الحكايات تبقي، لأنها تُروي دائما، وتتبادلها الأجيال، وتضيف إليها بعض التفاصيل، أو تحلل بعضا من محتواها، ولذلك فالقصة الواحدة تسمعها بتفاصيل مختلفة، ربما تغير تماما من درجة استقبالك لها، وتجعلك تعيد النظر فيما كنت تعتبره مُسلمات، أو حقائق ثابتة! حتي تبدو الحدوتة مثل أي كائن حي، ينمو ويتطور، وينضج، ولكنها تمتاز عن الكائن الحي في أنها خالدة لاتموت!بينما يموت من ابتكرها أو رواها! حكايات ألف ليلة وليلة أعظم مصنف أدبي عربي، مجهول النسب، لاتعرف بالضبط، من الذي ابتكر هذه الحكايات المشوقة، ومن جمعها، وأضاف إليها، ومنحها هذا السحر الذي أبقاها لمئات السنين؟ ولكن الغريب أن السينما المصرية، لم تتعامل مع حكايات الف ليلة، ألا في أضيق الحدود، ربما أوبريت هنا أو هناك في أفلام فريد الأطرش أو محمد فوزي، وفيلم ألوان من إخراج حسن الإمام اسمه ألف ليلة وليلة، لعبت بطولته شادية وفريد شوقي ويوسف شعبان وليلي فوزي، والوجه الذي كان جديدا في الستينيات «عمر الترجمان» ثم اختفي من علي الساحة، ورغم أن الفيلم كان طريفا ومقبولا، إلا أنه لم يلق رواجاً، ربما لأن خيال الناس كان أكثر رحابة من إمكانيات الفيلم، التي كانت بسيطة وضحلة، وتعاملت مع الحدوتة باعتبارها قصة اجتماعية لها مدلول أو إسقاط سياسي، علي فساد الحكم في سنوات الستينيات، وربما يكون للمخرج التليفزيوني فهمي عبدالحميد، الفضل في تذكير الجماهير بحكايات ألف ليلة وليلة، عندما قدمها في مسلسلات رمضانية متتالية لعبت بطولتها شريهان، وبذل فيها جهدا إبداعيا ضخما غطي علي ضعف الإمكانيات، وبعد توقف شريهان أو انسحابها من الحياة الفنية فترة من الوقت، حارت حواديت ألف ليلة بين مجموعة من النجمات منهن ليلي علوي وإلهام شاهين، ودلال عبد العزيز وإيمان الطوخي، ثم توقفت تماما، بعد وفاة فهمي عبد الحميد! وكانت هناك محاولة لإحياء ألف ليلة وليلة من خلال مسلسل يستخدم فيه أحدث إمكانيات التكنولوجيا، ويشارك فيه حشد من النجوم، لكن الموضوع توقف بدون إبداء أسباب بعد رواج المقدمات الدعائية الخاصة به! ولا أعتقد أن أحدا في السينما المصرية أو حتي في الدراما التليفزيونية يمكن أن يعيد الكرة، ويحاول أن يقدم حكايات ألف ليلة وليلة، برؤية جديدة، فالابتكار والخيال مسائل تعد من الرفاهية غير المطلوبة في أيامنا هذه التي يسيطر عليها القبح، لدرجة تثير الغثيان! السينما الأمريكية قدمت عددا ضخما من أفلام الرسوم المتحركة، مأخوذة عن قصص الأطفال، الجميلة والوحش، عروسة البحر، علاء الدين إلخ، وحققت هذه الأفلام نجاحاً كاسحاً وإيرادات ضخمة جعلت شركات الإنتاج تفكر في تقديم قصص الأطفال الشهيرة في أفلام روائية من بطولة أهم نجوم هوليوود، مثل «يامرايتي « MIRROR MIRROR الذي لعبت بطولتة جوليا روبرتس وهو معالجة مختلفة لحكاية سنو وايت أو بياض الثلج والأقزام السبع، وتم إعادة نفس الحكاية بتصرف ولعبت دور الملكة الشريرة رائعة الحسن تشارليز ثيرون، وربما الملفت في هذه المعالجات اختيار ممثلات علي درجة من الجمال والشهرة لأداء شخصيات بالغة الشر، مما يخلف تصوراتنا الطفولية عن أن الشر، مرادف للقبح، وهو التصور الذي فرضته علينا قصص الأطفال المصورة، مع أن المنطق يقول لماذا يتزوج ملك ما، سيدة دميمة وقبيحة المنظر، يكتشف بعد ذلك أنها ساحرة شريرة، كما حدث في حكاية سندريلا وسنووايت والجميلة النائمة؟؟ ولكن يبدو أن خيال بعض السينمائيين كان أكثر منطقية في تقديم رؤية مخالفة تؤكد أن الجمال يمكن أن يكون أحد أسلحة الشر! كما أن الأطفال يمكن أن يكونوا سببا للذعر ايضا، وهو ماجعل أشهر أفلام الرعب تستعين بالأطفال، الذين كانوا مرادفاً للبراءة والنقاء في مخيلتنا، المتوارثة! فيلم «ماليفسينت» هو أحدث تلك الأفلام المأخوذة بتصرف من قصة الأميرة النائمة، أو الأميرة في غابة النوم، التي ابتكرها الإخوة جريملين، وكانت من أشهر قصص الأطفال المصورة أيام كان أجدادنا أطفالا، والحكاية كما أتذكرها عن ساحرة شريرة، طلع في دماغها تصيب ابنة الملك بلعنة، تجعلها تصاب بداء النوم الأبدي، الذي لاتفيق منه أبدا، إلا إذا قبلها أحدهم قبلة حب صادقة! وأحيانا يكتفي الطفل بقراءة القصة، ولايخطر بباله أن يسأل عدة أسئلة منطقية، كما أن أهله لايتبرعون بالإجابة أو التفسير لأنهم أيضا، تعاملوا مع القصة كما هي دون مراجعة أو سؤال، كماحدث مع حكاية علي بابا التي مرت علينا جميعا حكايته ببساطة واعتبرناه رجلا غلبانا وطيبا، رغم أنه في الحقيقة حرامي قراري، سرق مالا ليس من حقه، واستعبط كما استعبطنا معه، ولم نفكر في أن من يسرق مالا مسروقا هو أيضا حرامي، وأن المغارة الشهيرة التي كان يخفي فيها عصابة الأربعين حرامي الأموال والذهب والياقوت والألماظ المسروق، لم تكن سبيلا، يغرف منه الناس بلاحساب، وكل من يملك ناقة أو أكثر يعدي ويشيل، دون أن يفكر في إبلاغ الشرطة عن مكان المسروقات، غير أن الصحفي الساخر أحمد رجب الله يعمر بيته، هو من لفت أنظارنا، إلي أن علي بابا راجل حرامي قراري ومش راجل طيب ولاحاجة، من خلال قصته القصيرة «محاكمة علي بابا» التي تحولت إلي فيلم تليفزيوني من أجمل وأظرف ما قدمته أفلام التليفزيون ولعب بطولته يحيي الفخراني وإسعاد يونس! ونعود إلي فيلم «ماليفسنت» الذي لعبت بطولته الجميلة إنجيلينا جولي، وأخرجه «روبرت سترونبيرج» في أول تجاربه بعد تألقه ونجاحه في تقديم المؤثرات البصرية لأشهر أفلام الخيال مثل البوصلة الذهبية، لعبة الجوع، قراصنة الكاريبي، حياة باي، وأضافت كاتبة السيناريو «ليندا وولفيرتون» بعدا إنسانياً، وزاوية رؤية مختلفة أضافت قيمة أكثر عمقا ومنطقية للحكاية المعروفة، وأجابت علي أسئلة كان علينا أن نسألها، ولم نفعل! تبدأ حكاية الفيلم من مملكة صغيرة مليئة بالخيرات يسكنها بعض كائنات غريبة ولكنها لطيفة ومسالمة، وتبدو الجنية الطيبة ماليفسنت التي لديها قدرة علي السحر تستخدمها في الدفاع وليس الهجوم، تلتقي ماليفسنت وهي في سنوات الطفولة بشاب فقير ويتيم هو «ستيفان» يميل قلبها له، رغم اختلافهما فهي جنية وهو من أبناء آدم، وبعد سنوات تصل ماليفسنت الجميلة إلي سن النضج وتصبح جنية يافعة، لها جناحان قويان ، تُحلق بهما وسط السحب وتستخدمهما في الدفاع، وهما أغلي ماتملك، ولكن يحدث أن أحد الملوك يقرر مهاجمة الغابة للسيطرة عليها وعلي ثرواتها، فتتصدي له ماليفسنت مع كائنات الغابة وتنزل بجيشه هزيمة نكراء، وتصيبه في مقتل، ويطلب الملك من رجاله الانتقام من «ماليفيسينت» ويعد من يأتيه برأسها أن يكون وريثا لعرشه، وهنا يفكر «ستيفان» في أن يغتنم الفرصة، ليصبح ملكا ويذهب إلي الغابة، وينادي حبيبته ماليفسنت فتأتيه وقلبها مليء بالحب والثقة، ويشربان حاجة «أصفره»تغيب بعدها الجنية الطيبة عن الوعي، وهنا تبلغ ندالة ستيفان مبلغها حيث يستل خنجرا ويقرر أن يقتلها، ولكنه يتراجع ويقرر بدلا من ذلك أن يسلبها أعز ما تملك!! لاتجعل خيالك يذهب بعيدا، وتسترجع كل ماشاهدته في أفلامنا القديمة، الحكاية مش كده خالص، فقد كان أعز ماتملكة ماليفيسنت هو جناحاها، حيث ينزع الحبيب مصدر قوتها، ويذهب به إلي الملك، وهنا تصبح الجنية الطيبة مجرد امرأة ضعيفة ومكسورة لاتمتلك إلا قدرة متواضعة علي السحر، وعندما تعلم أن حبيبها قد تزوج وأنجب طفلة صغيرة، تقرر أن تصيبها بلعنة، كنوع من الانتقام، وتكون اللعنة أن تصاب الفتاة بحالة نوم أبدية بعد أن تنغرس أصبعها في إبرة آلة للغزل، لاتفيق من تلك الغيبوبة إلا إذا نالت قبلة حب حقيقي!! لماذا لاتستبدل الساحرة تلك اللعنة بشيء آخر يؤدي إلي وفاة الطفلة مثلا، وهو السؤال الذي لم يتبادر إلي أذهاننا عندما كنا صغارا، والإجابة التي يقدمها الفيلم أن الموت هو راحة للأب والطفلة معا، أما بقاؤها في حالة ثبات يستمر مدي الحياة فهذا يعني عذابا أبديا لايطاق، ثم الأمل في أن تفيق الطفلة إذا تلقت قبلة حب حقيقية، فهو احتمال لن يتحقق، لأن الجنية ماليفيسنت تعلم جيدا أن الحب الحقيقي وهم وغير موجود علي ظهر الأرض، وهي حقيقة يعلمها أيضا الملك الخائن، الذي غدر بمحبوبته كي يرث العرش! ولكن الحكاية لا تسير وفق الحدوتة التي قرأناها وعاشت في وجداننا لسنوات، حيث تصبح الطفلة الصغيرة محل رعاية ماليفسنت، التي تندم علي اللعنة التي أطلقتها علي طفلة ليس لها ذنب، وتحاول التراجع عن لعنتها ولكنها لاتستطيع! قيمة الفيلم في هذا الحضور الطاغي لبطلته أنچيلينا جولي، حيث تباين أداؤها بين الحنان والقسوة، والرغبة في الانتقام، هذه العيون الجميلة وملامح الوجه النحيف المسحوب ، وتلك الشفاه الغليظة إحدي وسائلها في التعبير، بالإضافة إلي الصوت الذي تستخدمه أحيانا ليبدو مثل الفحيح، أو ليعبر عن الغضب والتهديد!وكان لبرودة أداء شالتو كوبلي الذي لعب شخصيه ستيفان أثره في كراهيتك نفورك من الشخصية، والحكاية ليست براعة أداء ولكن اختيار شخص بلا أي حضور كان له تأثير واضح يجعلك تتمني لو يختفي من علي الشاشة، طبعا لو أن المخرج حريف في خلق المؤثرات البصرية، فقد امتلأ الفيلم بالكثير منها، وأهمها المعارك التي استخدمت فيها جناحيها كوسيلة دفاع، تقهر أعتي الجيوش! خيال المبدعين لانهاية له، والقصة التي قرأناها مرارا وحفظنا تفاصيلها، يقدمها الفيلم برؤية مختلفة ونهاية لم يتوقعها أحد! تجيب علي السؤال الذي تكاسلنا عن طرحه لماذا قامت الجنية بلعنة الطفلة الصغيرة، وماالذي كسبته من هذا الشر المجاني؟؟ ولكن الفيلم يجيبك عن كل تلك الأسئلة ويجعلك تري الحكاية بشكل مختلف تماما!