لا يعرف أبدا قيمة الوطن ومعناه إلا من عاني وكابد سنوات الكرب أقصد الغربة كما كان يسميها أجدادي فيها يعيش الإنسان تعيسا مفتقدا لأشياء هامة مهما أحيط بالأصدقاء والمعارف يتلهف لسماع أخبار الأهل والوطن والاطمئنان عليهم وتمثل له نشرة الأخبار طوق نجاة يعرف منها مايدور ويحدث ببلده بشكل سريع وإذا كان الرسول صلي الله عليه وسلم قال إن في السفر سبع فوائد تعود علي المسافر أهمها المعرفة والتعلم والاستفادة إلي جانب أشياء إيجابية كثيرة فإن الجانب السلبي له في ترك الأهل والترحال إما للعمل أو الدارس أو الهجرة التي باستثنائها يبقي حلم العودة هو الهدف الأكبر فيسعي الدارس للانتهاء من دراسته ليعود سريعا ومن يعمل أيضا باستثناء قلة يصبح العائد المادي لهم هو الأهل والوطن فيموت داخلهم الحنين وتتقطع علاقاتهم بذويهم بفعل سنوات البعد والجفاء أكثر من يتألم بالفراق هي الأم التي تصحو لتجد ابنها أو ابنتها قد سافرا إلي بلاد بعيدة ولاتملك إلا أن تقول لهم تصحبكم السلامة وقد يسافر لعائلة كل أبنائها وتظل الأم تكتوي بنار الفراق وقد يعاني مثلها بعض من الأبناء كل حسب ارتباطه بها لكن أبدا لن يكون مثل شعور الأم وإحساسها بغلبة الشوق وهي تمسح دموعها وتطارد القلق بداخلها وتبعد الشيطان ووسوسته عن تفكيرها وتتجه لله العلي القدير بالدعاء لهم بالعودة سالمين.. هذا ما تفعله الامهات من حولي واحدة سافر أولادها الثلاثة للعمل لأمريكا ونيوزيلاندا والسعودية وأخري سافرت بنتاها إلي جنوب أفريقيا وروسيا وثالثة هي أكثرهم انهيارا سافر ابنها وحفيدها للأرجنتين تبكي إذا تكلمت وتنتحب إذا استمعت لسؤال عنهم من أحد قائلة أعيش ظلام الدنيا.. إذا وقفت تصيبها دوخة تترنح بعدها تجلس أو تنام في شبه إغماءة قد تصل لعدم إدراكها لما حولها نصحها الأطباء مؤكدين بضرورة الالتزام والمحافظة علي تناول العلاج منعا لحدوث تدهور الحالة لم يستطع أحد إقناعها أن الأمر هين وأنه يتسني لها أن تراهم كل يوم وتحادثهم علي النت وكأنهم معها لكنها لاتقتنع بالثورة التكنولوجية الهائلة.. لكنها فقط حين تذكرت أيام غربتها وكيف منْ الله عليها بالعودة والاستقرار ورأت علامات من الرضا علي ابنها جلست بصحبة كتاب الله ضارعة مستسلمة مسلمة بما كتب لها فدخلت السكينة علي قلبها وقالت لنفسها علي بتحمل ألم البعد بالصبر وعلي قدر صبري سيجزيني المولي عز وجل بجمال وحلو اللقاء.