حضارة مصر.. وتزوير التاريخ الفرعوني.. والتشكيك في رجولة ملوك القدماء المصريين، محاولات لن تتوقف.. فبعد المزاعم اليهودية بأنهم بناة الأهرامات خرجت علينا أكذوبة أخري وتخريفة من علماء الغرب المهتمين بتشويه تاريخنا مفادها أن تحليل الحامض النووي (DNA) أثبت أن الملك الفرعوني توت عنخ آمون كان مشوهاً ويتمتع ببنية أنثوية، هذه الدراسة التي أغضبت علماء الآثار المصريين لم تكن الأولي عن الملك الشاب، ففي العام الماضي نشر خبراء في مجال الجينات الوراثية بسويسرا أن 70% من الرجال البريطانيين، ونصف الرجال في كل أنحاء أوروبا الغربية يمتون بصلة قرابة لتوت عنخ آمون, فأيهما نصدق؟ ومن يوقف هذه المزاعم المغلوطة؟ ومن يرد علي هذه المزاعم بعد إصدار تعليمات للعاملين بوازرة الآثار بعدم الرد صحفياً في أي موضوع؟ نشرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية دراسة تناقلتها الأسبوع الماضي وكالات الأنباء العالمية مفادها أن تحليل الحمض النووي للملك توت عنخ آمون، أثبت أنه كان ابنا لأخ وأخت، ما أدي إلي حدوث كثير من التشوهات في جسده، وكان يمشي ممسكا بعصا، ونشرت الصحيفة صوراً تقريبية للمك الصغير تبرز ملامحه وشكل جسده. وأظهر التشريح، الذي جري علي الملك بواسطة تنفيذ 2000 إشعاع في جهاز الكمبيوتر، أن القناع الذهبي للملك الذي دفن به يظهر صورة من الجمال المهيب والسلطة الحاكمة، بينما اختلف جسده تماما عن تلك الصورة، وذلك وفق الدراسة التي أجراها العلماء وتعد أكثر دقة من سابقتها، علي بقايا الملك. عاني الملك من قدم مشوهة تميل للداخل ويطلق عليها "Club Foot" وأسنانه كانت متفرقة وبها بروز خفيف، أما أردافه فكانت ممتلئة قليلا، وكان هذا المسح بالإشعاع بالتزامن مع تحليل الحامض النووي للعائلة الذي أظهر أن أبويه كانا أخا وأختا، ما أدي لتلك التشوهات الجسدية الكثيرة بجسده، والناتجة عن الاختلافات الهرمونية. ويعتقد العلماء الذين قاموا علي البحث، وفق "ديلي ميل"، أن يكون الملك توفي باكرا في آخر سنوات المراهقة نتيجة الاختلال الهرموني والأمراض الوراثية الناتجة عن زواج أشقاء. كما قال مدير «معهد المومياوات في إيطاليا» ألبرت زنك. وقد توصّل الباحثون إلي رسم صورة تقريبية للفرعون، تظهر أنه عاني تشوّهات خلقية كالعرج في ساقه، ووركين أنثويين، وأنياباً كبيرة في فمه إلي جانب أمراض أخري. كذلك، أفضت الدراسات الجديدة إلي أن تلك التشوهات سببها أن والدَي توت كانا شقيقين، فوالده إخناتون كان متزوجاً أخته. ولم يكن تشويه الملك توت عنخ آمون هو الأول من نوعه، بل سبق أن سعي الغرب إلي تشويه صورة الملك إخناتون إله التوحيد عندما نشرت دراسة أمريكية أن "إخناتون" لم يكن أكثر الفراعنة "رجولة" رغم أنه أنجب ست بنات، وخلصت الدراسة إلي أنّه كان ذا بنية أنثوية وأن رأسه بيضاوي الشكل. الأخصائي في المصريات "دونالد ردفورد" وافق علي نظرية خنثوية إخناتون لكنه يعتقد أن الفرعون كان يعاني من عوارض "مارفان" التي تتميز بإطالة وتكبير الأشكال بما فيها الأصابع والوجه، فيما يعتقد باحثون آخرون أنّ إخناتون كان يعاني من عوارض "فروهليش" التي تتسبب في زيادة الوزن الأنثوي، لكنها أيضا تسبب العقم وهو ما لا ينطبق علي إخناتون الذي أنجب ستّ بنات. من جهته أشار "إروين بريفرمين" الأخصائي في تحليل أسباب وفاة الشخصيات التاريخية، إلي أن سبب الشكل الأنثوي لإخناتون هو تحول جيني دفع جسد الفرعون إلي تحويل هرمونات الذكورة إلي هرمونات أنوثة بمقدار أكثر من المطلوب، وأضاف أنّ شكل رأس إخناتون البيضاوي سببه ضمور في العظام في مرحلة مبكرة من العمر، وقال "لقد كان للفرعون مظهر خنثوي, لقد كانت له بنية أنثوية بأرداف كبيرة وثديين، غير أنه كان ذكرا أيضا بحيث أنه أنجب ستّ بنات". وكان ضرورياً استطلاع رأي علماء الآثار المصريين في هذه الدراسات التي تشوه تاريخ مصر وتطل علينا كل حين من دول الغرب التي تحاول بشتي الطرق التشكيك في حضارة مصر. حيث يقول الدكتور زاهي حواس وزير الآثار الأسبق إن خمس علماء مصريات من فرنسا عملوا دراسة تنم عن الجهل الشديد ويقول إن الشكل الذي صمم لتوت عنخ آمون من المجموعة الفرنسية نرفضه تماما خصوصا أنهم قالوا إن رجليه من أعلي تشبه النساء وهذا الكلام ليس له أساس من الصحة. وأكد حواس أن هذا الكلام قيل قبل ذلك عن الملك إخناتون بأنه مخنث وجسده أنثوي لكن هذا الكلام ليس له أي أساس من الصحة لأن إخناتون إله التوحيد وعندما قام الفنان بعمل تمثال له كان إخناتون هو الرجل والمرأة وهو كل شيء في حياة المصريين القدماء. وبشأن حقيقة أن توت كان يمشي بعكازين قال الوزير الأسبق: إن هذا كذب وتضليل ولدينا أدلة تنفي ذلك أولها أن الملك توت عمل لنفسه استراحة في الصحراء بمنطقة المنيا كانت خاصة برحلة الصيد وفي ذلك الوقت كانت عاصمة مصر هي منف ومركزها في الأقصر فكيف كان يأتي إلي المنيا لكي يصطاد ! مضيفاً أن إخناتون تزوج من اختة بنت امنحوتب الثالث واكتشفنا من خلال الحامض النووي للمقبرة 35 أن السيدة الصغيرة هي أم توت عنخ آمون، وأكد زاهي أنه لا يمكن للمشاكل الصحية التي عاني منها توت عنخ آمون أن تصوره كأنه "واحد شحات معوق". أما الدكتورة سامية الميرغني مدير عام مركز البحوث والصيانة والمتخصصة في علم الإنسان فأكدت أن والد توت عنخ آمون لم يكن متزوجاً من أخته، والدليل أن مقبرة والدته وجدت في سقارة، والثابت أن توت لم يكن نتيجة زواج أخ وأخت، لأن الأسرة "18" ليس بها زواج من هذا النوع إلا حتشبسوت التي تزوجت من أمنحوتب الثاني، وكان أخاً غير شقيق من أبيها، وليس أمها والبنت التي أنجبتها حتشبسوت لم ترث العرش. واعتبرت الميرغني أن الهدف من إشاعة هذا الموضوع الآن هو إثارة الجدل في ضوء سعي اليهود إلي تزوير التاريخ. في السياق يؤكد الدكتور أحمد صالح مدير صندوق إنقاذ آثار النوبة أنه حذر من هذا الموضوع منذ سنوات منذ المحاولات الأولي لرسم وجه توت عنخ آمون حيث جاء شكل الوجه قوقازياً، مشيرا إلي أن الغرب يريد تغريب الحضارة المصرية التي هي أصلها أفريقية أما القوقازي فيختص بدول البحر المتوسط وأوروبا، رافضاً الحديث عن فكرة التشوه الجيني قائلا إن إخناتون تزوج اثنتين الأولي معروفة وهي نفرتيتي، والثانية من المحظيات وتسمي "كيا" التي نتوقع أنها أم توت عنخ آمون، خصوصاً أن هناك صورة في أحد المعابد تصور سيدة علي سرير المرض وأمامها إخناتون يبكي وطفل صغير تحمله إحدي المربيات وبالتالي فإن "كيا" هي الأقرب لأن تكون أم توت. ويؤكد صالح أن نفس الكلام قيل عن إخناتون بأنه مخنث وهذا كلام لا يصح. فإخناتون هو الوسيط بين الله والبشر ودائما الوسيط يحمل صفات الخالق الذكر والأنثي لذا رسمه الفنان بنفس الصوره الرمزية، مضيفاً: الأغرب في موضوع توت عنخ آمون أن الدكتور أشرف سليم المختص في عمل الأشعة لمعظم المومياوت الملكية، من ضمن الفريق الذي قام بهذه الدراسة فكيف يشارك مصر في هذه المهزلة ! لابد من وقف هذه المهزلة بتغيير نظام دراسة الآثار في مصر لدراسة المصريات لأننا توارثناها من أوروبا. وتقول الدكتورة زينب حشيش المتخصصة في الآثار الحيوية بوزارة الآثار: لابد من فحص استيولوجي للمومياء وقراءة التقرير العلمي لأن وجود أمراض وراثية أمر وارد، ولابد أن يكون نقدنا مبنيا علي أسس علمية، مشيرة في الوقت ذاته إلي أن جميع الآثار التي ظهر فيها إخناتون وتوت عنخ آمون وباقي ملوك الأسرة "18" لم يظهر بها أي تشوهات في القدم أو إعاقات، لكن لابد من الوضع في الاعتبار أن المدرسة المثالية في فن النحت كانت تصوِّر الملوك في هيئة مثالية، وعموماً فإن فحص العظام هو الفيصل لإظهار الحقيقة.