مسجد الرفاعي من المساجد الكبري في مصر حيث تبلغ مساحته ستة آلاف وخمسمائة متر مربع، سمي بهذا الاسم نسبة إلي الإمام أحمد الرفاعي، الفقيه الشافعي والأشعري والصوفي، والملقب بأبي العلمين وشيخ الطرائق والشيخ الكبير وأستاذ الجماعة، وهو أحد أقطاب الصوفية وأهم أصحاب الطرق فيها، فضلا عن انتهاء نسبه إلي آل البيت، إذ إن جده الأكبر هو الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، والسيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم. يقف المسجد شامخا بجوار مسجد السلطان حسن أحد أهم آثار العصور المملوكية، وعلي الرغم من أن الأخير استغرق ثلاث سنوات فقط لإنشائه، إلا أن مسجد الرفاعي استغرق نحو 40 عاما لكي يتم الانتهاء من عملية تشييده، إذ إن خوشيار هانم والدة الخديو إسماعيل هي التي أصرت علي بنائه، وكلفت أكبر مهندسي مصر -وقتذاك- حسين فهمي باشا بوضع تصميم المسجد ليضاهي عظمة مسجد السلطان حسن، وأوصت بدفنها فيه، وهو ما تم إذ دفن فيه بجوارها الخديو إسماعيل ذاته وبقية أفراد أسرة محمد علي فضلا عن شاه إيران محمد رضا بهلوي. انتهي بناء المسجد الذي تعطل أكثر من مرة في العام 1911م، وقد بني المسجد علي الطراز المملوكي، وتم استخدام مواد بناء مجلوبة من أوروبا خصيصا له، فجاء المسجد مليئا بالزخارف الدقيقة والعمدان العملاقة، وبدأت عملية البناء تجري علي قدم وساق إلي أن توفي المسؤول الأول عن عملية الإنشاء المهندس حسين فهمي، ثم توفيت خوشيار هانم، ما أدي إلي توقف عمليات البناء في المسجد لنحو 25 عاما كاملة، ولم يتم استكمال عملية البناء إلا بأوامر من خديو مصر عباس حلمي الثاني، الذي أمر المهندس ماكس هرتز، ومساعده الايطالي كارلو فيرجيليو باستكمال بناء المسجد، وتم ذلك بدون خرائط المهندس الأصلي، وجاء المسجد بعد إتمام عملية البناء وافتتاحه تحفة معمارية، لكن الغريب أنه لا يحمل اسم أحد أبناء محمد علي، بل خلد ذكري القطب الصوفي أحمد الرفاعي. ولد الرفاعي عام 512 هجريا، وعاش بجزيرة أم عبيدة قرب واصل بالعراق، وتوفي بها العام 572 هجريا، ودفن في ضريحه هناك، أما المقام الذي يجده الداخل من البوابة الرئيسية للمسجد فينسب إلي سيدي علي أبي شباك، وهو أحد أحفاد الإمام الرفاعي الكبير. يقول الشيخ طارق ياسين الرفاعي شيخ الطريقة الرفاعية ل "دين ودنيا"، إن: "طريقتنا تقوم علي العمل بمقتضي الكتاب والسنة ثم أخذ النفس بالمجاهدة والمكابدة وتحمل البلاء، لأن الشيخ الرفاعي كان يقول إن ديننا بلا بدع، وهمة بلا كسل، وأفعال بلا رياء، وقلب عامر بالمحبة، وقد ولد الرفاعي الكبير يتيما وأقام بجزيرة أم عبيدة قرب واصل بالعراق عام 512 ه، فكفله خاله الشيخ منصور البطائحي، والذي أشرف علي تعليمه العلوم الدينية وحفظ القرآن، وهو صغير وكان شافعيا، وتردد علي الأئمة والفقهاء، ومع ذلك حرص علي العمل وكسب قوته بعرق جبينه وزاول كل الحرف حتي لا يكون عالة علي الغير، وفي سن الخامسة والعشرين توفي خاله فولاه خلافة طريقته فأخذ يلقي الدروس في المسجد الكبير بالبصرة، وترك العديد من الأوراد والكتب في مختلف العلوم وتوفي في قرية أم عبيدة سنة 572 ه ودفن في ضريحه بها، ويسمي بأسماء عديدة منها أبو العلمين وشيخ الطرائق والشيخ الكبير. ويتابع ياسين: "أما المدفون في مصر فهو علي أبو شباك الرفاعي بن أحمد الصياد الرفاعي ابن الإمام أحمد الرفاعي فهو أحد أحفاده، وكان أول من دعا إلي الطريقة الرفاعية في مصر هو سيدي أبو الفتح الواسطي، وجاء سيدي أبو شباك ونشر الرفاعية في مصر، ثم توفي سنة 700 هجريا، ودفن في مصر في هذا المكان الذي كان يسمي الزاوية الرفاعية قبل بناء الجامع الحالي، وكانت الزاوية تضم قبور مشايخ الطريقة الرفاعية، مثل سيدي يحيي الأنصاري ومحمد ياسين ثم ابنه محمد ياسين شيخ الطريق الرفاعية، ثم بني المسجد فوق الزاوية الرفاعية". ويضيف الشيخ يسري السيد مرسي، إمام وخطيب مسجد الإمام الرفاعي، متحدثا عن أولياء الله الصالحين بأن لهم كرامات كما أن الأنبياء لهم معجزات، وأن الله تعالي رفع مكانتهم لأنهم كانوا أهل حق وطاعة، وكذلك رفع مكانتهم في قلوب المؤمنين، قال تعالي:(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون)، فهم كانوا صحيحي الإيمان وكانوا من المتقين، وخاضعين لله خضوعا تاما وطاعة كاملة والتقوي كما عرفها إمام المتقين سيدنا علي بن أبي طالب هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل، ولذلك كانوا من المتقين، وقد أكرم الله تعالي بلادنا مصر بوجود هؤلاء الأولياء الذين جعل بوجودهم بركة لأرضها.