في ظل غياب تام للمرشد العام ولكافة أعضاء مكتب الإرشاد حملت مجموعة من شباب الإخوان لواء انتفاضة "بيضاء" لا تصل لحد الثورة أو الانقلاب ضد قادة الجماعة الكبار وضد أجندتها السياسية وتراث السرية والضبابية الذي كانت تنتهجه، كرهاً أو اختياراً، في عهد نظام الرئيس السابق حسني مبارك، فضلاً عن غياب الكوادر الشابة والنسائية عن مراكز صنع القرار الإخوانية وعدم مطابقة رؤي الجماعة الموجهة لأعضائها في الداخل مع خطابها الموجه للرأي العام.. الصوت الجرئ لشباب الإخوان خاطب القيادات عبر مؤتمر "علني" لا يعد فقط هو الأول من نوعه الذي يناقش أمورا داخلية تخص الجماعة علي هذا النحو من الصراحة منذ انطلاق الشرارة الأولي لثورة25 يناير، ولكنه أيضاً ربما يكون الفاعلية الوحيدة في التاريخ الإخواني الممتد لأكثر من ثمانية عقود - بعيداً عن المبادرات الفردية وأطروحات المنشقين أو المراقبين - الذي يوجه سهام نقد لاذعة لمسئولي الجماعة، وصلت لحد الهجوم علي ما أسمته تلميذة "ثانوي" إخوانية "توريث القيادة" في الجماعة، قبل أن يتم تقديم خارطة عمل مفصلة – من منظور شبابي خالص- لمستقبل العمل الإخواني سياسياً واجتماعياً، إلي جانب رؤية واضحة لحزب الجماعة المنتظر "الحرية والعدالة".. "العلانية في النقد أفيد للجماعة".. جهر بها وليد ربيع، شاب إخواني في بكالوريوس هندسة، تعليقاً علي مطالب بعض المجتمعين في مؤتمر "شباب الإخوان المسلمين.. رؤية من الداخل" بعدم الهجوم علي سياسات مكتب الإرشاد أو معارضة تصريحات المرشد والقيادات علي الملأ أو في حضور الصحافة والإعلام.. وهو النهج الذي اتبعته الغالبية العظمي بين الحاضرين، في ظل تأكيد متواصل ومتكرر وصل لحد الرتابة من قبل المنظمين، وفي مقدمتهم محمد ماهر عقل ومحمد القصاص، علي أن المؤتمر لا يمثل ثورة أو انشقاقا من قبل شباب الإخوان داخل الجماعة، وأنه لا يمثل إلا عملاً تطوعياً لم يكلفهم به أحد في التنظيم من أجل "المساهمة في تطوير منظومة العمل السياسي والتنظيمي للإخوان مستقبلاً وشكل العلاقة بين الجماعة وحزبها"، وأن مكتب الإرشاد علي علم بهذه المبادرة و"إن لم يمنح موافقة نهائية عليها" علي حد تأكيد محمد عقل. إصرار منظمي المؤتمر وشريحة كبيرة من الحاضرين علي تأكيد اعتزازهم بالجماعة وب"شرف" الانتماء إليها وعدم الخروج عليها، وتهديد الصحافة والإعلام باللجوء للقضاء في حال تصوير المؤتمر علي كونه ثورة، مثلما دعا صراحة محمد العازولي، ناقد ومخرج بالبيت الفني للمسرح، كان محل انتقاد البعض.. "وكأن علي رأسنا بطحة".. قالها إبراهيم الهضيبي، حفيد المرشدين الثاني والسادس للإخوان حسن ومأمون الهضيبي، بتلقائية وعفوية شديدة. غير أن البعض الآخر التمس العذر لمعاودة وصلات الغرام بالجماعة وتأكيد تقدير شبابها للقيادات من حين لآخر استناداً لذلك الجدل الذي انطلق علي صفحة المؤتمر علي فيس بوك قبل أيام من انعقاده حول هدفه وتوقيته، واتهام البعض للمنظمين بمحاولة "شق الصف الإخواني"، وما تردد عن مهاجمة مكتب الإرشاد للمؤتمر ورفضه ومحاولة منعه وترهيب الأعضاء عبر المكاتب الإدارية لحثهم علي عدم الحضور، ناهيك عن التصريحات الواضحة للدكتور محمد مرسي، المتحدث الإعلامي للجماعة، والتي نشرت علي الموقع الرسمي للجماعة ليلة المؤتمر وجاء فيها "إن مكتب الإرشاد لم يوافق علي أي عرض لتنظيم مؤتمر للحوار بين الشباب ومناقشة أطروحات الجماعة.. كما أنه لم يقر بالتبعية حضور ممثلين عنه".. تصريحات المتحدث الإعلامي القاطعة عن عدم مسئولية الجماعة عن المؤتمر جاءت وللعجب بعد أن جلس المنظمون مع الدكتور مرسي علي وجه الخصوص لإطلاعه علي ورش العمل التي أقاموها تحضيرا له. الأمر الذي يفسر ربما تأكيدات رفيقه في التحدث باسم الجماعة، الدكتور عصام العريان، علي حق الشباب في التعبير عن آرائه. وإذا كان لغياب قادة الإخوان وأعضاء مكتب الإرشاد ما يبرره، كأن تكون الجماعة فضلت عدم ظهور تنظيمين كبيرين لها وسط الشباب حتي لا تحمل علي الإلتزام بأطروحاتهما، أو تجنباً للوقوف موقف المدافع أمام ألسنة شابة حارقة، أواستخدام انتقادات الشباب وسيناريوهاتهم فيما يخص العمل السياسي كخط رجعة إذا ما أرادت العودة فجأة عن العمل الحزبي الرسمي، أو ربما أنها أرادت لعب دور الداعم الخفي "لمؤتمر تمثيلي" لإظهار أنها جماعة ديمقراطية، لكن ما كان مستغرباً هو غياب كل رموز المعارضة والتيار الإصلاحي المعروفين، مثل مختار نوح وإبراهيم الزعفراني وحامد الدفراوي وعبدالمنعم أبو الفتوح، حيث لم يحضر ومن موقع المتفرج لا المشارك سوي هيثم أبوخليل وخالد داود، إضافة لتسجيل الدكتور محمد حبيب، نائب المرشد السابق، لاعتذاره عن عدم حضور المؤتمر حتي لا "يشخصنه أحد" حسب ما أكده محمد القصاص أحد منظمي الحدث. كما لم يقدم كمال سمير فرج، صاحب مبادرة ثورة تطوير الإخوان، أطروحته في المؤتمر مكتفياً بتضمين مبادئها الأساسية والمتمثلة في الفصل بين الدعوي والسياسي وتحويل الجماعة لجمعية دعوية في أوراق المؤتمر. يأتي هذا فيما كان لافتاً حضور أبناء عدد من القيادات الإخوانية المعروفة مثل محمد البلتاجي الدكتور وأحمد سيد نزيلي ومريم إبراهيم الزعفراني إضافة لتوليفة من الشباب الإخواني "العادي" الذي وجهوا بعيداً عن الأوراق والأطروحات الرسمية للمؤتمر انتقادات جريئة للجماعة وقياداتها، كان علي رأسها استمرار غياب الشباب والمرأة عن مواقع ومؤسسات الجماعة الرئيسية، وفي القلب منها مكتب الإرشاد ومجلس الشوري العام، والمطالبة بإعادة إجراء الانتخابات الإخوانية الداخلية الجديدة بشفافية، ناهيك عن مواجهة توريث مراكز صنع القرار لأبناء القيادات الكبار أو المرشدين الراحلين، وضرورة تغيير شعار الإخوان والتخلي عن السيفين الشهيرين حتي لا يرهب المجتمع الجماعة، و"عدم الكذب" علي حد وصف البعض بتغيير المواقف السياسية والتضارب في التصريحات، وتوحيد مواقف الإخوان ورؤاهم في الداخل والخارج، بمعني ألا يقال مثلا للإعلام أن الجماعة تؤمن بالدولة المدنية، فيما يؤكد المسئولون في الشعب والمناطق للأعضاء "أن هذا الكلام للاستهلاك الإعلامي" وأن الجماعة لا تسعي إلا لإحياء الخلافة الإسلامية. أما الأطروحات الرئيسية للمؤتمر فقد نوقشت في ثلاث جلسات، ركزت الجلسة الافتتاحية علي أهم التحديات والمشاكل التي تواجه الإخوان في المرحلة الحالية، وأهمها حتمية مراجعة الهيكل التنظيمي للجماعة، ومراجعة مسألة التوظيف والترقي فيها، وتفعيل دور مجلس الشوري العام كأداة رقابية وحاكمة، إضافة لأهمية تفعيل المحاسبية والشفافية، وعلانية النظام المالي وتحقيق الديمقراطية وتبادل القيادة داخل المستويات التنظيمية المختلفة، وضبط دور الأمانة العامة، وتطوير أقسام التربية، وتفعيل قسم الأخوات، علاوة علي تنمية الفكر النقدي للأعضاء، ووضوح العلاقة مع الآخر الديني والسياسي والموقف من الغرب، وتأسيس اجتهاد فقهي معاصر لقضايا حساسة كمسألة رئاسة القبطي والمرأة للدولة، وقبل كل هذا ضرورة استقلالية الحزب المنتظر عن الجماعة، والانحياز الحقيقي لقضايا الناس العاديين وعدم الانحصار في نطاق مصالح الإخوان الضيقة. فيما خصصت الجلسة الثانية لعرض وجهتي نظر فيما يخص وجهة الحزب السياسية، أحدهما أن تتبني الجماعة مشروعاً وطنياً وإسلامياً شاملاً وكبيراً يعيد القيم للمجتمع، ومن ثم تتحول لجماعة ضغط وإرشاد، علي أن تتبني الجماعة مساندة ودعم عدد من الأحزاب السياسية التي تميل لأفكار الإخوان بصفة خاصة والفكرة الإسلامية الوسطية بصفة عامة، وفي الوقت ذاته تمنح أعضاءها حرية الالتحاق بأي أحزاب يفضلونها. غير أن وجهة النظر الثانية انحازت لضرورة أن يكون للجماعة حزب سياسي واحد هو العدالة والحرية، بشرط تمتعه بالاستقلالية التامة عن مكتب الإرشاد وضمان انتخاب هيئته التأسيسية ورئيسه وتمثيل الشباب والمرأة والأقباط في الهيئة وفي كافة مستوياته التنظيمية. يأتي هذا بينما ناقشت الجلسة الثانية والأخيرة آليات علنية الجماعة وسبل عملها المشترك مع القوي السياسية والاجتماعية الفاعلة في المجتمع، والذي يجب أن يكون من باب المشاركة لا القيادة، بحسب رؤية محمد الجبة، الذي أوضح بأن تبني الإخوان لقضايا ومشروعات قومية واجتماعية مؤثرة مثل محاربة الفقر ومواجهة الأمية هو سبيلهم الأفضل للتواجد علي الساحة بإيجابية وجني ثمار العمل السياسي بعد10 أو 15 عاماً. وبعد مناقشات حية وفاعلة من الحضور خرج المؤتمر بمجموعة من التوصيات التي ركزت علي ضرورة دراسة الأفكار والتوصيات ومناقشتها قبل صدور القرار النهائي فيما يخص الحزب، واستشارة أهل الخبرة والمتخصصين في كل مايخص الحزب وإعادة النظر في كافة التصريحات التي تمنع انضمام أعضاء الإخوان لكيانات حزبية بعيدة عن الجماعة . مع ضرورة أن يكون الحزب متمتعا بوكيلين من غير أعضاء مكتب الإرشاد علي أن يكون أحدهما شابا لا يزيد عمره عن 35سنة. إضافة إلي ضرورة استقلالية النشاط الحزبي عن أي أنشطة تنظيمية أخري بالجماعة والسعي لتأسيس جمعية خيرية للإخوان المسلمين تخضع لوزارة التضامن الاجتماعي. وفي الوقت ذاته فتح حوار واسع بين كافة كوادر وأعضاء الإخوان وعقد الندوات والمؤتمرات واللقاءات النقاشية، إلي جانب إنشاء قسم لشباب الجماعة الذي أنهي مرحلة الجامعة وتشكيل ما يشبه مراكز بحثية يتم الاستفادة بأطروحاتها في صنع القرار الإخواني، وأيضاً إقامة مؤتمرات نوعية بحضور المتخصصين في جميع المجالات من داخل وخارج الجماعة، وتأسيس لجنة متابعة وتطوير تتبني تطبيق آليات المؤتمر وتوصياته. فيما أكد محمد القصاص، أن تلك التوصيات ستوضع بين يدي مكتب الإرشاد والمسئولين في مختلف المستويات التنظيمية إضافة لكافة أوراق المؤتمر ومناقشاته، لتؤخذ بعين الاعتبار قبل بت مجلس شوري الجماعة في مصير حزب الحرية والعدالة رسميا خلال أيام، قبل أن يؤكد محمد ماهر عقل، أن شباب الإخوان ملتزمون بقرار القيادات أياً كان.