علي عكس التوقعات، لم تذهب جائزة نوبل للسلام إلي سكان الجزر اليونانية ولا إلي البابا فرانسيس الأول، ولا إلي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وجميعهم لعب دوراً هاماً ومحورياً في التخفيف من معاناة اللاجئين وخصوصاً السوريين والتهيئة لاستقبالهم في القارة الأوروبية. الجائزة ذهبت للرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس لجهوده في إبرام اتفاق سلام مع متمردي القوات المسلحة الثورية الكولومبية، من أجل إنهاء الحرب الأهلية الأطول في تاريخ أمريكا اللاتينية، وتُعدُّ نوبل للسلام التي حصل عليها سانتوس الجائزة الثانية التي تذهب لكولومبيا في جوائز نوبل عموماً، بعد فوز الأديب القدير جابريل جارسيا ماركيز بنوبل في الأدب عام 1982. اللجنة كسرت تقليداً بتكريم الطرفين المنخرطين في عملية سلام، إذ لم تُمنح الجائزة مناصفة إلي سانتوس وزعيم »فارك» رودريجو لوندونو المعروف ب »تيموشنكو»، وهو ما حدث عام 1978 بمنح الجائزة للرئيس الراحل محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين القاهرة وتل أبيب، وهو نفس ما حدث أيضاً عام 1994 بمنح الجائزة مناصفة للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، إثر توقيع اتفاق أوسلو للسلام، واعتبرت اللجنة أن قرارها لا يشكّل »استخفافاً» ب »تيموشنكو» الذي تجنّب أي سجال في هذا الصدد، موضحاً أن »الجائزة الوحيدة» التي يطمح إليها هي »السلام والعدالة الاجتماعية لكولومبيا». المفاوضات بين حكومة بوجوتا ومتمردي فارك بدأت سرية في النرويج عام 2012 ثم استمرت في كوبا ابتداءً من عام 2013، ووقّع سانتوس وتيموشنكو اتفاق السلام في 26 سبتمبر الماضي، لطيّ نزاع أوقع 260 ألف قتيل و45 ألف مفقود وقرابة السبعة ملايين نازح، ولكن الناخبين الكولومبيين رفضوا الاتفاق بفارق يقل عن نصف نقطة مئوية، في استفتاء نُظِّم الأسبوع الماضي، معتبرين أن سانتوس تساهل مع المتمردين الذين ارتكبوا جرائم كثيرة. سيرة سانتوس وُلِد سانتوس في العاصمة الكولومبية بوجوتا في 10 أغسطس عام 1951، وعمل سابقاً صحفياً وخبيراً اقتصادياً، وتم انتخابه رئيسا في عام 2010، وتقلد أول منصب في عام 1972 عندما قام بتمثيل الاتحاد الوطني الكولومبي لمزارعي البن في منظمة البن الدولية بلندن، وخلال ثمانينيات القرن المنصرم، انضم إلي صحيفة إيل تيمبو التي كانت تملكها عائلته في ذلك الوقت. وتولي منصب وزير التجارة الخارجية في حكومة الرئيس سيزار جافيريا في الفترة ما بين عامي 1991 و1994، ومنصب وزير المالية في حكومة الرئيس أندريس باسترانا في الفترة ما بين عامي 2000 و2002، ومنصب وزير الدفاع في حكومة ألفارو أوريفي في الفترة ما بين عامي 2006 و2009. وخلال فترة أوريفي الرئاسية، وجه ضربات شديدة لحركة فارك، وانتخب سانتوس رئيسا للبلاد بدعم من أوريفي الذي أصبح فيما بعد أشد خصومه، وخلال فترته الأولي كرئيس للبلاد، يذكر لسانتوس عمليته ضد جويليرمو ليون ساينز فارجاس المعروف ب »ألفونسو كانو» الذي قُتِل علي يد الجيش الكولومبي، وفي مناسبات عدة، ذكر سانتوس أنه يريد أن يتذكره التاريخ كرئيس حقق السلام في كولومبيا. جدل سانتوس، الملقب ب »أمير الحرب والسلام»، لم ينجح فعلياً في تحقيق السلام وهو ما أعاد للأذهان وقائع لشخصيات فازت بالجائزة وأثارت الكثير من الجدل حول مدي استحقاقها سواء في السلام أو في مجالات أخري، ففي عام 1953تم منح جائزة نوبل في الآداب لرئيس الحكومة والسياسي البريطاني الأشهر وينستون تشرشل، مع أنه لم يكتب شيئًا في حياته سوي مذكراته عن الحرب العالمية الثانية، ولم تكن ترقي بأي حال من الأحوال إلي أي مستوي إبداعي يستحق التتويج، فاعتبر الكثيرون أن فوز تشرشل مسيساً، والشيء ذاته ينطبق علي الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما الذي حصل علي نوبل للسلام في أكتوبر 2009 أي بعد 9 أشهر فقط من توليه منصبه، وقد خلف هذا القرار دهشة الجميع واستغرابهم، خصوصًا أن أوباما لم يحقق شيئًا يذكر لتحقيق السلام في عدة مناطق ملتهبة من العالم، وهو لم يكمل حتي سنة واحدة من فترته الرئاسية، والطريف أن أوباما نفسه قد عبر عن اندهاشه من هذا الفوز غير المتوقع. أما الواقعة الأشهر علي الإطلاق فكانت عام 1922 حينما فاز الدنماركي نيلز بور بجائزة نوبل في الفيزياء، لأدواره المتعددة في نشأة وتطور فيزياء الكم، وذلك من خلال مسيرته الطويلة التي حققت تدخلات أوسع إلي حد كبير داخل وخارج عالم العلوم الفيزيائية، بينما له واقعة شهيرة حينما كان طالباً جامعياً خرج منها بلقب »أغبي طالب في الفيزياء»، في امتحان الفيزياء في جامعة كوبنهاجن بالدنمارك، حيث جاء أحد أسئلة الامتحان كالتالي: كيف تحدد ارتفاع ناطحة سحاب باستخدام الباروميتر (جهاز قياس الضغط الجوي)؟ والإجابة الصحيحة علي هذا السؤال هي: بقياس الفرق بين الضغط الجوي علي سطح الأرض وعلي سطح ناطحة السحاب، ولكن إجابة نيلز بور استفزت أستاذ الفيزياء وجعلته يقرر رسوبه بدون قراءة باقي إجاباته علي الأسئلة الأخري. وكانت الإجابة المستفزة علي النحو التالي: »أربط الباروميتر بحبل طويل وأدلي الخيط من أعلي ناطحة السحاب حتي يمس الباروميتر الأرض، ثم أقيس طول الخيط» .. غضب المصحح بشدة لأن الطالب قاس له ارتفاع الناطحة بأسلوب بدائي ليس له علاقة بالباروميتر أو بالفيزياء.. تظلم الطالب مؤكدا أن إجابته صحيحة 100% وحسب قوانين الجامعة تم تعيين خبير للبت في القضية وإعطاء كل ذي حق حقه. تقرير الخبير أفاد بأن إجابة الطالب صحيحة لكنها لا تدل علي معرفته بمادة الفيزياء، وتقرر إعطاء الطالب فرصة أخري لإثبات معرفته العلمية وذلك من خلال اختبار شفهي، حيث طرح عليه الحكم نفس السؤال وجهاً لوجه. فكر الطالب قليلا وقال: »هناك عدة طرق لقياس ارتفاع الناطحة ولا أدري أيها أختار»، فقال الحكم: »هيا وأنا كلي آذان مصغية.. هات كل ما عندك»، فأجاب الطالب: »يمكن إلقاء الباروميتر من أعلي ناطحة السحاب علي الأرض، ثم نقيس الزمن الذي استغرقة الباروميتر حتي وصل إلي الأرض، وبالتالي يمكن حساب ارتفاع الناطحة باستخدام قانون الجاذبية الأرضية، وإذا كانت الشمس مشرقة، يمكن قياس طول ظل الباروميتر وطول ظل ناطحة السحاب فنعرف ارتفاع الناطحة من قانون التناسب بين الطولين وبين الظلين، أما إذا أردنا حلاً سريعاً فإننا نذهب إلي بواب العمارة ونقول له سنهديك هذا الباروميتر الجديد هدية إذا قلت لي كم يبلغ ارتفاع هذه الناطحة، أما إذا أردنا تعقيد الأمور فسنحسب ارتفاع الناطحة بواسطة الفرق بين الضغط الجوي علي سطح الأرض وأعلي ناطحة السحاب باستخدام الباروميتر»، وهنا تنفس الحكم الصعداء حيث كانت الإجابة الرابعة هي ما يريد أن يسمعه تحديداً، التي تدل علي فهم الطالب لمادة الفيزياء، بينما الطالب يعتقد أن الإجابة الرابعة هي أسوأ الإجابات لأنها أصعبها وأكثرها تعقيدا. وفي عام 1918 فاز الكيميائي الألماني فريتز هابر بجائزة نوبل لتمكنه من مزج غازي النيتروجين والهيدروجين لصنع الأمونياك سنة 1913 وهو ما أنتج سمادًا نيتروجينيًّا صناعيًّا ساهم بشكل فعّال في زيادة المحاصيل الزراعية الغذائية في العالم، غير أن هابر صنع أيضًا خلال الحرب العالمية الأولي أسلحة كيميائية استعملت لأول مرة سنة 1915 في بلجيكا، إذ قام بتطوير غاز الكلور وتحويله إلي غاز السيناب المميت، وقد انتحرت زوجته كلارا احتجاجًا علي عمل زوجها وتورطه في قتل الآلاف من الضحايا.