في الندوة التي أقيمت للنجم الأمريكي ريتشارد جير ضيف مهرجان القاهرة السينمائي، إحتشد الصحفيون وكاميرات القنوات الفضائية، وظهرت لأول مرة مجموعة من البودي جاردات ضخام الجثث يحيطون بالنجم الأمريكي الذي حضر الندوة ومعه عزت أبو عوف رئيس المهرجان بينما سبقتهم الممثلة المصرية داليا البحيري التي جلست دقائق بمفردها علي المنصة تذاكر وتحفظ بعض المعلومات عن تاريخ الرجل، وكانت حريصة علي أن تؤكد لريتشارد جير عندما التقته وجلس جوارها إنها تعرف أن اسم أمه دوريس!! وقد ظهرت علامات الدهشة علي الرجل، وكأنه يقول لنفسه ماذا يعني اهتمام أي أحد بمعرفة اسم أمي؟ فهو علي أي حال ليس سرا لأنه موجود في قائمة التعريف بتاريخه وأهم أعماله التي توفرها المواقع السينمائية علي الإنترنت ! ومع ذلك فقد كانت ندوة ريتشارد جير ناجحة للغاية، نظرا لخفة ظل الرجل وبساطته في الرد علي الأسئلة حتي تلك التي تبدو سخيفة! وإن كانت هناك ملاحظة لابد من سردها تتعلق ببعض الزملاء الذين لم يستوعبوا الكثير من الإجابات، ونشروا في جرائدهم معلومات خاطئة، ناتجة عن جهلهم باللغة الانجليزية أو عدم التركيز في الإجابة، ومنها مثلا أن فيلم "شيكاغو" الذي أخرجه روب مارشال عام 2002 ولعب بطولته "ريتشارد جير" مع كل من "كاترين جيتا جونز" و"رينيه زيلويجر" تم تصويره في أربعة أيام!! هل يمكن لعاقل أن يصدق ذلك أو يستوعبه، في الحقيقة أن الرجل لم يقل ذلك بالمرة، وكانت إجابته علي سؤال أطلقه أحد الصحفيين عن ذكرياته عن الفيلم وكيف استعد لتقديم الرقصات والاستعراضات أن قال لم أكن متحمساً في البداية لهذا الفيلم، فقد سبق تقديمه في مسرحية استعراضية، شاهدتها علي أحد مسارح برودواي ولم تعجبني مطلقا، وعندما عرض عليّ وكيل أعمالي سيناريو الفيلم الذي كتبه "بوب فوس" و"بيل كوندون" لم أهتم كثيراً بقراءته لأني من البداية كنت قد قررت عدم المشاركة فيه، ولكن بعد أن تلقيت اتصالاً من المخرج روب مارشال ليعرف رأيي، وجدت نفسي مضطرا لقراءة السيناريو حتي أستطيع ان أخبره بأسباب رفضي له، ولكني بعد أن قرأته وجدت نفسه مبهورا به ، فقد كان يضم كافة التفاصيل الحركية والملابس والاكسسوارات وكل ماشاهدتموه علي الشاشة كان موجودا في السيناريو حتي أني شعرت وكأنني أشاهد الفيلم وشخصياته تتحرك أمامي من خلال السيناريو، وأعجبني دوري بالإضافة لكافة الأدوار والمواقف الأخري، فأعلنت موافقتي في الحال، وكان المخرج قد قام بإعداد الموسيقي وتصميم الرقصات ولم نأخذ وقتا طويلا في التدريب علي الرقص، وجاء تصوير رقصة الكلاكيت التي قدمتها في المحكمة في أربع ساعات فقط، والفيلم نفسه استغرق أربعين يوما لتصوير كل أحداثه واستعراضاته، وهي مدة قياسية حقاً، أما عن سؤال كيف قمت بالاستعداد للرقص والغناء، فما لاتعرفونه أنني بدأت حياتي في الفن الاستعراضي، وكنت أعد نفسي لأن أكون موسيقيا وقمت بتأليف بعض الأغاني والقطع الموسيقية في أيام شبابي ولكن الأمر تغير بالنسبة لي، وبدأت في تمثيل أفلام ذات طبيعة مختلفة ومع ذلك لم أتخل عن عشقي للموسيقي وفنون الاستعراض وكان فيلم شيكاغو فرصة لإحياء مهاراتي في هذا المجال !وطبعا كان لابد أن يسأله أحدهم هل يمكن أن تعود وتقدم مسرحيات استعراضية علي المسرح مرة أخري؟ فجاءت إجابته. أنا دلوقت عندي طفل في العاشرة من عمره، وأحب أن أقضي مع ابني معظم وقتي الفاضي، وأعتقد أن العمل المسرحي يحتاج مني السهر يوميا وهذا سوف يحرمني من مجالسة طفلي، ولذلك أرفض الآن أي عروض مسرحية وعن ديانة البوذية التي يعتنقها وفكرة تناسخ الأرواح التي يؤمن بها قال: أعتقد أن حياة أي كائن لاتنتهي بوفاته، فهناك أشكال كثيرة للحياة ربما لاتفهمها، فالشمس عندما تختفي في مكان ما، فإنها لاتموت ولكنها تظهر في مكان آخر، وهكذا حياة الإنسان عندما يختفي من علي الأرض ربما يذهب لمكان آخر . وعن إيمانه بقضية الشعب الفلسطيني ، وتعاطفه معه قال: أنا في الحقيقة منزعج تماماً من فكرة طرد شعب ما من علي أرضه بالقوة، وهذا ماحدث مع الهنود الحمر في أمريكا وأهالي أقليم التبت ، أنا ضد استخدام القوة في قهر الشعوب وطبعا لا أوافق علي ماصنعته السياسة الأمريكية في العراق لقد كان قرارا غير حكيم لرجل أحمق "يقصد جورج بوش الابن". وسألته عن مشاركته في فيلم "سيمفونية أغسطس" للمخرج الياباني الكبير "أكيرا كيروساوا" فقد كان الدور قصيراً أكثر من اللازم ولايزيد علي مشهدين، وفي رأيي أن الدور لم يكن بحاجة لممثل بقيمة وشهرة ريتشادر جير، فما الذي دفعه لقبوله وهل له اهتمام بالمشاركة في أفلام غير أمريكيه؟ فأجاب: أنا من عشاق المخرج الياباني الراحل أكيرا كيروساوا وقد شاهدت معظم أفلامه، وكنت في زيارة لليابان في سنة 1990 جاءت بعد عرض فيلم امرأة جميلة الذي حقق شهرة كبيرة، والتقيت المخرج الياباني الكبير وطلب مني المشاركة في فيلمه سيمفونية أغسطس ، وأبديت موافقتي من حيث المبدأ وطلبت منه أن يرسل لي السيناريو لقراءته، وكان حريصا علي أن يؤكد أني الوحيد بين نجوم العالم الذي أصلح لأداء هذا الدور! وكرر هذا القول أكثر من مرة، مما أثار حماسي لقراءة السيناريو، وكنت كلما تصفحت أوراق السيناريو أبحث عن الدور الذي يحتاج إلي وجودي فلا أجد شيئا، حتي كدت أنتهي من قراءة السيناريو، وجدت أخيرا دورا لرجل أمريكي من أصل ياباني في مشهدين فقط، وأعدت قراءة السيناريو مرات، وكان الدور لايحتاج إلي مهارة خاصة أو خبرة أو موهبة، وأدركت أن كيروساوا يحتاج لوجود اسم نجم أمريكي ليضمن توزيع فيلمه، في أمريكا والعالم، ووافقت من هذا المنطلق، لأساند تجربة مخرج أحترمه كثيراً، وكان طلبي الوحيد أن يتم التصوير خلال عشرة أيام، لأني كنت مضطرا للعودة لأمريكا في هذا التوقيت، ولست نادما علي المشاركة في الفيلم لأنه من الأفلام المهمة في تاريخ "أكيرا كيروساوا" وكان أيضا فيلمه الأخير! وفي النهاية أكد ريتشارد جير سعادته بزيارة مصر، وأنه حرص علي اصطحاب زوجته وطفله الوحيد معه في هذه الزيارة، وأنه سوف يمضي خمسة أيام لمشاهدة آثار مصر في الأقصر وأسوان لأنها تعبر عن الحضارة الفرعونية القديمة وأن من حُسن الحظ أن ابنه يدرسها ويهتم بها ولذلك حرص علي وجود كاميرا الفيديو كي يصور تلك الأماكن الرائعة ليعرضها علي زملائه وأصدقائه في المدرسة ، بعدها يعود لبلاده محملا بالذكريات الجميلة ومجموعة من الصور والأفلام عن أهم الأماكن السياحية التي شاهدتها في مصر !