صحت دمشق ذات صباح وبالتحديد أوائل مارس عام 8591 لتجد الرئيس جمال عبدالناصر علي أرضها.. وهناك أسرع عشرات الألوف يجرون في شوارع دمشق ليستقبلوا الزعيم الذي عاشوا علي حلم رؤيته وجها لوجه.. وفي الصباح الباكر كان الرئيس يستمع لبرنامجه المفضل علي الناصية الذي تقدمه الأعلامية الكبيرة آمال فهمي.. حيث عقدت الدهشة لسانها فترة قصيرة.. ولكن البهجة عمت أرجاء قلبها حينما علمت باتصال من الرئيس من سوريا وزادت دهشتها بعد معرفتها أن الزعيم عبدالناصر يستمع إلي برنامجها الأسبوعي «علي الناصية» ويتابعه باهتمام شديد وقد تحدثت الإذاعية آمال فهمي عن الدهشة التي تحولت لبهجة وفرحة وحب جارف لهذا الزعيم الراحل. لأنه في أحد الأيام وبعد مرور وقت قليل علي إذاعة إحدي حلقات البرنامج فوجئت باتصال تليفوني بعد اتصال الرئيس من مكتب الرئاسة ليتدخل الرئيس بنفسه في حل مشكلة مواطن خرج من السجن معلنا توبته ويبحث عن عمل شريف .. وعلي الفور أمر الرئيس بعمل كشك دفع ثمنه من جيبه الخاص «خمسين جنيها» في ذاك الوقت ليبدأ مشروعه الصغير والطريف أن الكشك بعد الانتهاء من أقامته أطلق عليه «علي الناصية» تيمنا باسم البرنامج وكان موقعه بجوار مبني الاذاعة القديم بالشريفين. صورة بالحجم الطبيعي للزعيم الراحل جمال عبد الناصر محاطة بعلم مصر، وبصوته في أشهر خطبه، وسط هذه الأجواء تخطو بقدميك إلي داخل متحف الزعيم بالقرية الفرعونية، الذي يرصد حياة عبدالناصر منذ نشأته الأولي مخلداً ذكراه وذكري الأحداث الجسام التي عاصرتها مصر معه منذ ثورة 23 يوليو 1952 حتي وفاته ومشهد وداعه الأسطوري في عام 1970مرورًا بتأميم قناة السويس والتصدي للعدوان الثلاثي وبناء السد العالي والوحدة بين مصر وسوريا ثم الانفصال، كلها أحداث حاضرة في المتحف الذي يقدم بانوراما كاملة عن فصل شديد الخصوصية في تاريخ هذا الوطن، في أمتار قليلة تستطيع أن تلقي نظرة علي قصة زعيم وأمة ووطن. منذ أن تدخل المتحف حتي تتعرف علي تفاصيل حياة عبدالناصر، عبر 170 صورة نادرة تقدم الكثير من التفاصيل الدقيقة لحياة الزعيم الراحل منذ طفولته حتي زعامته وانتهاء بجنازته التي شارك فيها الملايين، الكثير من الوثائق تحكي قصة عبدالناصر منذ ولادته، حيث هناك صورة للمنزل الذي ولد فيه يوم 15 يناير سنة 1918 بحي «باكوس» في الإسكندرية، وصورة لتقرير يوضح خروجه في أول مظاهرة في حياته ضد الإنجليز وعمره 12 عامًا وأصيب في رأسه بضربة من أحد رجال الشرطة، وصورة أخري لتخرجه من الكلية الحربية في يوليو 1938 تظهر الصورة عبد الناصر وهو يحمل علم الكتيبة في طابور احتفال التخرج. هناك في المتحف مجموعة من الوثائق المهمة التي تؤرخ لهذه المرحلة حيث يحتوي المتحف علي رسائل كتبها الزعيم عبدالناصر قبل الثورة بعشرة أعوام إلي صديقه حسن النشار عام 1941وقال محمد عبدالله، المرشد بالمتحف ل»آخر ساعة»: «إن من أهم مقتنيات المتحف صورة لتنظيم الضباط الأحرار وكان عددهم 20 شابا وكان يرأسهم الرئيس الفخري اللواء محمد نجيب بينما كان القائد الحقيقي هو جمال عبدالناصر، كما يحتوي المتحف علي لوحات تشتمل علي مقتطفات من آراء الصحافة العالمية في عبد الناصر، وبعض الصور الخاصة به في أغلفة المجلات الأجنبية، فقد كتب روبيرت شيرود في مجلة «بوست» في مايو 1963: «مرة أخري نقول إن عبد الناصر يشكل محور المركز السياسي للشرق الاوسط فهو بطل خارق بالنسبة للملايين القلقة في العالم العربي». الجولة تأخذنا إلي أحد جوانب المتحف لنجد صور الجنازة الأسطورية التي تلخص العلاقة الخاصة بين عبدالناصر والشعب المصري، جنازة حضرها 5 ملايين شخص، عندما كان عدد سكان مصر لا يتجاوز 26 مليونا، التقرير الطبي للزعيم من كتاب الدكتور منصور فايز «مشوار مع عبد الناصر»، يوضح أسباب وفاة عبد الناصر المبكرة عام 1970والتي كان ملخصها انتحاره بالعمل في حب هذا الوطن فكان يعمل ما لا يقل عن 18 ساعة يومياً متحدياً الاستعمار القديم والجديد، مدافعاًعن أحلام الملايين في حياة كريمة، فسقط الفارس من علي الجواد وهو في 52 من عمره. أما مجسم السد العالي الذي يزين المتحف، فهو يلخص قصة صمود الشعب المصري الذي قهر المستحيل وأنجز واحداً من أكبر مشروعات التنمية في القرن العشرين علي مستوي العالم كلهيضم المتحف عددا كبيرا من مقتنيات الرئيس الراحل الشخصية مثل البدلة العسكرية والبدلة الشخصية له والتي كانت تتميز بوضع منديل أبيض علي شكل ثلاثة أهرامات وملابس الإحرام الخاصة به، والنظارة المعظمة والنظارة الشخصية والكاميرا الخاصة بالزعيم والراديو الذي كان يحب الاستماع عبره إلي أخبار العالم، عبر إذاعات العالم المختلفة، ومن المقتنيات المهمة علم مصر الذي سافر مع مركبة الفضاء الأمريكية أبوللو، ويوجد في قمته بعض الأحجار الصغيرة من سطح القمر، والذي أهداه له الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، وتمثالين نصفيين لعبدالناصر وبعض العملات والطوابع المتمثلة في تلك الفترة، و شرائط الفيديو التي تتناول بالشرح المواقف السياسية المهمة التي حدثت في حياة الرئيس الراحل، وتصويرا نادرا لجنازته الشعبية الكبيرة. وهناك ركن يضم مجموعة من الصور التذكارية التي التقطت له مع الملوك والرؤساء وزعماء العالم ومنها صور طريفة له علي الجليد في الاتحاد السوفيتي، وصورة له مع شكري القوتلي الرئيس السوري، أثناء إعلان الوحدة مع سوريا، وصورة أخري له في باكستان مرتديا الزي الباكستاني, وصورة له مع رئيس الوزراء الهندية أنديرا غاندي، ومع بطل أبطال الملاكمة محمد علي كلاي.