المستشار محمود الخضيرى فعلي أقل تقدير يجب تهدئة الناس ببث مباشر حي علي الهواء بالتليفزيون لوقائع الجلسات القضائية وتصوير علاء وجمال مبارك في الزنزانة، فتلك الإجراءات ليست ضد القانون لا يخضع غضب الشعوب للقوانين الوضعية والمراسم القضائية المعتادة، فالثورات التي تشبه فوران البراكين الكاسحة تجتاح السائد قبلها فتمحوه بقوة الاندفاع وسطوة الرغبة الجامحة في إحلاله بالتغيير الإصلاحي. وقد شهدت الدنيا ثورات عالمية كبري أسست للإصلاح بالعدالة الدموية!! وأبرع أمثلتها بالطبع الثورة الفرنسية التي اندلعت عام 9871 واستمرت تصحح نفسها طوال عشرة أعوام أكلت المقصلة خلالها رؤوسا عديدة بدأت برأس الملك لويس السادس عشر وزوجته الشهيرة ماري أنطوانيت عام 3971 ثم انقلبت الثورة علي بعض أبرز رجالها أيضا مثل روبسبير فأعدمه الثوار وتوالت التقلبات الثورية التي لم تعرف الرحمة بالمخالفين حتي استقر مقام الثورة عند الفاتح والقائد العسكري الفرنسي الأشهر نابليون بونابرت عام 9971. وفي ميدان الكونكورد أو المسلة المصرية الشامخة في نهاية شارع الشانزليزيه بباريس وعلي امتداد طويل مقابل لقوس النصر.. وضعت الحكومة الفرنسية لوحة معدنية علي مقربة من المسلة المصرية، تؤرخ لموضع قطع رأس الملكة ماري أنطوانيت علي مرأي من جموع الشعب فيما عرف وقتها باسم ميدان الثورة وذلك يوم 61 أكتوبر 3971، فالثورة الفرنسية التي أراقت الدماء في سبيل الإصلاح تركت منجزها الثوري عنوانا لشرعية التغيير بالبتر الفوري لرموز الفساد.. فمن المعلوم أن الحالة الشعبية الفرنسية إبان العهد الملكي قبل الثورة، كانت شديدة الفقر والظلم والسوء والهوان الإنساني، وهي العوامل التي تدفع دائما إلي ثورة الشعوب علي الأنظمة الفاسدة في كل الأزمنة. وفي مقابل الثورة الفرنسية والإعدام العلني لملوكها، قامت في العصر الحديث حالة عدالة ثورية مشابهة يوم 52 ديسمبر عام 9891 في رومانيا، حيث تم إعدام الطاغية الفاسد المستبد، رئيسها الأسبق نيكولاي تشاوتشيسكو وزوجته الفاسدة إلينا رميا بالرصاص بعد صدور حكم من الشرطة العسكرية تم تنفيذه علي الهواء مباشرة ليشهده جموع شعب رومانيا علي شاشة التليفزيون في أسرع محاكمة لديكتاتور وطاغية سحق شعبه وأذله لسنوات بدأها كرئيس عام 4791 وانتهت بتصفيته عام 9891، أي أن الأمر استغرق من الصبر الشعبي 51 سنة فقط، فما بالنا بالحكم الجائر الذي أصابنا بالتصحر الإنساني طوال ثلاثين سنة تحت رئاسة مبارك؟! إن قضية العدالة البطيئة في مصر، والأحكام المريبة بإخلاء سبيل قتلة شهداء السويس من الضباط مع براءة بعض رموز النظام السابق في بعض القضايا (أنس الفقي عرض رد الأموال قبل أن تبرئه المحكمة مؤخرا!!) وتدارك الأمر من قبل النائب العام بالطعن عليها جميعا يثير القلق من شواهد الخلل المربك في أروقة العدالة الثورية، وخصوصا أن البعض تقدم بمذكرات ضد المستشار المريب عادل عبدالسلام جمعة الذي يحمل تاريخه القضائي العديد من نقاط الدهشة والقلق وقد تزايدت البلاغات ضده بتهمة إصدار أحكام متفق عليها مع نظام مبارك البائد ومع كبار رجال مباحث أمن الدولة ومن القضايا التي أوكلت إليه بعد صدور أحكام فيها قضية رجل الأعمال هشام طلعت مصطفي التي تحول الحكم فيها علي يد المستشار جمعة من إعدام إلي مؤبد!! وقضية د.أيمن نور التي يعاد النظر فيها بعد حكم حبسه الجائر بواسطة المستشار جمعة.. وقضية ممدوح إسماعيل صاحب العبارة الغارقة السلام89!! وقضية محاكمة الصحفيين مجدي حسين وصلاح بديوي وعصام حنفي بالحبس والغرامة في مواجهة وزير الزراعة الأسبق يوسف والي!! والآن يتولي المستشار عادل عبدالسلام جمعة النظر للحكم في قضية وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي!! فأي عدالة ينتظرها الناس علي يديه!! وجدير بالتذكير أن المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض السابق ذكر مرارا أنه يجب مراجعة القضاء وتنقيته لأن هناك أكثر من 003 قاض تثار حولهم علامات استفهام كثيرة!! ومن بين القضاة الذين تقدموا ضد المستشار عادل عبدالسلام جمعة بمذكرة إلي النائب العام، المستشار فؤاد راشد رئيس محكمة استئناف القاهرة وأحد قيادات تيار استقلال القضاء وهو ليس المتقدم الوحيد ضد المستشار جمعة بل هناك أسماء أخري تحاول مقاومة رموز الفساد القضائي، كما أشار المستشار عادل فرغلي الرئيس السابق لمحاكم القضاء الإداري في حوار بجريدة الشروق إلي أن محاكمة مبارك ورجاله بطيئة ومريبة وأن التأجيلات الطويلة تقتل العدالة الناجزة. ونعود إلي عدالة الثورة.. فبما أن ثورة 52يناير دفعت دماء الشهداء ثمنا لها ولم تنجح في الاقتصاص من القتلة لخضوعهم الروتيني لمحاكم مدنية بطيئة الأداء (التونسي المخلوع زين العابدين بن علي خضع للتحقيق بعد مبارك وحكم عليه في قضية أولي بالسجن لمدة 51سنة!!) فعلي أقل تقدير يجب تهدئة الناس ببث مباشر حي علي الهواء بالتليفزيون لوقائع الجلسات القضائية وتصوير علاء وجمال مبارك في الزنزانة، فتلك الإجراءات ليست ضد القانون، وهي من حق الثوار وأهالي الشهداء حتي لا تتأكد شائعات التواطؤ والحرص من الحكومة والمجلس العسكري علي الذين تركوا مصر المنهوبة خربة ومقفرة وقد أدي التراخي والتباطؤ في القبض عليهم إلي تمكنهم من ترتيب الأوراق وتهريب الأموال وتسكينها في الخارج بأسماء وهمية بمعاونة بعض الأصدقاء من الأنظمة العربية.. وهاهم الآن يختبئون من عيون الشعب الغاضب لحين انتهاء مراسم العدالة الهزلية ليخرجوا من جحور السجون غانمين منتصرين، مرفوعي الرؤوس، بسمعة ناصعة جديدة، وفجور معتاد قد يدفع بعضهم إلي الاندماج في الثورة، وتهيئة أنفسهم لابتزاز الشعب مرة أخري بألعاب الحواة التي اعتادوها.