في 9 يوليو الحالي، سيتم إعلان الدولة الجديدة في جنوب السودان. لكنها تواجه تحديات عديدة، وتحيطها شكوك وتوجسات مختلفة. تساؤلات تطرح الآن حول ميول هذه الدولة وموقفها من الدول العربية المحيطة بها، حول انحيازاتها هل ستكون غربية أمريكية، أم آسيوية صينية هندية، والأهم من كل هذا موقفها من إقامة علاقة قوية مع الدولة العبرية. في يناير الماضي، ليلة الاستفتاء علي تقسيم السودان، كان "سيلفا كير" رئيس دولة جنوب السودان حاضراً في قداس بكاتدرائية جوبا الكاثوليكية، للاحتفال والصلاة من أجل الدولة الجديدة الوليدة، التي ستصبح الدولة ال 193 علي خريطة الكرة الأرضية. دولة بأغلبية كاثوليكية، تمتلك مخزونات كبيرة من البترول. وإذا عدنا للماضي والتاريخ سنجد أن جنوب السودان ليس لها في الواقع أصول تاريخية كدولة مستقلة. فالسودان الذي يعتبر أكبر بلد في أفريقيا من حيث المساحة كان تابعاً لمصر لفترات طويلة. وإبان الاستعمار البريطاني رسمت الدولة المستعمرة خطا حدوديا تخيليا بحيث يمكن لبعثات التبشير الأورويبة أن تعمل بها بحرية، ومنذ الاستقلال في 1956 اندلعت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب. كان الانقسام انقساما عرقيا أكثر منه طائفيا. ورغم أن ثوار الجنوب معظمهم من المسيحيين الكاثوليك والديانات الإحيائية الأفريقية، لكن الحرب كانت تتسم بالقبلية أكثر من الطائفية. كان معظم الجنوبين يحاربون من أجل سودان يعيش فيه الجميع متساوين، لكن بعد تولي البشير الرئاسة عام 1956 بدأت فكرة استقلال الجنوب تأخذ منحني أكثر قوة، بعد اصرار البشير علي وضع الصبغة الدينية علي الصراع ومحاولته تطبيق الشريعة الإسلامية في الجنوب. في يناير 2005 تم توقيع اتفاق السلام برعاية الولاياتالمتحدة لإجراء استفتاء حول انقسام السودان. لكن في أغسطس من نفس العام توفي جون جارانج المناضل الجنوبي في حادث هيليكوبتر أثير حوله الشكوك، ومات معه حلم الوحدة بين الشمال والجنوب، حيث إن جارانج كان من المؤيدين للوحدة في حين أن خليفته كير ميال أكثر لخيار الانفصال. ويعتبر قبر جارانج مزاراً مهما في جنوب السودان، حيث يكن له السكان كثيراً من الاحترام. مع ذلك أصبح كثيرون لايشاركونه رؤيته في سودان متوحد مفضلين الانفصال عن الشمال. الجنوب ليس كله من المسيحيين، هناك عدد كبير أيضاً من المسلمين في الجنوب. الجنرال الطاهر بيور عبد الله السكرتير العام للمجلس الإسلامي في الجنوب، وهو عسكري سابق حارب مع الجنوب يؤمن بضرورة التعايش بين المسلمين والمسيحيين. وقد ذهب إلي جدة مع صديقة المسيحي فيكتور لول أشاك وزير الطاقة في الحكومة الانتقالية لطلب الدعم المادي من بنك التنمية الإسلامي، ويسعي طاهر أيضاً للحصول علي دعم للجمعيات الخيرية الإسلامية التي يديرها. ولايعتبر طاهر أن الجنوب أغلبيته مسيحيون "هناك 18٪ مسيحيون، 17٪ مسلمون والباقي من ديانات أخري. فمعظم الناس هنا أوفياء لديانات آبائهم وأجدادهم" في تكريكيه، القرية الصغيرة التي تقع علي بعد 3ساعات عن جوبا يتجمع عدد كبير من التجار العرب من السودان الشمالية، وهم لا يضعون في خططهم المستقبلية احتمال أن يتوقفوا عن الترحال بين الشمال والجنوب. المسجد المجاور يجلس أمامه عدد من المزارعين لتناول الغداء، هنا مسلم وهنا مسيحي، لافرق بين هذا وذاك. بالتأكيد تكوين دولة جديدة لن يكون سهلاً رغم امتلاك هذه الدولة لاحتياطيات بترولية كبيرة، إلا أن هذا البلد الذي يفتقد البنية التحتية من طرق ومرافق سيحتاج لاقتراض أموال كثيرة من المجتمع الدولي لبناء نفسه من جديد.. كما أن أرض السودان الجنوبية لاتزال بكراً، وهناك أماكن لاتزال في حاجة للبحث والاستكشاف. ورغم أن البترول السوداني ليس بالجودة الكبيرة لكن رغم ذلك هناك إستثمارات ضخمة جداً تسعي للوصول إلي هناك كان آخرها عقد وقعته توتال الفرنسية للتنقيب عن البترول في مساحة تصل إلي 118 ألف كم2. وستظل السودان الجنوبي مرتبطة بشماله. فالأنبوب الوحيد لنقل البترول يمر عبر شمال السودان، صحيح هناك خطط لعمل خط جديد عبر كينيا لكن التكلفة المرتفعة تؤجل هذا المشروع. يكفي جولة سريعة جداً في العاصمة لنكتشف ميل الدولة الجديدة للأصدقاء التاريخيين كينيا وأثيوبيا وأوغندا. الأساتذة كينيون والتجار من أوغندا، والفنادق يديرها اريتريون وأثيوبيون. الهنود والصينيون موجودون بكثافة أيضاً وهناك شركات صينية تسعي للفوز بعقود هناك. لاشك أن الدولة الجديدة تجذب بشدة المجتمع الغربي السعيد بوجود حليف جديد في المنطقة، خاصة أن النظام في السودان الشمالي دائماً ما كان في خلاف مع الغرب. أيضاً الإسرائيليون مهتمون جداً بما يحدث في السودان، وهم بالتأكيد سعداء بوجود دولة غير عربية وإسلامية في هذا الموقع. ومع ذلك فسيلفا كير متحفظ جداً في هذه المسألة، وأنكر بشدة الخبر الذي بثته الجزيرة أن جنوب السودان اشترت طائرات من إسرائيل قائلاً "هذا ليس صحيحا، من يقول ذلك هم أعداء السودان، الإسرائيليون لن يأتوا إلي هنا"