مرضى بسطاء فى انتظار فتح أبوب الأمل أملٍ جديدة فُتحت لملايين المرضي المصابين بالتهاب الكبد الوبائي «فيروس سي» بعد إعلانِ وزارة الصحة الحرب علي الفيروسات الكبدية بخطةٍ قوميةٍ سلاحها فيها عقار «سوفالدي» الجديد، حتي أصبح الحصول علي «الحبة الصفراء» حلماً يراود الآلاف ممن تكدسوا أمام المستشفيات ومعاهد الكبد في أول أيام صرف العلاج الجديد أملاً في التخلص من الفيروس الذي ينهش أكبادهم، حيث وصل عدد من تقدموا بطلب لتلقي العلاج نصف مليون مريض. إلا أن معركةً موازية نشبت في الأوساط الطبية وانتقلت إلي المنابر الإعلامية عن مدي فاعلية العلاج الجديد والبروتوكولات التي يطبق بها علي المرضي في مصر. انتقاداتٌ كثيرة وجهت إلي اللجنة القومية للفيروسات الكبدية في إدارتها لهذا الملف، فرغم إعلان اللجنة أن نسبة نجاح العلاج الجديد في القضاء علي «فيروس سي» تتجاوز 90% شكك البعض في طبيعة الصفقة التي تمت مع الشركة الأمريكية المنتجة للعقار، ورأي خبراء أن هناك أخطاء فادحة تمت في اعتماد بروتوكولات العلاج الجديد. يؤكد الدكتور حسني سلامة أستاذ الكبد والجهاز الهضمي بكلية الطب جامعة القاهرة أن عقار «سوفالدي» يمثل طفرةً علمية في علاج فيروس سي لما له من قوة وفاعلية في القضاء علي الفيروس، بشرط أن يطبق البروتوكول العلاجي الخاص به وفق المعايير الدولية التي اعتمد بموجبها من هيئة الدواء والغذاء الأمريكية وهي أن يؤخذ كعلاج ثلاثي يضم السوفالدي وحقن الإنترفيرون وكبسولات الريبافيرين لمدة ثلاثة أشهر. لكن الكارثة أن لجنة الفيروسات الكبدية أقرت بجانب هذا البروتوكول نظام العلاج الثنائي الذي يضم عقاري «سوفالدي» و «ريبافيرين» فقط للمرضي الذين لايناسبهم الإنترفيرون كمرضي التليف الكبدي ومن يعانون من الأمراض المناعية وغيرها من الموانع. يضيف: هذا العلاج الثنائي لم يطبق في أي دولة من دول العالم، ولم يرد ذكره إلا في توصيات بعض الجهات كالجمعية الأوروبية للكبد التي وضعته كأحد الخيارات الضعيفة التي تحتل مرتبة C2 لأنه يحتاج إلي المزيد من الأبحاث والتجارب الإكلينيكية لاعتماده، ولكن ما حدث للأسف أن وزارة الصحة سجلته وبدأت اللجنة القومية للفيروسات في تطبيقه. الكارثة في العلاج الثنائي كما يؤكد دكتور حسني أنه قد يأتي بنتائج عكسية محدثاً مضاعفات خطيرة للمريض، لأن الفيروس يمكن أن يتحور وينتشر وينتج عنه نوع جديد يقاوم جميع الأدوية المتاحة، فهذه الفئة من الأدوية لا تؤخذ منفردة لأنها تهاجم الفيروس نفسه بعكس الأدوية التي كانت تعمل علي رفع مناعة الجسم فقط، لذا لزم استخدامه ثلاثياً أي بإضافة حقن الإنترفيرون ليُحاصر الفيروس ويقضي عليه بنسبة كبيرة. يتابع: كان يجب علي وزارة الصحة أن تنتظر عقار «هارفوني» الجديد الذي تم اعتماده من هيئة الدواء الأمريكية، لأنه أكثر أدوية الكبد فاعلية وأمان للمرضي الذين لايناسبهم العلاج الثلاثي. لكن بهذه العشوائية التي تتعامل بها لجنة الفيروسات الكبدية أخشي أن يكون بانتظارنا فيروس متحور جديد. ويري الدكتور محمد سعودي وكيل النقابة العامة للصيادلة أن صفقة إدخال «سوفالدي» إلي مصر والاتفاقات التي تمت بين وزارة الصحة والشركة الأمريكية المُنتجة تدعو إلي الريبة وتثير الشكوك لغموضها وافتقادها الشفافية ولإصرار الحكومة علي الاسراع في إتمامها بأي طريقة رغم أن هناك مجموعات جديدة من الأدوية أكثر فاعلية من ال»سوفالدي»، ولم يتم إشراك نقابة الصيادلة في أي خطوة من خطوات التعاقد علي العلاج. يضيف: كما طلبنا من وزارة الصحة بخطاب رسمي إطلاعنا علي البروتوكول الذي تم توقيعه مع شركة «جلياد» المنتجة للعقار ولم يأتنا أي رد مع أن الدستور يكفل حرية تداول المعلومات، والكارثة أن يرأس عميد المعهد القومي للكبد اللجنة القومية للفيروسات الكبدية ويعين ضمن المشرفين علي تجارب شركة جلياد المنتجة للعقار، ويتم اختياره عضواً للجنة الفنية لتسجيل الدواء، وعضواً في لجنة المفاوضات مع الشركة الأمريكية المُنتجة. هذا الإجراء غير قانوني، فبغض النظر عن الأسماء لايمكن أن يكون نفس الشخص هو الخصم والحكم والمفاوض أيضاً. ويؤكد الدكتور سعودي أن المشروع القومي للقضاء علي فيروس سي الذي أطلقته وزارة الصحة هو في واقع الأمر بوابة للشركة الأجنبية لإجراء تجارب إكلينيكية علي عدد كبير من المرضي المصريين بالاتفاق مع القائمين علي ملف «سوفالدي». ومايعكس احتياج الشركة لمزيد من الأبحاث والتجارب الإقرار القهري والمجحف الذي يُجبر المريض علي توقيعه للحصول علي علاج فيروس سي الجديد، والذي يتيح للجنة وفق بنده الثاني استخدام ما لديها من بيانات وتحاليل وعينات كبدية تخص المرضي في الأبحاث والتجارب، رغم أن وزارة الصحة هي جهة علاجية وليست جهة بحثية. يتابع: هذا الإقرار غير قانوني لأنه ينتقص من حرية المريض في إخضاعه للتجارب ويقتحم خصوصيته بتداول بياناته حتي وإن كانت بسرية، فواضعوه يستغلون عوز المرضي وجهلهم وحاجتهم للعلاج من المرض الذي ينهش أجسادهم. فرغم أن البحث العلمي مهم في أي علاج جديد إلا أنه يجب أن يسند إلي جهة مختصة تجري التجارب وفقاً لقواعد وأخلاقيات البحث العلمي وقانون الأبحاث الإكلينيكية. ويتساءل وكيل الصيادلة لماذا اكتفت وزارة الصحة بإخطار المريض في أول بنود إقرار الحصول علي «سوفالدي» بإيقاف العلاج إذا نتج عنه آثار جانبية ولم تتعهد في المقابل بعلاج هذه الآثار، طالما كان العلاج مازال في أطوار التجارب علي النوع الجيني الرابع من فيروس سي الموجود في مصر. ويؤكد أن هناك تقريرا صدر مؤخراً عن مركز السيطرة علي الدواء التابع لمنظمة الغذاء والدواء الأمريكية يوضح أن نسب الانسحاب من العلاج بال»سوفالدي» أي إيقاف المرضي لعلاجهم وصل لأربعة أضعاف النسبة التي كانت سائدة أثناء إجراء البحث مايقدر بعدد 2000 مريض، انتظاراً للأجيال الجديدة الأكثر فاعلية من علاج فيروس سي التي صدر أول عقاقيرها بالفعل وهو عقار ال«هارفوني». من جانبه حذّر الدكتور جمال عصمت أستاذ أمراض الكبد والجهاز الهضمي بكلية الطب جامعة القاهرة وعضو لجنة مكافحة الفيروسات الكبدية من أن الجدل المثار حول «سوفالدي» يمكن أن يترتب عليه عواقب وخيمة تُحدث حالة من البلبلة والاضطراب لدي المرضي من العامة الذين ليس لهم دراية بالتفاصيل العلمية الدقيقة، فالاختلاف والنقاش والجدل العلمي لايجب أن يكون عبر منابر وسائل الإعلام وإنما داخل المؤتمرات الطبية والمعامل البحثية. إلا أن هناك من يتخذ موقفاً مضاداً من هذا المشروع القومي ويدخل في مهاترات غير جدية ولاتستند إلي أسس علمية متبنياً نظرية المؤامرة لأنه لم يتم اختياره ضمن أعضاء اللجنة. يتابع: عقار «سوفالدي» أحدث ثورة في علاج فيروس سي لأن نسب نجاحه تصل إلي 95% وهذا بإقرار هيئة الدواء والغذاء الأمريكية التي اعتمدت العلاج في ديسمبر الماضي علاجاً ثلاثياً، أما العلاج الثنائي الذي كثرت بشأنه أقاويل لا أساس لها من الصحة فهو متبع عالمياً وضعته الجمعية الأمريكية والجمعية الأوروبية لدراسة الكبد في توصياتها، ورغم أن كفاءته أقل من الثلاثي إلا أن أعراضه الجانبية أقل. ويؤكد د.عصمت أن البند الخاص باستخدام بيانات المرضي لعمل الأبحاث، الوارد في الإقرار الذي يوقعه المريض للحصول علي «سوفالدي» تم تأويله بشكلٍ مغلوط، فاستخدامه يحفظ للمريض حقه في الموافقة علي استخدامنا لبياناته. كما أن الهدف الأساسي من هذا الإقرار مساعدتنا في وضع خطة استراتيجية لتطوير العلاج.