السيرة النبوية العطرة قريحة الفنانين في كل زمان ومكان لإنتاج روائع تخلد بعض اللحظات التي حفظت معالم في طريق الهادي محمد صلي الله عليه وسلم، والتحدي الأبرز أمام كل فنان خصوصا في مجال الرسم هو المنع البات لتجسيد رسول الله والأنبياء عموما وكبار الصحابة، وهو أمر استدعي قدرة فنية واسعة الحيلة من أجل إنتاج أعمال فنية ضخمة تخلد بعض مشاهد السيرة النبوية دون التعرض للذات المحمدية أو تجسيدها، لذلك برع الفرس في استخدام فنون المنمنمات الملحقة بالكتب التي تتحدث عن السيرة النبوية، وكانت هذه اللوحات الصغيرة تصور بعض مشاهد السيرة العطرة، وفي مصر ظهرت الجداريات وهو فن من الفنون رفيعة الطراز، التي طوعها الفنان المصري لكي تتواءم مع طبيعة السيرة النبوية وخصوصيتها. الفنان طاهر عبد العظيم رسم جدارية ضخمة بعنوان "عام الفيل" وهو العام الذي ولد فيه رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم والتي ضمت مشهداً كبيراً وضخماً في لوحة "جيش أبرهة"، ولوحة "طيراً أبابيل"، إضافة إلي عدد من اللوحات تمثل مشاهد "مكة" وصور بصرية "لعصف مأكول" و"هزيمة جنود أبرهة"، في بانوراما متكاملة تحكي الأحداث التي واكبت مولد رسول الله صلي الله عليه وسلم، وكانت هذه بعضا من لوحات عبر بها الفنان عن رؤيته لأحداث السيرة النبوية، وقدمها في عرض فني منذ أعوام افتتحه مفتي الجمهورية في ذلك الوقت الدكتور علي جمعة. كذلك للفنان عبد العظيم لوحات تصور مشهداً "لبيت السيدة حليمة"، دون أن يكون هناك مشهد تصويري من قريب لواقعة شق الصدر لكن من خلف شجرة مضاءة، وأيضا هناك لوحة "التحكيم" التي تمثل مشهد لقبائل قريش حين أرادت إعادة بناء الكعبة واختلفوا علي نقل الحجر الأسود واشتد الخلاف إلي أن حكموا بينهم رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم، بعدما ارتضوا أن يحكموا أول من يدخل علي جمعهم، فكان محمد بن عبد الله قبل أن يبعث برسالة الإسلام، هو أول داخل وحكم بين القبائل بما أرضاهم جميعا، فصور الفنان مشهد الخلاف وقد التفت القبائل حول أحجار الكعبة المتراصة إلي مستوي منخفض. بدأت فكرة رسم مشاهد من السيرة النبوية الشريفة تشغل الفنان طاهر كرد فعل غيور دينياً وعقائدياً في أثر الرسوم المسيئة ومحاولة تشويه صورة الرسول صلي الله عليه وسلم في بعض صحف الغرب .. وقضي ثمانية أشهر في البدء في مشروعه الفني إلي أن قرأ مقالة لفضيلة المفتي حينذاك دكتور علي جمعة عنوانها : " تجديد عرض السيرة النبوية يجب أن يكون مشروع الأمة كلها " .. وفكر الفنان في زيارة فضيلة المفتي في دار الإفتاء وليحسم فنياً الأمور المختلف عليها تاريخياً وشرعياً بينما كان قد رسم العديد من اسكتشاته ولون بعض اللوحات وبعرضها علي الدكتور علي جمعة تم تصحيح عدد من المعلومات الخاصة ببعض الأحداث واللوحات فتم تصحيح المعلومة الخاصة بأبعاد الكعبة وكسوتها .. وتم تعديل التصميم في اللوحة بناء علي ذلك .. كذلك تم تصحيح المعلومة البصرية في اللوحة الموحية رمزياً بأول لقاء بين سيدنا جبريل والنبي صلي الله عليه وسلم خارج منزل السيدة حليمة فتم حذف الأطفال من مشهد اللوحة حيث إن السيدة الشيماء أخت النبي صلي الله عليه وسلم في الرضاعة كانت هي وحدها التي شهدت الحدث .. كذلك بعد رسم الفنان أشخاصا في لوحة توحي بنزول الوحي ورسم الجبل في ضوء النهار تم تعديل اللوحة بعدم وجود أي أشخاص وتم حذفهم حيث إن "غار حراء" كان بمثابة عزله عن الناس .. كذلك في لوحة "عام الفيل" وهي لوحة جدارية ضخمة تمت إضافة جبل النور في بداية اللوحة وتغيير ارتفاعها لزيادة مساحة السماء وإيقاعها اللوني وتكوينات الطيور وتعديل أبعاد الكعبة وأستارها .. ويكرس الفنان طاهر عبد العظيم لوحاته لتكون توجها بالفن لخدمة السيرة النبوية الشريفة من خلال أعمال فنية منضبطة بالشرع لتجد هذه السيرة العطرة سبيلها بالوسائل المتنوعة إلي قلوب الناس وعقولهم من شتي الثقافات وعلي مختلف الأصعدة.