قدرا من التفاؤل بثتها تحذيرات وزير الداخلية اللواء منصور عيسوي للضباط المتقاعسين عن أداء واجبهم.. بمعاقبتهم وتقديمهم للمحاكمة.. خطوة تأخرت كثيرا لكنها جاءت علي أي حال لتبعث قدرا من الأمل لتغيير الوضع الأمني الخطير الذي نعاني منه. ويزيدنا أملا أيضا نجاح الداخلية في القبض علي 17 ألفا من المسجونين الهاربين ليبقي 7 آلاف جاري البحث عنهم. لكن وبرغم هذا الأمل وبرغم اتفاق الجميع علي أن للواء عيسوي سجلا ناصعا وتاريخا وطنيا مخلصا.. لكن لاينكر أحد أيضا أن ما ينقصه حقيقة يد حديدية لمواجهة الانفلات الأمني. مازلنا نشعر أن يد الوزير الحريرية في التعامل مع الأزمة لن تؤدي سوي إلي تفاقمها.. قليلا من الشدة والحزم نأمله وننتظره من الوزير خاصة في التعامل مع الضباط المذنبين سواء في حق الثورة عندما قاموا باستهداف المتظاهرين بالرصاص الحي الذي أصاب ما يقرب من ألف في مقتل وشوه آلافا آخرين بعاهات ستظل آثارها دليل إدانة علي وحشية التعامل الأمني مع ثوار لم يطلبوا سوي تغيير نظام قمعي مستبد. مازلنا نحتاج الكثير من وزير الداخلية ليشعر هؤلاء أن دماءهم وتضحياتهم لم تذهب سدي.. مازلنا نحتاج لوقفة أكثر حزما وعقابا أكثر ردعا لكل ضابط وجندي وفرد أمن ارتكب جريمة في حق أي مواطن.. لم نعد نحتمل هذا التباطؤ المميت في مساءلة هؤلاء.. نتساءل لماذا لم يتم فصلهم عن الخدمة؟ ولماذا لايتم تطهير جهاز الشرطة من أمثالهم؟! ولماذا يتوقف العقاب علي مجرد قرار بالنقل لجهات أخري أو أعمال إدانة إدارية لاشك أن أداءهم فيها لن يصب في الصالح العام؟ لماذا لا يتم استئصالهم وتنقية الداخلية من تلوثهم المهني والأخلاقي؟ والأكثر من ذلك كيف نسمح للقيادات المتورطة التي تخضع للتحقيقات بممارسة عملها مع أن المنطق يقتضي إيقافهم عن العمل علي الأقل حتي الانتهاء من التحقيقات. أسئلة كثيرة طرحها الكثيرون منذ شهور.. ولا مجيب.. والخطر أن ننتظر طويلا قبل أن يأتينا الرد الحاسم عليها.. فتأخر الرد معناه أن تظل حالة الإنفلات الأمني بل ومن المتوقع أيضا أن تزداد الحالة سوءا. لن ينصلح حال جهاز الشرطة إلا إذا شعر كل ضابط أن مصر بالفعل تغيرت.. وأن المواطن المصري لن يقبل أي إهانة أو أي محاولة لإهدار كرامته بعد اليوم.. وهذا بالضبط هو جوهر ولب المشكلة.. وليس كما يقتنع وزير الداخلية بأن أسباب الانفلات الأمني هي الهزة التي تعرض لها بعض الضباط وأفراد الأمن بسبب تقديمهم للمحاكمات التي لم تفرق بين من يدافع عن واجبه في حماية أقسام ومراكز الشرطة والمنشآت العامة وبين من تورط في قتل المتظاهرين. وللأسف ليس هذا هو السبب الحقيقي.. ومايجب أن نعترف به جميعا أن عقلية وعقيدة ضباط الشرطة التي تكونت وترسخت لسنوات طويلة هي المسئولة عن تلك الحالة من الانفلات. هذه العقلية التي تميزت بالاستعلاء والتسيد واحتقار وامتهان المواطن والتعامل معه علي أنه مجرم حتي لو ثبتت براءته. لا أحد ينكر السمعة السيئة التي أصابت العاملين بأقسام الشرطة لدرجة أن كثيرين يؤثرون السلامة والابتعاد عنها مهما بلغت درجة المظالم الواقعة عليهم.. ولا أحد ينكر أن جهاز الشرطة لايعمل لخدمة الشعب ولا حتي لخدمة سيادة القانون.. فرغم تغير الشعارات إلا أن الواقع واحد يثبت أن الشرطة طوال عقود لم تخدم سوي النظام وللأسف كانت أداته القمعية لكل معارض أو محتج أو مخالف له. طوال عقود مضت اقتصر دور معظم رجال الشرطة علي تأمين مواكب الرئيس والضرب بيد من حديد علي المعارضين للنظام.. تقلصن دورهم جعل الكثيرين منهم يتناسون أو يفقدون تدريجيا قدرته علي أداء مهمته الأصيلة في حماية الدولة وخدمة مصالح الشعب وليس النظام. حتي يعود الأمن للشارع يجب أن تتغير هذه العقلية.. يجب أن يعي كل ضابط شرطة أن عصر إهدار الكرمة قد ولي إلي غير رجعة وأن أحدا منا لن يقبل أن يهان.. وأن كل مواطن بريء يستحق معاملة آدمية حتي لو ثبتت إدانته. يجب أن يعي كل ضابط أن راتبه يتحصل عليه من الضرائب التي يدفعها المواطن كما أكد اللواء عيسوي في تصريحاته الأخيرة لهم ومن ثم فله كل الحقوق كما أن للضابط أيضا كل تقدير واحترام إذا ما أدي واجبه علي النحو الصحيح بدون تجاوز أو إهانة أو معاملة للمواطنين علي أنهم عبيد كما وصفهم أحد قيادات الشرطة. هذه العلاقة هي المفترض أن تسود.. لكن للأسف مازال أداء بعض رجال وقيادات الشرطة لاتقتنع بذلك.. أمثلة عديدة ابتداء بتصريحات اللواء مجدي أبو قمر مدير أمن البحيرة المستفزة التي وصف بها الضباط بأنهم الأسياد.. ومرورا بما حدث للأستاذ الجامعي الذي تعرض لمكيدة وتآمر بعض ضباط الشرطة بشرم الشيخ ووصل الأمر لتلفيق اتهام له وتحويله للمحكمة العسكرية وكاد ينتهي مصير الأستاذ الجامعي إلي السجن لولا أن تكشفت الحقيقة. وليس بعيدا أيضا ماحدث من قبل أحد الضباط الذي أطلق الرصاص علي سائق التوتوك لأنه تجرأ وطلب إيصالا يثبت قيامه بدفع غرامة مخالفة المرور. ماحدث ومايحدث يثبت أن عقلية الاستعلاء والاستقواء مازالت هي المتحكمة في سلوك وتصرفات الكثير من ضباط الشرطة. والتي ترجمتها بقوة كلمات طالب الشرطة المثالي الذي وصف الضباط بأنهم أسياد الشعب. هذه العقلية لاتريد أن تعترف أن مصر قد تغيرت وأن الثورة لم ولن تنجح في إجبارهم علي تغيير سلوكهم الاستعلائي والعنجهي. وحتي يتأكد هؤلاء من حقيقة ماحدث.. وأن مصر الثورة لن تقبل بمثل هذه التجاوزات.. يجب أن يضرب وزير الداخلية بيد من حديد علي كل ضابط متقاعس عن أداء واجبه أو متجاوز في أداء ذلك الواجب.. يجب أن تكون الرسالة واضحة للجميع أن جهاز الشرطة لايخدم سوي مصلحة الوطن وليس لإرهابه وامتهانه وقمعه.