احتفالاً بذكرى انتصارات أكتوبر.. فتح جميع المتاحف والمسارح مجانًا للجمهور    رئيس جامعة الزقازيق يتفقد سير العملية التعليمية بالجامعة الأهلية    صور| بداية جديدة لبناء الإنسان .. قوافل صحية وتوعوية لأهالي الشيخية بقنا    المصرية لصناعة الرخام: المجمعات الصناعية بالمحافظات تساهم في الاستغلال الأمثل للخامات الطبيعية    وزير المالية: زيادة مساهمة دور القطاع الخاص يتصدر أولويات الإصلاح المالى والاقتصادى    كراسة شروط مدينة ملوي الجديدة.. سعر المتر 7500 جنيه ومساحات حتى 161 مترا    محافظ الأقصر يبحث شكاوى المواطنين فى اليوم المفتوح    رئيس شركة مياه الشرب بالبحر الأحمر يتفقد محطة اليسر لتحلية المياه    دعما للبنان.. أشرف زكي يعلن عن وقفة تضامنية كبيرة للفنانين    «القاهرة الإخبارية»: وصول 10 شهداء للمستشفيات في المحافظة الوسطى بغزة    مراسل «القاهرة الإخبارية» يكشف تفاصيل زيارة رئيس الوزراء الروسي إلى إيران    اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان: نعيش أوضاعا صعبة.. والعائلات النازحة تعاني    فان دايك: نتمنى التزام كل لاعبي ليفربول مثل محمد صلاح    لأسباب تأديبية.. مدرب باريس سان جيرمان يستبعد عثمان ديمبلي من مواجهة آرسنال    رئيس الوزراء يلتقي وزير الشباب والرياضة لمتابعة عدد من ملفات العمل    ناصر منسي: إمام عاشور صديقي.. وأتمنى اللعب مع أفشة    سرق 2000 جنيه.. ضبط أب عذب نجله حتى الموت بالمطرية    العظمى تسجل 32 وأمطار خفيفة.. درجات الحرارة وحالة الطقس غدًا الثلاثاء على أغلب أنحاء الجمهورية    مصرع شخص دهسته سيارة أثناء عبوره الطريق بمدينة نصر    حبس 3 عاطلين 4 أيام بتهمة سرقة هواتف المواطنين فى منطقة عابدين    3 نوفمبر.. إطلاق مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة بالسخنة والجلالة    «هَنو» يجتمع بأعضاء المجلس الأعلى للثقافة لبحث آليات تطوير منظومة العمل    أفلام السينما تحقق 833 ألف جنيه أخر ليلة عرض فى السينمات    إطلاق جائزة خالد خليفة للرواية    الرعاية الصحية: حملات توعوية بالإجراءات الوقائية لتقليل التعرض للنزلات المعوية في مدارس الصعيد    لا تهمل صحتك.. عادات يومية تمنع الإصابة بالنوبات القلبية    فحص 1299 حالة في قافلة طبية بكفر الشيخ ضمن مبادرة «بداية»    القنوات الناقلة لمباراة النصر والريان في دوري أبطال آسيا 2024-2025 اليوم    تسييم شماسا جديدا في مطرانية القدس الأنچليكانية الأسقفية    وكيل شعبة الكهرباء يحذر: 5 أجهزة في بيتك الأكثر استهلاكا    معهد البحوث: الإكزيما تصيب من 15 إلى 20% من الأطفال عالميا    جريزمان يلاحق ميسي بإنجاز تاريخي في الليجا    جالانت: الجيش سيستخدم كل قدراته العسكرية في مناورة برية وهدفنا إعادة سكان شمال غزة لمنازلهم    النيابة تواجه متهمى واقعة السحر لمؤمن زكريا بالمقاطع المتداولة    وكيل تعليم دمياط يتفقد سير اليوم الدراسي بعدة مدارس    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمحطة تنقية مياه الشرب بمدينة أسوان الجديدة    ريفر بليت يسقط على أرضه أمام تاليريس كوردوبا    الصحة اللبنانية: ارتفاع حصيلة الاعتداء الإسرائيلي على عين الدلب إلى 45 قتيلا و70 جريحا    المؤتمر: تحويل الدعم العيني لنقدي نقلة نوعية لتخفيف العبء عن المواطن    شخص يتهم اللاعب أحمد فتحى بالتعدى عليه بسبب ركن سيارة فى التجمع    نبيل علي ماهر ل "الفجر الفني": رفضت عمل عشان كنت هتضرب فيه بالقلم.. وإيمان العاصي تستحق بطولة "برغم القانون"    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تستعرض جهودها في ترجمة الثقافات العالمية عبر 12 لغة    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    بعد واقعة مؤمن زكريا.. داعية: لا تجعلوا السحر شماعة.. ولا أحد يستطيع معرفة المتسبب فيه    ضبط شخص متهم بالترويج لممارسة السحر على الفيسبوك بالإسكندرية    فؤاد السنيورة: التصعيد العسكرى فى لبنان ليس حلا وإسرائيل فى مأزق    «المالية»: إطلاق مبادرات لدعم النشاط الاقتصادي وتيسيرات لتحفيز الاستثمار    انطلاق أولى جلسات دور الانعقاد الخامس لمجلس النواب.. غداً    ضبط 1100 كرتونة تمور منتهية الصلاحية بأسواق البحيرة    نائب الأمين العام لحزب الله يعزي المرشد الإيراني برحيل "نصر الله"    بالصور.. محافظ أسيوط يجلس على "ديسك" مع طالبات في مدرسة المطيعة الثانوية المشتركة    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 30-9-2024 في محافظة قنا    أمين الفتوى: كل قطرة ماء نسرف فيها سنحاسب عليها    بعد خسارة السوبر الأفريقي.. الأهلي يُعيد فتح ملف الصفقات الجديدة قبل غلق باب القيد المحلي    «القاهرة الإخبارية»: أنباء تتردد عن اغتيال أحد قادة الجماعة الإسلامية بلبنان    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحنا اللي حفرناها

"أمامكم عام واحد فقط"، هكذا قال الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ نحو سنة، مطالبًا بإنجاز عمليات الحفر في قناة السويس الجديدة في مدة لا تتجاوز العام، أراد الانتهاء من عمليات الحفر التي بدأت في أغسطس الماضي سريعا، ما قاله تم تنفيذه بأياد وسواعد مصرية، كشف العامل المصري عن معدنه الحقيقي وأعلن تصميمه لتنفيذ عمليات الحفر والانتهاء من تجهيز القنال الجديدة أمام الملاحة الدولية في زمن قياسي.
العامل القادم من القري والنجوع، من قلب الدلتا ومن أقصي الصعيد، عزف سيمفونية خاصة علي أنغام السمسمية، العامل المصري الذي تم اتهامه بالكسل وقلة الإنتاجية والتهرب من مهام العمل علي مدار سنوات وعقود، عرف كيف يعيد اكتشاف نفسه، وكيف يبدد الاتهامات تباعًا، فساعات الليل متصلة بساعات النهار من العمل الشاق في ظروف صعبة، لكن تكاتف الجميع بداية من الشركات المنفذة للمشروع مرورًا بالمقاولين والمهندسين وليس انتهاء بالعمال، أكد للجميع أن المصري يستطيع.
قصص البطولة التي سطرها العمال في عملية الحفر تستحق أن تسجل وتخلد سواء بإقامة متحف يضم أعمال العمال وأسماءهم وقصص كفاحهم، ليتصل الحاضر بالماضي، فما جري من أعمال لا تقل بأي حال من الأحوال عن كفاح المصريين في حفر القنال القديمة التي افتتحت سنة 9681، فالتاريخ ينصف العمال الذين تخلي عنهم الجميع لفترات، والمهندس المصري أكد أنه لا يقل كفاءة عن نظيره الأوروبي أو الأمريكي، والجميع أثبت أننا لا نريد أكثر من فرصة وقيادة واعية مخلصة تدفع في الطريق الصحيح لينطلق إبداع ابن النيل، الذي قهر المستحيل في تنفيذ المشروع في زمن قياسي، كما قهر اليأس والإحباط وسط هجوم من جهات خارجية لا تريد لمصر إلا كل سوء، أشاعت الكثير من الأنباء المحبطة حول فشل المشروع.
فالتاريخ والوثائق تلتزم الصمت أمام قصص كفاح العمال الذين حفروا القنال الأولي علي مدار عشر سنوات، كانت في معظمها سنوات شقاء وعذاب للمصريين، بعدما تحكم فيهم الأجنبي والمستعمر، تم تجاهل أعمال السخرة التي أدت لوفاة العشرات من العمال، الذين لف قصصهم الصمت، فيما حظي المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس، بالمجد كله، وخطف الأضواء من العمال الذين رووا القنال بدمائهم وعرقهم، الآن يبدو الوضع مختلفا فالقصص تسجل والتاريخ يجلس ليسجل كل همسة، فالقنال هذه المرة مصرية يشرف عليها أبناء الأرض السمراء من مهندسين وعمال ومقاولين، يحتفظون في الذاكرة بالكثير من لحظات المجد والفخر.
القصص كثيرة، نماذج منها تكفي لتعبر عن الروح السائدة بين العمال والمهندسين والمقاولين الذين شاركوا في ملحمة الحفر، "آخر ساعة" تشاركهم فرحتهم، بعرض بعض قصص كفاحهم.
لم أر مولودي الأول
محمود شكري، سائق إحدي عربات نقل الرمال من أبناء مدينة منشية القناطر، روي قصته ل"آخر ساعة" قائلا: "أخذنا كلام الرئيس السيسي كتكليف رسمي لا يمكن التخاذل أو التهاون فيه، واصلنا الليل بالنهار، ورفضنا الإجازات الطويلة، حتي إجازة عيد الفطر رفضناها، وقررنا المواصلة في العمل لإنجاز عمليات الحفر في الموعد المناسب"، وتابع: "روح العمل كانت أكثر من ممتازة كنا نأكل من نفس الطبق، لا فرق بين عامل أو مهندس، اتفقنا جميعا علي الإنجاز في الوقت المحدد"، وأشار إلي أن "أهالينا يقدرون حجم التضحية، لذلك لم يعترض أحد علي غيابنا الطويل".
وأكد شكري أن "الجميع هنا يوفر لنا كل ما نحتاج إليه في شتي الأمور ونعمل علي قلب رجل واحد ليشهد العالم علي عظمة جيلنا كما شهد علي عظمة أجدادنا الذين قاموا بحفر القناة الرئيسية، لذلك لم أذهب إلي بلدتنا عندما وضعت زوجتي مولودنا الأول، تفهمت عدم إمكانية حصولي علي إجازة ودعت لي بالتوفيق".
وقال شكري إن المشاركة في أعمال الحفر والإنشاءات في ظروف مناخية غير مواتية مع ارتفاع درجة الحرارة في فصول الصيف، لم يؤثر في عزائم الرجال الذين تكاتفوا فيما بينهم من أجل إنجاز العمل، خصوصا أن روح الألفة والتعاون كانت سائدة في جميع مراحل العمل بين الجميع علي مختلف مستوياتهم.
المهندس عبدالفتاح خالد: الحدث الأهم في حياتي
لم يكن يعرف أنه علي موعدٍ مع الحدث الأهم في حياته، حتي قرأ إعلاناً في إحدي الصحف عن احتياج هيئة قناة السويس إلي مهندسين للمشاركة في مشروع حفر القناة الجديدة. بادر بتقديم أوراقه ليجد المهندس عبدالفتاح خالد نفسه بعد أيام علي أرض القناة، مشرفاً علي المنطقة الخامسة بالمشروع، ومسؤولاً عن أعمال التكريك بالموقع الممتد من الكيلو 66 - 67 الذي يقود فيه كتيبة من 052 عاملاً.
ثمانية أشهر هي المدة التي قضاها بعيداً عن أهله، في رِحاب القناة الجديدة منذ بدء أعمال الحفر المائي. كان يشعر أنه مجندٌ في مهمةٍ قوميةٍ ستشقُ لمصر طريقها صوب المستقبل. ومع كل شمسٍ جديدةٍ تُشرق علي القناة يوقظ أمله في تحقيق الحلم الذي كنّا نظنه مستحيلا، ورغم الظروف الشاقة التي واجهها في موقع العمل مشرفاً علي العمال ملتحماً بهم، لم يفقد يقينه في قدرة العمال علي إتمام حفر القناة الجديدة قبل الموعد المحدد لها. ولم يمسح التعب عن جبينه غير صوت صافرات السفن العملاقة وهي تعبر القناة في التشغيل التجريبي لها، لتكون بمثابة إعلان عن نجاح المشروع.
يفخر المهندس عبدالفتاح بأنه كان أحد المشاركين في حفر القناة الجديدة، ولا يثق في قدرته علي وصف المشاعر التي امتلأ بها خلال هذه التجربة الفريدة. يحكي عن الصعوبات التي واجهتهم أثناء عمليات التكريك: كان أمامنا تحدٍ هائل في التخلص من ناتج الحفر، من خلال إعادة تأهيل أحواض الترسيب القديمة وإنشاء أحواض جديدة لتستوعب هذا الكم الكبير من مخلفات الحفر، دون أن نتسبب في أي خسائر مادية أو بشرية للأهالي المحيطين بالقناة الجديدة، خاصة سكان قرية الأبطال والقري المجاورة لها، فنتاج الحفر كان بإمكانه ردم هذه البيوت لو لم نتحر الدقة الشديدة في تصريفه، وإعادة تدويره في الأحواض لتعود المياه إلي القناة دون أن تمتلأ هذه الأحواض.
محمد رشاد: كُنا سواسية في العمل
شاب مثله، ربما لا يزال جالساً علي القهوة يفكر كيف يبدأ حياته. لكن محمد رشاد لم ينتظر طويلاً؛ حين سمع صافرة بدء العمل بالقناة، شجع من يعرفهم من العمال وأصحاب المعدات للمشاركة؛ "كنت حاسس إن فيه حاجة كويسة مستنيانا"، وقد كان، يكفي أنه يشعر بالفخر، وأنه حقق أول إنجاز، وهو في العشرين من العمر.
يقول: "كنت أصغر عامل في القناة، وأخذت شهادة تقدير من المهندس المُشرف علي الموقع اللي اشتغلت فيه.. قبل القناة كنت خايف اني ماوصلش، لأن مش معايا شهادة، لكن دايما كان طموحي كبير، واشتغلت في مصانع كتيرة، لحد ماجت الفرصة، كفاية إن أبويا يفتخر بيا وسط الناس، ويردد (محمد ابني شغال في القناة)".
تولي محمد مهمة نفي الشائعات التي يتم تداولها عن القناة، بين البسطاء من أهله وجيرانه، أحدهم سأله إن كان حقا يظهر لهم ثعابين، وإن كان المشروع حقيقيا من عدمه. وفي الإجازات يحكي لهم ما تم إنجازه من الحفر، وينقل لهم الروح السائدة بين العمال، خلال الأربعة أشهر التي قضاها هناك، كسائق لودر.
يضيف أنهم لم يتوقعوا الانتهاء من العمل في الموعد الذي تم تحديده، لذلك عملوا ليل نهار، ولم يكن هناك رفاهية، الكل يعمل ويتعاون، هناك فقط كان المسئول وأصغر عامل سواسية أمام الحفر. في المقابل حرصت قيادات مشروع القناة علي أن يوفروا لهم كل الاحتياجات، من معدات وأدوات وسيارات. قائلا: "القناة كانت نجدة، لأن الشغل كان واقف، وكان معانا عمال من كل المحافظات".
عمر كامل:
مستعد أحفر قناة ثالثة
الخوف من المخاطرة، وتحمل المسئولية، جعلت عمر كامل (43 عاماً) يتردد في المشاركة في حفر القناة، فهو صاحب مُعدة يعمل معه عدد من العمال، لكن "وقف الحال" حينها وعدم وجود بدائل، دفعته إلي حسم الأمر، أن يذهب إلي السويس بصحبة زملائه أصحاب المُعدات، الذين لم يتصوروا أن العمل هُناك سيغير حياتهم، إذ قضوا هناك ثمانية أشهر حُفرت في ذاكرتهم أبدا.
"لأول مرة أشعر أني أقوم بعمل مُفيد، وأني سعيد، وأني فخور بنفسي" يقول عمر، الذي كان يحفر في أصعب منطقة، وهي نقطة التقاء القناة الجديدة بالقديمة.
سأحكي لأحفادي ما رأيته، سأخبرهم أني شاركت في عمل وطني، وأني حملت الرمال التي ارتوت من دمائنا، إحساس لا يوصف". عاد عمر لحياته في منطقة البدرشين بمحافظة الجيزة، ولعمله في مصانع الطوب بحلوان، لكنه يحلم بأن يشارك في مشروعات قومية جديدة قائلاً: "مستعد أحفر قناة تالتة".
بدر خليفة: تركت التدريس
كغيره من خريجي الجامعات، لم يعمل بدر خليفة (63 عاماً) بشهادته، وهو الحاصل علي ليسانس آداب قسم تاريخ، وفضل أثناء دراسته أن يلتحق بأي مهنة كي يزيد من دخله، وصار سائق لودر، ضارباً بنظرة المجتمع عرض الحائط. يقول: "حمدت ربنا إني لم أعمل كمدرس، لأني حينها لن أفكر في المشاركة في حفر القناة".
عمله بين أناس قد لا يحمل منهم أي مؤهل علمي، يعطيه مكانة مميزة، حيث يحترمه الجميع، ويقدره، ما يشعره أن اختياره أن يكون عاملا لم يكن خطأ. يضيف: "الآن أستطيع أن أقول بعلو صوتي إني عامل، شاركت في عمل وطني لن يتكرر، إذ ارتفعت معنوياتي الأيام الماضية، ولم أكن أتصور أنني سأواصل، فالعمل كان أصعب مما تخيلت".
ثلاثة أشهر، المدة التي قضاها في القناة، تخللها ليالي سمر، كانوا يشدون فيها الشعر، والأغاني الوطنية التي تدب فيها الحماس، وكان منهم من يجيد مواهب كثيرة، مثل تقليد المشاهير. ما هون عليهم المشقة، والبعد عن الأهل. يقول: "كنا سعداء، ونشعر أننا نجاهد في سبيل الوطن".
أشرف سيد: اللي ماكملش في القناة.. كسول
لا يغفر أشرف سيد (73 عاماً)، أحد أصحاب المعدات، لأي عامل أصابه اليأس، أو لم يستطع تحمل مشقة الحفر قائلاً: "اللي ماكملش في القناة كسول"، بل يتهمه بأنه لا يريد أن يصبح شيئاً، وأنه أضاع علي نفسه فرصة لن تعوض ثانية. وكان يحاول أن يقوي من عزيمة الكثيرين، تارة بأنه يقوم بعمل وطني، وتارة بأنه يعمل لأجل أبنائه.
"احنا تعبنا أوي، مكناش بنام الليل، وكان الضغط كبيرا علينا، والحفر كان صعبا" يواصل أشرف، الذي يملك سيارة نقل، رأس ماله الوحيد، الذي كان يشرف علي العمل، هو وباقي أصحاب المعدات، إذ اصطحبوا حوالي 51 سيارة من القاهرة، وكانوا مسئولين عن صيانتها وعن عمالها. يضيف: "قضيت صيفا وشتاء هناك، وكنا في أصعب منطقة، في الكيلو 84 وبعيدين عن المنصة، لذلك كنا نطلق علي أنفسنا العمال الغلابة".
يتذكر: "كانت تحدث إصابات لبعضهم، ولن أنسي عندما كانت إحدي العربات انقلبت علي لودر، وتعرض السائق لكسر شديد في ساقه. وتحملت إحدي الشركات المشرفة علي الحفر مهمة علاجه ونفقاته.
المهندس خالد الغاوي:
خسرت وظيفتي لأجلها
كان يؤمن أن المشاركة في حفر قناة السويس الجديدة واجبٌ وطني، ونداءٌ لا يملك إلا أن يلبيه بقلبٍ مفعمٍ بالعزيمة والإصرار علي تحويل الحلم إلي حقيقة. لم يكن ليفوّت علي نفسه تجربةً يراها الأعظم في حياته الشخصية والمهنية. 02 ديسمبر تاريخٌ يذكره المهندس خالد الغاوي جيداً، فأول يومٍ تطأ قدماه أرض القناة كان آخر يومٍ له في وظيفته بإحدي شركات البترول، والتي تركها ليلحق بكتائب العاملين بمشروع حفر القناة الجديدة، ضمن الفريق المسؤول عن أمن وسلامة بيئة العمل بالمشروع. فخبرته في مجال السلامة والصحة المهنية لأكثر من ثمانية سنوات كانت تؤهله لمهمةٍ شاقة، كان يعرف سلفاً أنها تتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة والتضحية كونه مسؤولاً عن أرواح آلاف العمال.
لا ينسي المهندس خالد وجوه العمّال الذين التحم بهم طوال فترة عمله بالمشروع، والذين شدّوا الرحال إلي القناة الجديدة من جميع محافظات الجمهورية، وعربات النقل واللوادر التي كانت تتحرك في مواقع العمل كالنمل لا تقف دقيقة واحدة. لم يكن يشغله غير إتمام المشروع دون أي خسائر أو حالات وفاة في أوساط العمّال.
عصام تيسير :
أول نقطة مياه مرت من عندنا
"أشعر أنها بدايتي الحقيقية". هكذا قال المهندس عصام تيسير (73 عاماً)، مدير موقع القناة في شركة السر العربي بالكيلو 06 وهي منطقة التواصل بين القناتين القديمة والجديدة، عن مشاركته في الحفر، التي كانت بمثابة تحد له.
يضيف: "لم نصل إلي أي لحظة إحباط، وكان العمال يتساءلون هل سننهي المشروع في عام واحد، ويجيب القيادات بالإيجاب، وعندما أتت أول كراكة إلي الموقع زاد من يقينهم، وصاروا يهلّلون لأكثر من نصف ساعة.. وكانت أيضاً أول نقطة مياه تمر في القناة الجديدة من موقعنا، حينها كأننا نحن من ارتوينا". لافتا إلي أن الاستماع اليومي للمشكلات والملاحظات كان فارقاً في سرعة الإنجاز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.