وجه بسيط يخفي وراءه شخصية جريئة.. قوية، تتسم بصلابة الرأي والقرارات الحاسمة، وفي نفس الوقت تتمتع بقدرة كبيرة علي الإقناع والالتزام والتواؤم مع الآخرين، خاصة منافسيها؛ حتي أن البعض لقبها ب»تاتشر الجديدة» ومنهم من رآها مثل المستشارة الألمانية »أنجيلا ميركل»، بعد أن تم اختيارها لتتولي إدارة شئون البلاد وسط عواصف سياسية عاتية بالخروج من الاتحاد الأوروبي.. أنها »تيريزا ماي» ثاني سيدة تحتل مقعد القيادة في تاريخ بريطانيا بعد المرأة الحديدية »مارجريت تاتشر». وقع الاختيار علي وزيرة الداخلية يوم 11 يوليو 2016 لتكون الساكن الجديد لمقر رئاسة الوزراء البريطانية »10 داوننج ستريت» خلفاً لديفيد كاميرون، بعد أن فازت في المنافسة الداخلية لرئاسة حزب المحافظين بعد استقالة آخر منافسة لها، »أندريا ليدسوم»، لتفوز بنظام التزكية، لرئاسة الحزب ذي الأغلبية في البرلمان، وبالتالي رئاستها للحكومة الجديدة. ومن المعروف عن ماي أنها من المشككين في المشروع الأوروبي إلا أنها أيدت البقاء في الاتحاد كداعمة لحكومة كاميرون فقط دون أن تنشط في فعاليات حملة »البقاء أقوي». وعن خطوات الخروج قالت ماي، إن بلادها تحتاج بعض الوقت للاتفاق علي استراتيجية للتفاوض ويجب ألا تبدأ الإجراءات الرسمية للخروج قبل نهاية العام، وقالت إنها لن تفعل المادة 50 من معاهدة لشبونة، قبل أن تبدأ المفاوضات علي شكل العلاقة بين بريطانيا والاتحاد. إلا أن ذلك سيغضب الشركاء الأوروبيين الذين يطالبون بأن يتم الطلاق بأسرع وقت ممكن. لذا ستسعي سريعاً لإيجاد استراتيجية صناعية، والقيام بدور أكبر للمدن، واتخاذ موقف متشدد من المتهربين من الضرائب، والاهتمام باقتصاد يصلح للجميع. بجانب إجراء مفاوضات تسمح لبريطانيا بالحفاظ ببعض الامتيازات مع جيرانها، لاسيما التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية. وهذا ما أوصاها به رئيس الوزراء السابق »ديفيد كاميرون» بأن تحافظ علي علاقات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي، حيث قال: »نصيحتي إلي خليفتي، التي هي مفاوضة لامعة، علينا أن نحاول البقاء قريبين قدر الإمكان من الاتحاد الأوروبي لمصلحة التجارة والتعاون والأمن». فيما شكل تعيين ماي لعمدة لندن السابق، »بوريس جونسون»، في منصب وزير الخارجية صدمة وتحدياً للمجتمع الدولي، وخصوصاً أن الأخير معروف بتصريحاته المثيرة للجدل وبافتقاره إلي الدبلوماسية واللياقة السياسية. فخلال مشاركته في الحملة التي دعا فيها إلي خروج بريطانيا من الاتحاد، قال جونسون إن الرئيس الأمريكي »باراك أوباما» أراد بقاء المملكة المتحدة داخل الاتحاد لأنه من أصول كينية ويكن عداء موروثا لها. كما شبه الاتحاد بالزعيم النازي »أدولف هتلر». وعقب الإعلان عن تولي جونسون منصبه الجديد، جاءت الاعتراضات من قبل وزير الخارجية الفرنسي »جان مارك أيرولت» قائلاً إن جونسون كذب علي البريطانيين، مشدداً علي أنه بحاجة إلي شريك يتمتع بمصداقية ويمكن الوثوق به. ويري أن اختيار ماي لجونسون دليل علي الأزمة السياسية التي تمر بها بريطانيا بعد التصويت ولكن يجب العمل الآن ليتم خروج بريطانيا من الاتحاد في ظروف جيدة وليس علي حساب المشروع الأوروبي.. وعقب توليها منصبها، اهتمت افتتاحيات ومقالات الرأي لأبرز الصحف البريطانية برئيسة الوزراء الجديدة والتحديات الكبيرة التي تنتظرها داخل وخارج المقر الوزاري للخروج بالبلاد إلي الازدهار والنمو بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي. ففي افتتاحية »الجارديان» التي حملت عنوان »رئيسة وزراء جديدة والمشاكل القديمة ذاتها»، ذكرت أن وجود وجه جديد لن يجعل مغادرة الاتحاد الأوروبي أو عجز الموازنة يختفي، ولهذا تواجه رئيسة الوزراء تحديات رهيبة. وتري الصحيفة أنه سيتعين علي ماي أن ترتاد طريقاً شائكاً لتجاوز كل هذه المخاطر إذا قدر لها أن تبدأ حتي في تطوير الأفكار المثيرة للاهتمام التي بينتها في خطابها الأول والوحيد في برمنجهام. ولدت ماي التي تشغل منصب وزيرة الداخلية في الحكومة البريطانية في أكتوبر 1956 وأكملت تعليمها في مدينة أوكسفورد شمال لندن. تعد ماي واحدة من أكثر الوزراء البريطانيين الذين تولوا لوقت طويل المسئولية في منصب وزارة الداخلية في تاريخ بريطانيا.