بالتزامن مع عرضه في جميع عواصم العالم، تشاهد القاهرة أحدث أفلام النجم توم هانكس الذي يحمل اسم »سوللي» من إخراج كلينت ستوود، والفيلم مأخوذ عن أحداث حقيقية وقعت في الخامس عشر من يناير لعام 2009 عندما قام كابتن طيار »تشيسللي سولينبيرجير» الذي يطلق عليه أصدقاؤه لقب »سوللي» بالهبوط بطائرته اضطراريا في نهر هدسون، لينقذ حياة ركاب الطائرة وعددهم 155 شخصًا، لما أدي لاعتباره بطلاً قوميا! إلا أن الشركة المالكة للطائرة بالتضامن مع شركة التأمين قامت بعمل تحقيقات صارمة لاستجواب الطيار ومُساعده واتهام »سوللي» باختيار الحل الذي أدي إلي تدمير الطائرة، مما يعرض الشركة لخسائر مالية جسيمة!! قدمت السينما الأمريكية عدداً لابأس به من الأفلام عن حوادث الطائرات التي تقع نتيجة عمل إرهابي متعمد، أو حادث طارئ، ومعظم تلك الأفلام تولي اهتماما كبيراً بتصوير حالة الذعر التي تدب بين الركاب ومحاولات الإنقاذ التي تأتي في أغلب الأحوال من الخارج، نتيجة تعاون أكثر من جهة لتقليل الخسائر في الأرواح، أما فيلم »سوللي» فيعبر علي الحادث في مشاهده الأولي، دون أن يجعلها تسحب اهتمام أو مشاعر المشاهد، فنحن من البداية نعلم أن الطائرة هبطت بأمان في نهر هدسون دون أن يصاب راكب واحد بأذي، ولكن قيمة الفيلم وأكثر مشاهده إثارة جاءت في مشاهد التحقيقات، التي وضعت »سوللي» ومساعده في موضع الاتهام، من خلال لجنة من المباحث الفيدرالية مع لجنة فنية، لإعادة تمثيل الحادث من خلال متابعة الطيار الإلكتروني، وقياس جميع الاحتمالات، لمعرفة هل اتخذ »سوللي» القرار الصائب بالهبوط بالطائرة علي سطح نهر هدسون؟ أم كان أمامه اختيارات أخري؟ بمعني هل يمكن اتهامه بالتقصير والإهمال وتعريض الشركة لخسائر مادية جسيمة؟ ورغم أن إعادة مشاهد الطيار الآلي أكثر من مرة بوضع جميع الاحتمالات وهي مسائل فنية تقنية قد تصيب المشاهد بالملل، ولكن المخرج قدمها بحرفية مستخدما أداء الممثلين وفي مقدمتهم توم هانكس الذي يعكس درجة من الثبات مع تسلل شيء من الشك في نفسه حول مدي كون قراره صائبا، وهل يمكن أن يعتبر نفسه بطلا قوميا أم أن الإعلام قد بالغ في وصفه؟ ولكن أهم ما قاله وعبّر عنه »سوللي» أن من المستحيل أن تضع أحكاما عن مدي تصرف الطيار الآلي، فنحن لسنا في لعبة فيديو جيم، وعلينا أن نضع في الاعتبار الجانب البشري، وأن لحظة واحدة كان يمكن أن تفرق بين حدوث كارثة تؤدي إلي مقتل أكثر من خمسين شخصا، وبين الهبوط بالطائرة مع الحفاظ علي أرواح المسافرين جميعا!! الفيلم يصوِّر الإجراءات السريعة التي شارك فيها عدة أطراف فور تمكن »سوللي» من الهبوط بالطائرة في عرض النهر الذي كان يقترب من التجمُّد نظراً لأن الأحداث وقعت في شهر يناير، وانطلاق لانشات الإنقاذ والطائرات المروحية لسحب الركاب الذين قفزوا في المياه، بحيث تم كل ذلك في أقل من تسع دقائق! المثير للاهتمام أن حادث الطائرة لايزال عالقا في الأذهان، فلم يمر علي حدوثه أكثر من سبع سنوات، بمعني أن أطرافه جميعا لايزالون علي قيد الحياة، وقد قام المخرج فقط بتغيير أسماء المحققين، حتي لايتعرض أي منهم لاستنكار وانتقاد العامة! فيلم »سوللي» يتمتع بمستوي فني جيد، وقد منحه موقع imdb 7.9 ولا أعتقد أن الفيلم يمكن أن ينافس في جوائز الأوسكار، كما لا أعتقد أن توم هانكس رغم إجادته للدور يمكن أن ينال ترشيحا جديدا، فهناك فرق شاسع في المستوي بين الأفلام التي نال عنها الأوسكار مثل فيلادلفيا وفورست جامب وبين سوللي، شارك في بطولة الفيلم كلٌ من »لورا ليني» في دور زوجة سوللي، وآرون إيكهالت في دور الطيار المساعد. وإذا كان سوللي كشخصية قد دفعه ضميره الإنساني والمهني، لتحمُّل مخاطر اتخاذ قرار قد يعرِّض حياته المهنية للخطر، فإن فيلم الحقيقة الكاملة الذي يلعب بطولته كيانو ريفيز ورينيه زيلويجر، يقدم نموذجا مختلفا لمدي الإحساس بالمسؤولية أو الاستهتار بها لمحامٍ جنائي، يدافع عن مراهق متهم بقتل والده الثري، وتبدأ الأحداث من المحامي كيانو ريفيز الذي يسرد وقائع القضية، من خلال جلسات المحكمة ومحاولاته الدفاع عن الصبي بالتأكيد علي أنه كان ضحية عنف والده الذي اشتهر بالقسوة والعنجهية حيث كان يتعمد إهانة زوجته وابنه علي مسمع ومرأي من الجميع، بل وصل الأمر إلي حد اتهام الأب القتيل بالاعتداء علي ابنه المراهق جنسيا!! مشكلة فيلم »الحقيقا الكاملة» أن السيناريو يكاد يكشف أوراق اللعبة قبل أن تنتصف أحداثه، وخاصة بعد دخول شخصية المحامية الشابة »جوجو مباثا رو» في الصورة، فهي تجسد شخصية محامية جادة وذكية وتتمتع بضمير يقظ وهو ما أدي بها لخسارة عملها أكثر من مرة حتي استقر بها الأمر لأن تُصبح مساعدة للمحامي »كيانو ريفيز»، فتلحظ أن هناك خللاً واضحاً في سرد الأحداث، وتكتشف أن المحامي يخفي أمراً، يخص أرملة القتيل »رينيه زيلويجر»، بل إنها تتهمها صراحة بأنها القاتلة، وأن ابنها الصبي قد وضع نفسه في موضع الاتهام كي ينقذها، ولكن يتبين من تدافع الأحداث أن المحامي هو القاتل، وأنه علي علاقة بالأم! لا تنتهي الأحداث وفق ماتمليه العدالة، لأن القاتل حقّق جريمته دون أن يتعرض للمساءلة، وربما يقع الفيلم في منطقة الوسط، فهو ليس فيلماً عظيماً، كما أنه ليس سيئاً، وأفضل ما فيه هو أداء الممثلين وخاصة رينيه زيلويجر التي عبرت عن مشاعر متباينة رغم كل مافعلته بوجهها. المحامي والطيار في مواجهة الضمير المهني والإنساني!