حالة من الترقب تسود الأسواق العالمية بعد قرار ضم عملة اليوان الصيني إلي سلة العملات المعتمدة، بعد إعلان صندوق النقد الدولي بدء العمل بعملة اليوان ضمن مجموعة النقد العالمية بوصفه عملة خامسة إلي جانب الدولار الأمريكي والجنيه الاسترليني والين الياباني واليورو الأوروبي، ليصبح اليوان أول عملة تتم إضافتها إلي سلة العملات المعتمدة دولياً منذ عام 1999، وقد جاءت هذه الخطوة في أعقاب استيفاء الصين كافة الشروط التي وضعها صندوق النقد لتحقيق هذا الغرض. يعتبر اليوان الصيني من أقل العملات المتداولة قيمة علي نطاق واسع، بسبب حرص الصين علي انتهاج سياسة اقتصادية تتمثل في الحفاظ علي سعر الصرف الثابت لليوان، ما أعطاه ميزات تجارية متعددة في مواجهة باقي العملات الأخري، أبرزها مضاعفة المكاسب التصديرية للبضائع الصينية التي اكتسحت جميع أسواق العالم وباتت تهدد الدول الصناعية الكبري في عقر دارها بمنتجات رخيصة الثمن نسبياً. وقد ظل ثبات سعر صرف اليوان من أكبر الإشكاليات التي تواجه الصين مع باقي الدول الصناعية مثل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، التي ظلت تطالب بأن يتماشي سعر الصرف اليوان مع قيمته الحقيقية من أجل إيجاد نوع من المنافسة العادلة وحماية الأسواق العالمية، ولكن دائماً كانت هذه المطالب تواجه بتحفظ شديد من قبل الصين التي لا ترغب في التخلي عن مكاسبها الاقتصادية الحالية جراء ثبات سعر صرف اليوان. وقد توقع العديد من الخبراء الاقتصاديين أن يلعب اليوان الصيني دوراً كبيراً في كسر هيمنة الورقة النقدية الخضراء »الدولار» علي تعاملات الأسواق الاقتصادية النامية حول العالم ومن بينها مصر التي بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات لدمج اليوان ضمن احتياطياتها النقدية، وهو ما اتضح من خلال إعلان هيئة قناة السويس دخول اليوان الصيني إلي سلة العملات المتداولة في تحصيل رسوم العبور بالقناة، حيث يتوقع الخبراء أن ينعكس ذلك علي زيادة حجم التجارة بالمنطقة الصناعية الصينية الموجودة غرب خليج السويس، نتيجة خفض الالتزامات المالية بالدولار في تلك المنطقة، وتخفيف العبء علي الاحتياطي النقدي من خلال توفير كميات كبيرة من العملة الصعبة التي كانت تذهب إلي عمليات الاستيراد من الصين، خاصة مع وجود عجز في الميزان التجاري يصب في صالح الصادرات الصينية إلي مصر بنسبة تفوق 75%. وكان البنك المركزي المصري قد أعلن مؤخراً عن وجود مفاوضات لمبادلة العملة مع البنك المركزي الصيني »بنك الشعب الصيني» في عملية مزدوجة تقوم بمقتضاها الصين بوضع مبالغ مالية من عملتها المحلية في البنك المركزي المصري لمدة محددة، وفي المقابل تضع مصر مبالغ مالية في البنك المركزي الصيني. في هذا الصدد يشير الدكتور محمد عطوة، عميد كلية التجارة بجامعة المنصورة إلي أن دخول العملة الصينية إلي سلة عملات صندوق النقد الدولي سيؤدي إلي زيادة في الاستثمارات الصينية علي المستوي الدولي كنوع من ترسيخ مكانتها الاقتصادية، ومصر واحدة من دول العالم التي من المتوقع أن تشهد دفعة قوية في حجم الاستثمارات الصينية، خاصة إذا تم استخدام اليوان ضمن احتياطات البنك المركزي ضمن سياسة تهدف إلي زيادة الغطاء النقدي من العملات المختلفة، لافتاً إلي أن خطوة إدراج هيئة قناة السويس لعملة اليوان ضمن العملات المعتمدة لتحصيل رسوم المرور عبر القناة ستعطي دفعة قوية في حركة التجارة ما بين مصر والصين تشمل مجالات متعددة منها السياحة الصحة والتعليم. يتابع: لا يمكن تحديد حجم الزيادة في الاستثمارات الصينية داخل مصر إلا بعد إجراء ما يسمي بدراسات مقياس المرونة والتي ترصد التغيرات المتوقعة علي عملة الصين وما هو تأثيرها المستقبلي بعد الدخول إلي سلة العملات، ومن هنا يمكن تحديد حجم الاستثمارات التي من المتوقع أن تشهد زيادة مستقبلية تقدر ب2 مليار يوان. فيما يري الدكتور قدري إسماعيل عميد كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية أن إدارج اليوان كعملة ضمن سلة العملات الدولية لم يكن مفاجئاً في الأوساط الاقتصادية، معتبراً ضخ عملة جديدة بشرايين الاقتصاد العالمي سيؤدي بالضرورة إلي اتساع رقعة هذا الاقتصاد لصالح الدول النامية. كما أوضح أن اتفاقية تبادل السلع باليوان الصيني ستؤدي إلي نوع من الانفراجة الاقتصادية ما بين الصين والدول الأخري خاصة التي تعاني ندرة في الاحتياطات الدولارية، لافتاً إلي أن عملة اليوان كانت حاضرة وبقوة في التعامل بين مصر والدول الأفريقية من جانب والصين من جانب آخر، وإن لم تكن قد أخذت البعد الدولي كعملة الدولار مثلاً، ولكن بعد الاعتراف بها كعملة عالمية من المتوقع أن تكون متواجدة وحاضرة بقوة أكبر في المعاملات الاقتصادية. ويلفت الدكتور قدري إسماعيل إلي أن قوة عملة اليوان في التداول بين العملات العالمية ستمثل تهديداً أكبر للاقتصاد الأمريكي، وهذا ما تخشاه الولاياتالمتحدة التي تظل غير راغبة في دخول الصين كعنصر مؤثر ومنافس في الاقتصاد العالمي. أما الدكتور سعد عبدالحميد مطاوع أستاذ التمويل والبنوك في كلية التجارة بجامعة المنصورة فيشير إلي أن اليوان الصيني ظل لفترة طويلة مستبعداً عن سلة العملات الدولية في الوقت الذي كان يزداد فيه ثقل الصين علي مستوي التجارة الدولية بالتوازي مع ازدياد الطلب علي السلع الصينية بصورة كبيرة، ولذلك أصبحت عملة اليوان ترتكز علي اقتصاد قوي يؤهلها إلي دخول سلة عملات صندوق النقد الدولي. ويوضح أن اتفاقية لتبادل السلع مع الصين باليوان والجنيه، تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح لدفع العلاقات التجارية بين البلدين، مطالباً في ذات الوقت بعدم اقتصار هذا النوع من الاتفاقيات مع الصين فقط، فهناك ضرورة للتوسع في عقد اتفاقات مماثلة مع الدول الأخري لرفع الضغوط عن الاقتصاد المصري الذي يعاني في توفير الدولار كعملة صعبة، فمصر تستورد احتياجاتها من دول مختلفة ووجود كم متنوع السيولة النقدية لديها يساعدها علي تكوين رصيد ثابت من العملة الصعبة. بينما يري الخبير الاقتصادي معتصم الشهيدي أن إضافة عملة جديدة إلي سلة العملات المعتمدة لدي صندوق النقد الدولي من شأنه مساعدة أي دولة في تنويع الموارد النقدية الموجودة لديها بحيث يتطابق هذا التنوع مع حجم تجارتها الخارجية بدلاً من حصرها في أربع عملات فقط معتمدة لدي صندوق النقد الدولي وهي الدولار واليورو والاسترليني والين، وبذلك يكون تأثرها بصعود وهبوط قيمة العملات الدولية ضعيفاً. يتابع: مصر علي سبيل المثال تستورد ما قيمته 12 مليار دولار كبضائع من الصين مقابل صادرات توازي 2 مليار دولار فقط، أي أن هناك عجزاً في الميزان التجاري لصالح الصين يقدر بعشرة مليارات دولار، وبعد إدراج عملة اليوان ضمن العملات التي يتم التعامل بها في رسوم تحصيل العبور بقناة السويس سيتم توفير كميات مناسبة من عملة اليوان لاستيراد المنتجات الصينية دون الحاجة إلي تبديلها بالدولار، في استفادة مباشرة من اتفاقية تبادل السلع بين مصر والصين. كما أشار إلي وجود مباحثات تجري حالياً بين الصين ومصر حول اتفاقية لمبادلة العملة بين البلدين بحيث تقوم الصين بمقتضي هذا الاتفاق بإيداع مبالغ محددة من من عملتها في احتياطي البنك المركزي المصري، وفي المقابل تقوم مصر بإيداع مبالغ مالية في بنك الشعب الصيني، وبوجود معدل تحويل ثابت للجنيه واليوان يمكن تجاوز مشاكل التصدير والاستيراد بين البلدين.