بداية نعترف أن وجود مثل هذه الخلافات أمر طبيعي ومتوقع لكن مالم نكن نتوقعه هي تلك السرعة التي تفاقمت فيها حدة الخلاف وتصاعد وتيرتها لتجعل من الجهاد الأكبر الذي ينتظر القوي الثورية بعد نجاحها في الجهاد الأصغر بإسقاط رأس النظام الفاسد ليصبح هذا الجهاد أمرا في غاية الصعوبة. خطورة الوضع الآن تكمن في مفترق الطرق الذي نقف أمامه.. وعلي الاختيار يتوقف مصير الثورة ومصير مصر كلها إما الاستمرار واستكمال المشوار حتي تتحقق كل الأهداف، وإما التقهقر أمام طوفان لايرحم يتزعمه المتربصون والمتواطئون وأصحاب المصلحة في وأد الثورة. نجاح الثورة أو فشلها مرهون بحكمة الاختيار وهو في الوقت نفسه أمانة في عنق الثوار علي اختلاف انتماءاتهم الفكرية والحزبية والأيدلوجية.. وأي محاولة للاستئثار أو القفز علي الإنجاز أو اللعب المنفرد من قبل أي من هذه القوي مهما بلغ حجمها لن يحقق الغرض منها.. ويكون مصير كل محاولة لتصدر المشهد وركوب الموجة مجرد وهم.. فمصر الثورة لاتقبل مثل هذه الألاعيب ومن ثم سيكون مصير من يراهن علي اللعب المنفرد الإقصاء والفشل. أيضا علي الجميع أن يدرك أن الفشل في استكمال مسيرة الثورة سيكون وبالا علي الكل ولن يسلم أحد من تجرع مرارة الهزيمة. ولن ترحم الجماهير المتعطشة لإنجاح ثورتها أياً من هذه القوي مهما كانت حجتها وتبريراتها ومهما برعت في سوق المبررات لغسل يديها من عار الفشل. أدرك جيدا أن ثمة اختلافات بين القوي الثورية.. ظهرت واضحة مع الاستفتاء وانفجرت يوم جمعة الغضب الثانية.. لكن علينا أن ندرك أيضا أن ثمة مكاسب ظهرت في خضم هذا الخلاف لايجب إغفالها.. أهمها ذلك النجاح المبهر الذي حققه المشاركون في تظاهرات جمعة الغضب.. نجاح من المفترض أن يزيد من ثقة هذه القوي التي شاركت ويجعل خطواتها أكثر ثباتا وتأثيراً. علي جانب آخر أسقطت فزاعة الإخوان التي يرفعها البعض مضخمين من قوتهم وقدراتهم التنظيمية. ويصبح من الضروري والحتمي الآن أن يتوقف الجميع ليعيد حساباته وتنظيم خطواته القادمة وفق هذا الواقع الذي فرضته الأحداث الأخيرة التي أثبتت أن الخسارة ستكون من نصيب كل من يترك الميدان. ماحدث فرصة للتوقف والتأمل والتأكد من أهمية إعادة التلاحم لصفوف القوي الثورية والتي يجب أن تتحلي بقدر أكبر من سعة الصدر والأفق وتصبح كتلة واحدة في مواجهة كل التحديات التي تعرقل مسيرة الثورة ولتكون قوة واحدة قادرة علي كسر الأيدي التي تمتد لوأد الثورة وإجهاضها. أعرف أن عودة الأمور إلي ماكانت عليه من تلاحم القوي الثورية يحتاج لقدر من الحكمة والتعقل وربما لن يكون الأمر سهلا في ظل تزايد وتعدد الخلافات بينها، لكني مازلت أراهن علي ميدان التحرير والتلاحم الذي صهر الجميع في بوتقته.. مازلت أراهن علي روح الميدان التي يجب ألا نغفلها ونتناساها يجب أن نتذكر دائما أن الهدف الأكبر الذي ضمنا جميعا هو مصلحة هذا الوطن.. وعليه عقدنا العزم وترفعنا عن كل التجاوزات والمصالح الشخصية.. وتناسينا خلافاتنا واختلافاتنا أمام هذا الهدف الأهم. أكرر نحن نقف عند مفترق الطرق وعلينا أن نجتازه بمهارة.. وأن يتسع صدرنا للنقاش الجاد والعقلاني حول القضايا الخلافية وأهمها صياغة الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ومدي أولوية كل منهما لتحقيق وضمان سير العملية السياسية علي النحو الأكثر صحة ونجاحا علينا أن نصل لنقطة التقاء مشتركة ولا أعتقد أن الأمر علي هذا القدر من الصعوبة الذي يبدو عليه.. فقط نحن نحتاج لإرادة تدفع في اتجاه اجتياز الأزمة.. وبالطبع لن تتوفر إلا إذا صدقت النوايا وتم تغليب مصلحة الوطن. رغم قتامة الصورة لازال الأمل يراودني في استعادة القوي الثورية الود المفقود الآن بينها.. وأري أن ذلك يمكن تحقيقه من خلال الدعوة إلي جمعة الوئام في ميدان التحرير.. فالميدان وحده القادر علي أن يزيل كل قضايا الخلاف.. وفيه فقط وبروح الثوار هناك لاتفسد للود قضية. وثمة نقطة ضوء وسط هذا المشهد القاتم وهو إعلان المجلس العسكري أنه يقف علي مسافة متساوية من كل القوي السياسية.. بالطبع مجرد التصريح لايكفي وننتظر ترجمة ذلك علي أرض الواقع وهو ما يأمله الجميع. مايدفعنا للأمل أيضا هو طرح مشروع قانون مجلس الشعب علي الحوار قبل إقراره.. خطوة من المجلس العسكري تصب في الاتجاه الصحيح الذي طالما نادينا به من رفض القرارات الفوقية وطرح جميع القضايا للحوار قبل أن تترجم إلي قوانين وقرارات.. خطوة في الاتجاه الصحيح.. لن تكتمل بالطبع إلا إذا ما تأكد الجميع أن المجلس العسكري قد استجاب للمقترحات البناءة ولم يتعامل معها علي أنها مجرد كلمات في الهواء.