وحدات الجيش قامت بتأمين المتظاهرين بعد أن هدأت أحداث ثورة الياسمين في تونس اشتعلت الأوضاع في الشارع المصري بعد أن خرج شباب فيس بوك يوم 25 يناير من عالمهم الافتراضي إلي الواقع علي الأرض ليشعلوا شرارة الغضب العارم في الشوارع ويحولوها لانتفاضة شعبية في ربوع مصر ، الحدث الكبير في وادي النيل أصبح حديث العالم في كل جهاته الأصلية وصار العنوان الرئيسي في الصحافة العالمية والإقليمية والخبر الأول وربما الحدث الوحيد علي شاشات الفضائيات العربية ، ارتبكت حسابات الغرب وثارت المخاوف في إسرائيل والترقب لتداعيات الحدث الكبير عربيا، كما اضطربت أسواق المال والبترول العالمية فمصر صاحبة أقدم الحضارات علي الأرض وكذلك الدور المحوري في محيطها الإقليمي وانعكاساته الدولية تنتفض والملايين تخرج للشوارع والأوضاع مفتوحة علي كافة الاحتمالات ، والجميع يترقبون المشهد الختامي للحدث وإلي أين تمضي مصر في المستقبل القريب والبعيد ؟! لعل من أبرز ردود الفعل علي أحداث مصر ماقاله " أندرس فوج راسموسن " أمين حلف شمال الأطلنطي (الناتو) في مؤتمر الأمن الدولي بميونيخ مؤخرا إن تداعيات الاضطرابات في مصر والشرق الأوسط تضع النظام العالمي علي الحافة ولايمكن التنبؤ بتبعاتها علي المدي الطويل فالثوابت القديمة لم تعد قائمة والألواح الأرضية تتحرك والأمر لم يعد مقصورا علي الاقتصاد وإنما امتد للنظام العالمي بأسره . والفارق الجوهري بين ثورة الياسمين التونسية والانتفاضة المصرية أن الحالة الأولي كانت متعلقة بغياب الديمقراطية والحريات والوضع الاقتصادي المتدهور في عهد زين العابدين بن علي لعدة عقود زمنية وهو ماتشترك فيه بدرجة متفاوتة الحالة المصرية، لكن تأثيرات الحالة التونسية محدودة بالقياس بالمصرية فمصر لها علاقاتها السياسية وتحالفاتها الاستراتيجية خاصة مع الغرب ومصالحه الاستراتيجية معها ومع إسرائيل إضافة لوضعها الجغرافي وتأثيراته علي دورها ومكانتها من هنا فأي اهتزاز داخلي تكون له تداعياته الخطيرة في محيطها الإقليمي والدولي كما أن مصر لها تاريخ طويل مشترك في محيطها العربي والإسلامي ولها مكانتها الروحية تاريخيا فقد عاش بها الكثير من الأنبياء علي أرضها وذكرت في القرآن الكريم في 28 موضعا خمسة منها بصورة صريحة وأخري بشكل غير مباشر كما ذكرت بعض معالمها كسيناء والنيل وأوصي النبي الكريم (صلي الله عليه وسلم) بأهلها خيرا وذادت عن محيطها العربي والإسلامي كثيرا عبر العصور كما قادت الجماعة الوطنية العربية في العصر الحديث وساندت حركات التحرير في المنطقة والمحيط الأفريقي إضافة إلي أنها لاعب رئيسي ومحوري في الصراع العربي الإسرائيلي، لكن الجانب الهام والمشترك بين الحالتين التونسية والمصرية هو في فشل الاستخبارات الغربية في التنبؤ والتحسب لما جري في البلدين وخاصة من المخابرات المركزية الأمريكية وهو ما أربك حسابات الغرب خاصة في الحالة التونسية وبشكل أكبر وأعقد في الحالة المصرية . وفي هذا الخصوص قال "نعوم تشومسكي" المفكر وعالم اللغويات الأمريكي المناهض لسياسات بلاده إن مايقلق أمريكا ليس الإسلام المتطرف ولكن نزوع دولة للاستقلال لأن واشنطن والغرب يتقيدون بالمبدأ الراسخ بأن الديمقراطية حق مشروع طالما أنها تتفق مع أهدافهم الاستراتيجية وحتي مدي معين وقد تخلصت أمريكا من العديد من حلفائها تحت دعوي مناصرة وتأييد حقوق الشعوب كشاه إيران وتشاوشيسكو وماركوس وسوهارتو فما يهم الغرب هو مصالحه الاستراتيجية أولا ومصالح الشعوب تأتي بعد ذلك!! دهشة وصدمة استحوذت أنباء انتفاضة المصريين علي اهتمامات الصحافة العالمية وامتزج تناولها بالدهشة والصدمة فقد كان التصور العام والصورة الذهنية لديها أن الشعوب العربية لاوجود لحركات شعبية يمكنها أن تعبر عن نفسها وتنطلق لتحقيق مطالبها صحيفة لبيراسيون الفرنسية وصفت مايجري بجرأة المصريين الجديدة، التايمز البريطانية رأت أن نظام الحكم في مصر فقد شعبيته وانعزل عن الشعب، كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية وصفت مايجري بإنكسار السد وأن المظاهرات استوحت حركتها من ثورة تونس، وحذرت لوفيجارو الفرنسية من أن المظاهرات تنطوي علي خطر كبير إذا لم تستجب الحكومة لمطالب الشعب، ودعت نيويورك تايمز الأمريكية إدارة أوباما لوضع خطة للتعامل مع المنطقة الشائكة التي تتجه نحو منعطف شديد الخطورة، وتحدثت التايم الأمريكية عن ثورة تحدث عبر فيس بوك وقالت التليجراف البريطانية أن شباب الإنترنت المصريين استطاعوا ترجمة رسائلهم الإليكترونية إلي عمل في الشارع وأنهم أكثر الأصوات انتقادا للنظام ووضعت الصحف العالمية جدولا للمتابعة للأحداث علي مدار الساعة. المنطقة العربية كانت دائما خارج حسابات واهتمامات وسائل الإعلام العالمية إلا فيما يتعلق بالكوارث الطبيعية والبشرية من حروب وفوضي واستبداد وفقر لكنها هذه المرة تعاملت مع ظاهرة ربما من الأحداث الاستثنائية التي يندر حدوثها في هذه المنطقة التي يبدو أنها ستكون محور اهتمام غير مسبوق في الفترة القادمة. أما علي المستوي الرسمي الغربي والعالمي فقد كانت هناك صدمة أخري فيما يتعلق بالحالة المصرية تحديدا ودارت في كواليس الحكم قبل انتفاضة الشعب المصري أحاديث حول عدم تكرار السيناريو التونسي لاختلاف طبيعة الشعبين ونظامي الحكم بهما ولم تنجح أجهزة الاستخبارات الغربية في رصد عامل الشباب وقدرته علي التحرك وحشد الجماهير بالصورة التي جرت خاصة في الخامس والعشرين من يناير الماضي ولذا ارتبكت ردود الفعل الغربية الرسمية ومع تصاعد الأحداث وقدرة هذه الانتفاضة علي الانتشار وتحولها لغضبة شعبية عارمة رأت هذه الأنظمة أنها لن تكون في وضع مقبول بل ومتناقض من شعوبها إذا اختارت الوقوف في صف النظام ولذا جاءت غالبية ردود الفعل من جانب ساسة الغرب أن علي النظام المصري الاستماع لصوت الشعب وتحقيق مطالبه في الديمقراطية والإصلاح السياسي والانتقال السلمي والهادئ للسلطة والتنديد بالعنف المستخدم ضد المتظاهرين والإشادة بسلمية تحركهم لأن المتظاهرين لو وجدوا موقفا مختلفا للغرب الذي يرفع شعارات المساواة والحرية والعدالة ويطبقها وهي نفس الشعارات التي رفعوها في تظاهراتهم وتعد نموذجا يرغبون في الوصول إليه فإنهم سيفقدون الثقة في هذا النموذج ، كما شارك الكثير من الناشطين الغربيين في المظاهرات التي جرت في العواصم الأوروبية والأمريكية تعبيرا عن تضامنهم مع هذه الانتفاضة الشعبية ومن الملاحظ أن الغضبة الشعبية المصرية لم ترفع شعارات معادية للغرب أو لإسرائيل وإنما ركزت علي مطالب الحرية والعدالة الاجتماعية والاصلاح السياسي وهذا ماهدأ من مخاوف الغرب أن تكون مسيسة وأن لها أجندات خارجية وخاصة من الفزاعة المستمرة التي استخدمتها وما تزال الأنظمة العربية وهي سيطرة الإسلاميين علي الحكم وأنه يشكل خطرا علي الوجود والمصالح الغربية في المنطقة العربية لكن ذلك مازال هاجسا لدي الغرب ففي ظل مناخ الحرية التي يمكن أن تتمتع به الشعوب العربية ومع خلفية التدين لدي شعوب المنطقة العربية فإن حدوث ذلك أصبح في الإمكان في المستقبل القريب وليس البعيد. قلق إسرائيلي يسود إسرائيل قلق بالغ في متابعة أجهزة إعلامها وساستها لانتفاضة المصريين فهي تخشي من تبعات الزلزال علي علاقاتها مع مصر وهي تري أنها الديمقراطية الوحيدة بالمنطقة وأن هناك من سيسحب البساط من تحت أقدامها ولذا لم تبد أي تعاطف مع هذه الانتفاضة من قريب أوبعيد لا علي المستوي الرسمي أو الشعبي ثم تحدثوا عن أن عدم الاستقرار سوف يسود المنطقة وتخشي إسرائيل من تزايد عزلتها الإقليمية والدولية وظهور أنظمة عربية تتمتع شعوبها بالقدرة علي محاسبة حكامها والخوف الاكبر من إعادة النظر في معاهدات السلام معها وتغيرمعادلات القوي بالمنطقة لغير صالحها وفي أحدث استطلاع للرأي العام في إسرائيل أكد %99 من الإسرائيليين أنهم سيرون نظاما إسلاميا في مصر وأن تغيير النظام في مصر ستكون له آثاره السلبية علي الدولة العبرية وأسوأ سيناريو تتوقعه إسرائيل هو أن تتحول مصر لمعسكر الأعداء وانتقال العدوي لدول الجوار خاصة أنها تمتعت بعلاقة وثيقة بالنظام المصري منذ توقيع معاهدة السلام وأنها خسرت حليفا استراتيجيا رغم البرود الشعبي وحالة العداء التي لم تخفها قطاعات كبيرة من الشعب المصري تجاه الكيان الإسرائيلي وممارساته تجاه الشعب الفلسطيني ودول الجوار وحرصها علي العبث باستقرار الداخل العربي عبر شبكات الجواسيس والخلايا النائمة التي تعمل لحسابها وتم اكتشاف الكثير منها وتدرك إسرائيل أن الاحتمالات مفتوحة في تغيير السياسات تجاهها إن لم يكن بشكل جذري فسيكون بطبيعة التعامل فلن تكون هناك علاقات دافئة بينها وبين مايسمي بمعسكر الاعتدال الذي سيخفت صوته بعد الانتفاضتين المصرية والتونسية وستكون هناك علاقات عادية وليست تفضيلية في المنظور القريب لكن لاأحد يمكنه التكهن بما ستكون عليه طبيعة العلاقة في المنظور البعيد خاصة أن إسرائيل كما تملك نبوءات مزعومة فإن العرب والمسلمين بما لديهم من خلفية دينية تتحدث عن علو وسقوط لليهود يؤمنون بذلك وسوف يسعون لتحقيقه وقد تحدث اليهود عن سقوط دولتهم في المستقبل القريب. والآثار التي أحدثتها الانتفاضة المصرية لم تقف عند الجانب السياسي بل امتدت للاقتصادي حيث تأثرت بورصات العالم وأسعار البترول في السوق العالمي بشكل كبير حيث تجاوز سعر برميل البترول حاجز المائة دولار لأول مرة منذ عامين وخسرت البورصات العربية أكثر من خمسين مليار دولار وبدأ الحديث عن حركة لتحويل الأموال خارج المنطقة وهكذا تمضي غضبة المصريين لتحدث تغييرا يبدو علي الأبواب سوف ينتقل ككرة النار في المنطقة كي يعيش المواطن العربي في أجواء الحرية فمصر كانت وستظل الدولة صاحبة الدور والمكانة والتي يستمع العالم لها الآن وهي تتحدث عن نفسها.