المصريون يعيدون اكتشاف الطائرة رافال من جديد"، هكذا علقت صحيفة "لوموند" الفرنسية اليومية علي زيارة وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان، الذي حضر للقاهرة، أول من أمس (الاثنين)، لتوقيع عقد يتم بموجبه بيع 24 طائرة مقاتلة من طراز رافال إلي القاهرة. تلك الطائرة ذات المحركين والتقنيات بالغة التطور والتعقيد، ولديها قدرات فائقة في التخفي من الرادارات، والتي دخلت الخدمة في سلاح الجو الفرنسي عام 1988، رغم تكاليف إنتاجها وصيانتها باهظة الثمن، إلا أن الحكومات الفرنسية المتعاقبة كانت تصر علي اعتمادها العمود الفقري لسلاح الجو، الذي يجب الاستمرار في تصنيعه حتي وإن لم يكن هناك حاجة ماسة لكل ما به من تقنيات. وإذا كان أكثر من رئيس فرنسي فشل في بيع وتسويق الرافال خارج بلاده، بدءاً من شيراك ومروراً بساركوزي، وحتي الرئيس الحالي فرانسوا أولاند، فإن النظرة إلي الرافال تغيرت كثيراً بعد أدائها المبهر في حروب (أفغانستان، مالي، ليبيا، وكوت دي فوار)، وكان خبراء عسكريون أرجعوا فشل الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، في بيع الرافال لسويسرا وسنغافورة والبرازيل إلي الطبيعة الجيوسياسية لتلك الدول حيث إنها لا تخوض معارك حربية من أي نوع، بينما الحاجة للرافال تبرز في المناطق القتالية ذات التضاريس الوعرة، ورافال هي سادس طائرة حربية تنتجها مصانع (داسو) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، علما بأن الشركة تنتج موديلا جديداً بمعدل كل عشر سنوات أو أقل، وكانت باكورة إنتاجها الطائرة (أورجان) عام 1949، ثم الطائرة (ميراج 3) عام 1956، ثم (ميراج4) عام 1964، ثم (ميراج إف 1) 1973، ثم (ميراج 2000) عام 1984، وتم تصنيعها جميعاً في مصانع (مارسيل داسو) المهندس والسياسي الفرنسي مؤسس مجموعة داسو للطيران، المولود في 22 يناير 1892، والمتوفي 17 أبريل 1986. تعني الرافال بالفرنسية عصفة الريح لا أحد يعلم لماذا اختار مارسيل داسو هذا الاسم تحديداً، ولكن المؤكد أنه توفي بعدما أتم كل الاستعدادات لإنجاز المشروع، ولم ير الرجل الطلعة التجريبية الأولي للطائرة التي كانت في 19 مايو 1991. وكانت البداية برغبة إنجليزية إيطالية ألمانية من جهة وفرنسية من جهة أخري، في إيجاد خليفة للطائرة البريطانية (تورنادو) للبعض، أما البعض الآخر فكان يريد خليفة للطائرة (ميراج)، وكان العسكريون في لندن وبرلين وروما يستخدمون الطائرة التورنادو ذات المحركين في مهام جو - أرض، وأرادوا تطويرها لمهام جو- جو، بينما أصر العسكريون الفرنسيون علي تطوير طائرة ثلاثية المهام: جو- جو، جو- أرض، وجو- بحر. كان الفرنسيون يهدفون إلي أن يكون لديهم طائرة تحل محل السبع طائرات الموجودة لديهم بسلاح الجو بحلول عام 2010، علي أن تشتمل تلك الطائرة علي كل مزايا الطائرات السبع وهي (جاجوار، سوبر إيتاندار، كروزادير، ميراج إف 1، وميراج 4)، ونسختي ميراج 2000، مع تزويد الطائرة الجديدة (الرافال) بميزة الهبوط والإقلاع فوق حاملة طائرات. في البداية، اتفق الفرنسيون والبريطانيون علي إسناد مهمة تصميم هيكل الطائرة لشركة داسو، ولكن الخلاف نشأ حينما أصرت لندن علي إرساء حق تصنيع الموتور لشركة «رولز رويس» الإنجليزية، بينما اعترض الفرنسيون علي استبعاد شركتهم المعروفة (سنيكما)، من هنا انفضت الشراكة بين الأوروبيين رسمياً عام 1985، وتم تدشين مشروع إنتاج الرافال رسمياً في 21 أبريل 1988، بهدف أن تكون الطائرة في الخدمة بعد ذلك التاريخ بعشر سنوات، ولكن داسو أعلنت أنه بمقدورها إدخال أول طائرة للخدمة عام 1996. كان الفرنسيون يستهدفون إدخال 320 طائرة رافال لسلاحي الجو والبر، بدلا من 687 طائرة من طرازات مختلفة، ولكن مشروع رافال توقف فجأة عام 1995 إثر قيام وزارة الدفاع الفرنسية بتخفيض نفقاتها عقب انهيار الكتلة السوفيتية عام 1991 ونهاية حقبة الحرب الباردة، لذا تم تسليم أول نسخة من الرافال للجيش الفرنسي عام 2006، ونفس هذا التأخير حدث في بلدان أخري، حيث تأخر تسليم طائرات إف 22 الأمريكية لسلاح الجو لمدة 20 عاماً، علماً بأن تصنيعها بدأ عام 1986، وليس ذلك فقط بل إن الحكومة الفرنسية خفضت عدد الطائرات من 320 إلي 225 عام 2013. النقاشات في فرنسا امتدت إلي تكلفة صنع الطائرة من جيب دافعي الضرائب، وبحسبة دقيقة أكدت صحيفة لوموند أن تصنيع الرافال كلف كل دافع ضرائب في فرنسا 500 يورو علي مدار 30 عاماً بواقع 16 يورو في العام وفي المقابل عمل داخل المشروع 7000 شخص، إضافة ل500 شركة من الباطن، بينما في الولاياتالمتحدة فإن تصنيع الطائرة إف22 كلف كل دافع ضريبة أمريكي 5000 يورو علي مدار 30 عاماً أي 10 أضعاف نظيره الفرنسي. غياب الطلب الخارجي علي الرافال لفترة طويلة، دفع الحكومة الفرنسية إلي الالتزام بشراء 11 طائرة سنوياً، من ناحية للاقتناع التام بالقدرات القتالية للطائرة ذات التكنولوجيا المتطورة، ومن ناحية أخري لحماية الصناعة الوطنية والحفاظ علي كبرياء فرنسا العسكري، وطبقاً للخطة العسكرية للفترة ما بين 2014و2019، المنشورة علي موقع وزارة الدفاع الفرنسية، فإن سلاح الجو لن يشتري سوي 26 طائرة من مصانع داسو، بينما الشركة ستنتج 66 طائرة، أي أن باريس ستبحث عن مشتر ل40 طائرة خلال السنوات المقبلة، وتشير الأخبار المنشورة في الصحف الفرنسية إلي أن 5 دول تشجعت علي اقتناء الرافال بعد نجاح الطياريين المصريين في التدرب عليها بشكل فاق التوقعات، وهذه الدول هي الكويتوماليزيا وبلجيكا وقطر(بواقع 36 طائرة) والهند(بواقع 126 طائرة)، وعلي موقع وزارة الدفاع الفرنسية أيضاً يمكننا أن نعرف أن الرافال ستخرج من الخدمة نهائياً عام 2040، حيث يخطط الفرنسيون من الآن لمقاتلة بدون طيار.. مشروع ستكون شركة داسو ضالعة فيه بشكل كبير أيضاً.