل الإرهابيين» الذي يحاول السيطرة علي الموانئ النفطية و»العبث برزق الشعب الليبي»، بينما أعلن الناطق باسم قيادة الجيش، العقيد أحمد المسماري، أن »قوات الجيش تعمل علي سحق الشرذمة التي هاجمت (الهلال النفطي) وأن غارات الجيش ستستمر حتي الاستعادة الكاملة للمنطقة»، التي كان الجيش قد سيطر عليها في التاسع من سبتمبر الماضي. واتهم المسماري، قطر وتركيا بدعم القوات التي هاجمت منطقة »الهلال النفطي»، متوعدا بالكشف عن 4 أسماء من تنظيم »القاعدة» أشرفت علي الهجوم، وقال المسماري في مؤتمر صحفي عقده بمدينة بنغازي: »إن القوة المهاجمة زودت بمدرعات حديثة ورادار للتشويش علي الدفاع الجوي، حيث رصدنا اتصالات للقوة المهاجمة مع قطر وتركيا، ولا نستبعد تزويد الميليشيات من جهات إقليمية بأنظمة حرب إلكترونية للتشويش علي الجيش». من جهتها، ذكرت »سرايا الدفاع عن بنغازي»، أن قواتها تعرضت لغارات جوية من قبل السلاح الجوي للجيش في منطقة »الهلال النفطي». وقالت، عبر بيان نشرته علي صفحتها ب»فيسبوك»: »إن العملية لا تهدف إلي السيطرة علي منطقة (الهلال النفطي)، بل لإرجاع أهالي بنغازي المهجرين إلي مدينتهم ورفع الظلم عن المظلومين»، متحدثة عن أنها تعاملت مع »من أعاقوا تقدم قواتها نحو بنغازي». ويري المراقبون أن قرار مجلس النواب الليبي إلغاء اعتماد الاتفاق السياسي الموقع بالصخيرات المغربية مع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج الذي سبق له أن وصف مهاجمي »الهلال النفطي» ب »ميليشيات متطرفة تابعة لتنظيم القاعدة»، يشكل منعطفا سياسيا حادا، خاصة مع إصدار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق تعليماته لآمر جهاز حرس المنشآت النفطية، العميد إدريس بوخمادة، بممارسة مهامه وتسلم المنشآت النفطية في منطقة »الهلال النفطي»، داعيا »جميع القوات المتواجدة في المنطقة إلي وقف إطلاق النار والمغادرة فورا»، وهو ما يمثل استجابة جزئية لمطالب »سرايا الدفاع عن بنغازي» التي أعلنت، في بداية الاشتباكات، رغبتها في أن »تتسلم الدولة منطقة الهلال النفطي». إدانة أما تحالف القوي الوطنية، فأدان الهجوم علي المؤسسات والمنشآت النفطية، معتبرا أن مقاطعة الحوار من قبل من يناط بهم تقديم الحلول السياسية هي »دعوة صريحة لمزيد من الاقتتال والانزلاق نحو حرب الجميع ضد الجميع»، وجاء في بيان للتحالف: »نتابع في تحالف القوي الوطنية بقلق وأسف بالغين مسار الأحداث الأخيرة في منطقة الهلال النفطي، وندين الهجوم علي المنشآت والمؤسسات النفطية وتعريض المصدر الوحيد لعيش الليبيين للخطر». وقال فوزي بوكتف الذي كان قائدا بالفصائل المسلحة في بنغازي في 2011 وهو علي اتصال بسرايا الدفاع عن بنغازي إن تأييد القبائل لحفتر، وهو غير مؤكد في مناطق من الشرق، تآكل في منطقة الهلال النفطي وإنه جري شراء ذمم من وصفهم بمرتزقة من جنوبي ليبيا ودول أفريقيا جنوبي الصحراء الكبري والذين كانوا يعملون لصالح الجيش الوطني الليبي. وأضاف أنه تم دفع أموال لبعضهم لمغادرة المنطقة بينما تم دفع أموال لآخرين للقتال لصالح الطرف الآخر. من جهتها تزعم سرايا الدفاع عن بنغازي أنها تسعي لفتح طريق نحو مدينة بنغازي التي طُرد منها الكثير من أعضائها في وجه تقدم الجيش الوطني الليبي ضد إسلاميين ومنافسين آخرين علي مدي العامين الماضيين، كما تدعي أنها تحارب من أجل أسر حوصرت أو شردت بسبب الحملة العسكرية التي شنها الجيش الوطني الليبي ولإنقاذ ليبيا من عودة الدكتاتورية وحماية الثورة التي أطاحت بمعمر القذافي في 2011. وقال مصطفي الشركسي، القائد بسرايا الدفاع عن بنغازي، للصحفيين إن هدفهم الرئيسي هو استعادة المدينة وأضاف أنهم يرفضون ما وصفه بالظلم والحكم العسكري. وأضاف أنهم عندما تظاهروا ضد القذافي أرادوا الحرية وبناء مؤسسات شرعية وأرادوا قادة يحكمون البلاد كما يفعل قادة الدول المتقدمة. دعم قبلي الجنرال خليفة حفتر عزز موقفه بقوة في سبتمبر الماضي عندما سيطر علي السدر ورأس لانوف إضافة إلي البريقة والزويتينة وهما ميناءان آخران علي الشريط الساحلي جنوب غربي بنغازي المعروف بالهلال النفطي. ودون الحصول علي المساندة القبلية تمكن حفتر من طرد إبراهيم الجضران القائد في حرس المنشآت النفطية الليبية الذي فقد شعبيته بسبب طلبه أموالا مقابل إنهاء إغلاق الموانئ. وبعد السيطرة علي الموانئ سارع حفتر إلي دعوة المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس لإعادة فتحها مرة أخري وارتفع الإنتاج النفطي ليصل إلي نحو 600 ألف برميل يوميا. أما سرايا الدفاع عن بنغازي فقالت إنها ستسمح للمؤسسة الوطنية للنفط بالعمل بحرية ووجهت دعوة لقائد بحرس المنشآت النفطية عينته حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأممالمتحدة في طرابلس. وبسبب تعرض السدر ورأس لانوف لأضرار جسيمة في موجات قتال سابقة فهما يعملان بمستويات أقل كثيرا من البريقة والزويتينة مما جعل تأثير المعارك المبدئي علي الإنتاج محدودا. وقال مصطفي صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط لرويترز إن الإنتاج الإجمالي بلغ نحو 620 ألف برميل يوميا اليوم الخميس. لكن تقدم سرايا الدفاع عن بنغازي وضع النفط مجددا في قلب الصراع وربما تتعطل خطط المؤسسة الوطنية للنفط الطموحة لإنعاش الإنتاج. وقالت المؤسسة من قبل إنها تأمل في رفع الإنتاج إلي أكثر من مليون برميل يوميا خلال أشهر تمهيدا لإعادته لمستوياته قبل بدء الصراع الليبي وهو 1.6 مليون برميل يوميا. وقال جون هاملتون، مدير »ross Border Information والخبير في قطاع الطاقة الليبي، إن الأمر يتطلب الآن »عملا مضنيا» من المؤسسة الوطنية للنفط للحفاظ علي هذا الهدف.