العلم الإسرائيلى فى احتفالات انفصال الجنوب كانت مفاجأة.. أن يري العالم كله علم ونجمة داود الإسرائيلية وهما يرفرفان مع علم جنوب السودان في احتفالات إعلان الدولة مع الدقائق الأولي لليوم التاسع من الشهر الحالي.. ولكن المراقبين للأوضاع بين إسرائيل والجنوبيين يعلمون تماما أن العلاقات بينهما تعود للعام 1967 وربما أبعد من ذلك قليلا حينما قررت تل أبيب أن »جوبا« عاصمة الجنوب امتداد استراتيجي لها فزودت متمرديها بالسلاح والعتاد ودربت جنودها وأنشأت جهازا استخباراتيا لها وشجعت هجرة مواطنيها لأرض الميعاد.. وفور قيام الدولة الوليدة أرسلت إسرائيل مساعداتها الفورية وقام طيران »العال« بتسيير خطوطه المنتظمة لجوبا وأعلن رجال أعمال إسرائيليون عن نيتهم إقامة مشاريع اقتصادية وسياحية هناك! كل ذلك والعرب مازالوا »نياما« أو غارقين في ثوراتهم حتي النخاع؟! ❊ و.. »جوبا« هي كلمة السر.. فهي العاصمة لدولة الجنوب السوداني الوليدة وهي الحاضنة لنحو 8.5 إلي 9 ملايين شخص هم عداد الدولة يتحدث معظمهم بالانجليزية ويدينون بالمسيحية والإسلام وبعضهم »وثني« لا ديانة له.. وهي تمثل تنوعا بمجموعاتها العرقية المتنافرة وبمساحتها التي تتجاوز ال 640 ألف متر مربع »ربع مساحة السودان« وبرئيسها المثير للجدل سيلفاكير الذي يترأس كيانا ديمقراطيا فيدراليا يقال إنه مستمد من كل من التجربتين الأمريكية والإسرائيلية واحة الديمقراطية كما يسمونها هناك في »الجنوب«! ومنذ سنوات قليلة مهدت إسرائيل لموضع قدمها الحقيقي في جنوب السودان فكان إنشاء مكتب التنسيق الإسرائيلي في جوبا الذي مهد للاعتراف رسميا بالدولة صباح اليوم التالي لإعلان استقلالها ولتكن إسرائيل من أوائل المعترفين بالدولة الجنوبية بعد السودان الشمالي ومصر وأمريكا.. واضعا نهاية سعيدة لعلاقات تعود ل 45 عاما مضت وربما أكثر قليلا حينما عرض الجنرال جوزيف لاجو مؤسس حركة التمرد بالجنوب علي إسرائيل في العام 1967 أن يساعده في حربها ضد العرب وقتها وبالفعل دعت جولدا مائير لزيارة تل أبيب ثم كانت المساعدات بتدريب جنوده المتمردين وإمداده بالسلاح والعتاد عن طريق نقلها عبر دولتي: أثيوبيا وكينيا حينما سمح الرئيس الكيني للقوات الإسرائيلية للتزود بالوقود عبر مطاراته في طريقها لتقديم العون لجنوب السودان وضمن خطة إسرائيلية أشمل للتوغل في أفريقيا في مواجهة كل من الخطرين: المصري والصيني في ذلك الوقت. وإسرائيل عبر هذه المساعدات ترسل رسائل هامة أبرزها: حرصها علي التوغل في جنوب السودان الذي يتمتع بثروات نفطية ضخمة وبثروات مائية لاغني عنها يمكن الاستفادة منها عن طريق بناء السدود وإقامة المشاريع المائية وبالتالي مضايقة مصر والتضييق علي دورها الأفريقي. كما أرادت إسرائيل .. أن تقوم عن طريق رجالها هناك بالرصد للتحركات الإيرانية خاصة في شمال السودان ومن هنا كان انطلاق طائراتها المقاتلة في مارس من عام2009 لقصف قافلة سيارات علي الأراضي السودانية برغم أنها كانت تحمل أسلحة من إيران للمقاومة الفلسطينية في غزة.. وقيل وقتها أن الجنوبيين قدموا عونا أمنيا وإداريا لاغني عنه لإسرائيل في هذه العملية بالذات وكنوع من رد الجميل لإسرائيل التي قدمت الدعم العسكري والأمني بل وقامت بإنشاء جهاز أمني ومخابراتي للجنوبيين عبر اثيوبيا وكينيا وأوغندا ودربت الجنود علي القتال والسلاح. وقبل ذلك شجعت تل أبيب الآلاف من أهالي جنوب السودان علي الهجرة لإسرائيل »أرض الميعاد« بكافة الطرق الشرعية وغير الشرعية وبالفعل تم نقل معظمهم من مطار جوبا عاصمة الجنوب وعبر دولة ثالثة للاستقرار هناك.. وبعد قيام الدولة في الجنوب تم إعادة بعضهم ولكن بصورة مباشرة هذه المرة وعبر طيران الشركة الوطنية الإسرائيلية »العال« للاستقرار مرة أخري في العاصمة المحررة »جوبا«. وهو ما عززه اتفاق رسمي بأن يتم تشغيل خط مباشر ومنتظم بين تل أبيب وجوبا.. تم إنجازه بالفعل مع بدايات العام الحالي وقبل الاستقلال بشهور. وفي المقابل .. تحرك رجال الأعمال الإسرائيليون واليهود للاستثمار في جنوب السودان وبالفعل أعلن بعضهم نيته عن إقامة مشاريع استثمارية اقتصادية وسياحية أسوة بما يحدث في كينيا المجاورة وعدد من دول القرن الأفريقي. وتم الإعلان بصورة نهائية عن إقامة مشروع لفندق سياحي عملاق في جوبا وإنشاء مكتب للسمسرة المالية والتجارية هناك. ورفع أهل الجنوب للعلم الإسرائيلي بذلك لم يكن صدفة ولكن كان نوعا من رد الجميل لصديق تعاون مع الحركة الشعبية لتحرير السودان منذ بداياتها في القرن الماضي وعبر تقديمها لكافة المساعدات لها وعبر 22 عاما كاملا من النزاع المسلح مع الشمال. ولم يكن غريبا.. أن تعلن إسرائيل اعترافها بالدولة الوليدة بعد ساعات قليلة من قيامها.. وأن تسارع وكالة »إسرائيد« وهي تضم عدة منظمات للإغاثة الإسرائيلية واليهودية ومنظمات أهلية.. بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة للجنوب وتؤكد في ذلك أنها تسعي لإقامة علاقات وطيدة مع أهالي الجنوب وأن ما تقدمه من مساعدات ليس إلا بادرة لحسن النوايا ونيابة عن الشعب الإسرائيلي كله الذي يتطلع للشراكة مع جنوب السودان. وبنفس المنطق.. سارعت إسرائيل ومنذ سنوات ليست بالقليلة بإرسال المئات من خبرائها في العديد من المجالات الاقتصادية للعمل في الجنوب وأغلبهم وأفضلهم في مجالي : الزراعة والمياه! ولم تنس إسرائيل أن تعلن فتح خزائن أسلحتها المتطورة لمساعدة الجنوب وربما تخزين بعضها هناك.. تحسبا للمستقبل ولأي حرب إقليمية متوقعة قد تكون أو تضطر لأن تكون طرفا فيها؟ وتنشط عدة شركات للمقاولات الإسرائيلية في جوبا وماحولها لإقامة البنية الأساسية للدولة الوليدة وعبر مساعدات أمريكية وأوروبية ودولية ويهودية عالمية أيضا.. وهو مايجعل أهالي الجنوب يقابلون ذلك كله .. ب »الامتنان« للصديق الحقيقي .. في مواجهة بلدان عربية مازالت غائبة أو مازالت تضع التوازنات بين شمال السودان وجنوبه.. أو بلدان أخري ومنها: مصر مازالت غارقة في ثوراتها.. ولاتنتبه للخطر القادم هناك في جنوب السودان حيث يمثل الجنوبيون وإسرائيل: »إيد واحدة« قائمة علي مصالح اقتصادية وأمنية وعسكرية ولاتعرف العواطف!